الرئيسية » اراء ودراسات » “حماس” من هي ؟ وكيف صعدت ؟

“حماس” من هي ؟ وكيف صعدت ؟

خليل حرب

انصبت انظار العالم على حركة حماس الفلسطينية التي شنت في 7 تشرين الاول 2023، الهجوم الاكبر من نوعه على مواقع الاحتلال والمستوطنات المحيطة بقطاع غزة، محدثة زلزالا في ثقة اسرائيل بنفسها، واعادت الحركة بذلك الاهتمام بتاريخها، ونشاتها، ودورها في الصراع مع اسرائيل.

++++++++++++++++++++++

يربط البعض بشكل ملتبس نشوء حركة حماس (وهي اختصار لحركة المقاومة الاسلامية)، بالشيخ عز الدين القسام، الذي قتلته قوات الاحتلال البريطاني في فلسطين في العام 1935، في حين ان الحركة تاسست في الواقع في العام 1987 من قبل الشيخ احمد ياسين الذي كان وضع النواة الاولى لذلك من خلال “المركز الاسلامي” الذي هو بمثابة جمعية خيرية دينية واجتماعية الاهداف في العام 1973.

واذا كانت حركة حماس ترتبط فكريا وعقائديا بجماعة “الاخوان المسلمين” التي اسسها حسن البنا في مصر في العام 1928، ثم اقامت لنفسها مركزا في القدس خلال مرحلة الانتداب البريطاني، فان مبادئ حماس القتالية فيما يتعلق بواجبها “الجهادي”، تبدو مستوحاة او متاثرة بوضوح بمسيرة وارث عز الدين القسام، اذ من الشائع حول جماعة الاخوان المسلمين نفسها انها لم تشارك بفعالية في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي عندما احتل الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عدوان العام 1967، ما طرح الكثير من الشكوك والتساؤلات حول الجماعة التي كان تفضل التركيز على الاصلاح المجتمعي والديني.  

الناي بالنفس هذا من جانب جماعة الاخوان، كان يتعارض بشكل واضح مع فرع الجماعة الفلسطيني، اي حركة حماس التي تاسست لاحقا، حيث شاركت الحركة بشكل مهم في الانتفاضة الفلسطينية العام 1987، وتبلور جناحها العسكري “كتائب القسام” تدريجيا، وتطور منذ ذلك الوقت، ليتمتع بقدرات اتاحت له في ذروته الان القيام بعملية “طوفان الاقصى” التي الحقت اذى هائلا باسرائيل وقواتها واستخباراتها ومستوطنيها في 7 تشرين الاول 2023.

وربما من خلال اقتباس اسم “القسام” وسيرته، يمكن فهم جذور الفكر الجهادي الذي تبنته حركة حماس، ذلك ان عزالدين القسام، الذي ولد في سوريا الكبرى، وتحديدا في مدينة جبلة، بالقرب من اللاذقية، نشا مبكرا على معاداة المحتلين، وساعدته تنشاته في عائلة مهتمة بالامور الشرعية، على اكتساب خلفية دينية فقهية لعمله الجهادي، وهو فكر عززه ايضا بالتحاقه بالجامع الازهر الشريف في القاهرة.

بعض قادة المقاومة الفلسطينية الذين ابعدتهم اسرائيل من وطنهم الى لبنان بينهم هنية والرنتيسي والزهار

قادته افكاره الثورية هذه الى محاولة الوقوف في وجه الفرنسيين عندما احتلوا الساحل السوري خلال الحرب العاليمة الاولى، لكنه اضطر الى التسلل الى دمشق هربا منهم، ولما احتل الفرنسيون دمشق، لجا الى حيفا. لكنه عبر لفترات مختلفة الى اسطنبول وبيروت وصيدا وعكا، قبل ان يستقر في فلسطين التي شكل فيها، بعد استعدادات سرية عقائدية وفكرية وتدريبية، ما سمي ب”العصبة القسامية”، قبل ان يتم التضييق عليها من جانب البريطانيين الذين كان يصفهم بانهم راس الداء والبلاء، فيلجا عزالدين القسام الى جنين، ويحاصر ثم يقتل.

ولم يكن موت القسام عبثيا، ذلك ان آثار خطبه الحماسية والتحريضية في حيفا وغيرها، قد فعلت فعلها بين الناس، سواء بتشجيعهم على استشعار خطر الوجود البريطاني في البلاد، بما في ذلك تمهيدهم الارض لصالح الهجرة اليهودية تطبيقا ل”وعد بلفور” الشهير، وبالتالي ضياع فلسطين، او من خلال التصدي لتغلغل اليهود المهاجرين وعصاباتهم في المجتمع الفلسطيني المتنوع اسلاميا ومسيحيا ويهوديا.

ولهذا لم يكن مفاجئا انه بعد مقتله بعام، وتحديدا في العام 1936، اندلعت ما يعرف بالثورة الفلسطينية الكبرى. كما لم يكن مفاجئا ان القسام حاول قبل ذلك بكثير ايضا العمل والتعبئة للتصدي للغزاة الايطاليين عندما حاصروا ليبيا لاحتلالها في العام 1911. ولم تكن افكاره تقتصر على ذلك، اذ انه عرف بهمته ونشاطه لمساعدة الفقراء، وكان مثلا يوجه انتقادات للسلطات الدينية التي تبالغ في الاسراف على تزيين المساجد بدلا من شراء السلاح من اجل المقاومة، كما نسب اليه انه كان يدعو الى ايلاء الاولية لشراء السلاح، بدلا من اداء فريضة الحج.  

وربما لذلك، تبدو ملامح شخصية عز الدين القسام وسيرته، ملائمة تماما لحركة فلسطينية ناشئة لكي تقتبس اسمه من اجل جناحها العسكري، وان تعلن معارضتها لاحقا لما عرف باسم “اتفاقية اوسلو” التي ابرمتها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، مع اسرائيل في العام 1993، وابقت على خيارها بالمقاومة المسلحة، ما وضعها بصدام مع السلطة الفلسطينية التي اعلن قيامها ومقرها في رام الله.

ومنذ تاسيسها، قدمت حماس العشرات من كبار قادتها، بمن فيهم المؤسس الشيخ أحمد ياسين نفسه بغارة اسرائيلية في العام 2004، لكن عملية الاغتيال التي اثارت قبل ذلك اهتماما كبيرا باسم حماس، هي عملية اغتيال القيادي يحيى عياش في العام 1995، الذي كان يوصف بانه “مهندس العمليات الاستشهادية”، وايضا لاحقا اغتيال عبد العزيز الرنتيسي في العام 2004.

وكان على حماس خوض اختبار كبير اخر عندما وضعت فعليا امام امتحان ممارسة السلطة في العام 2006، بعدما فازت في الانتخابات الفلسطينية العامة، وأصبحت الحكومة المسؤولة عن ادارة قطاع غزة، وذلك بعد عام على الانسحاب الاسرائيلي من غزة في العام 2005، الى ان تفاقمت خلافات حماس مع حركة فتح في العام 2007، والتي تحولت الى اشتباكات مسلحة، افضت الى سيطرة حماس بالكامل على قطاع غزة، ما اثار مخاوف واسعة من انقسام فلسطيني لم يعرف من قبل، حيث صارت الخصومة واضحة بينها وبين السلطة في رام الله بقيادة محمود عباس، المتمسك ب”اتفاق اوسلو” وبالتعاون والتنسيق الامني مع سلطات الاحتلال، والمتهم ايضا من جانب العديد من الفلسطينيين بالتضييق على المقاومة في الضفة الغربية وغزة. 

ويقول مراقبون ان هذا الشقاق الداخلي، اضعف الموقف الفلسطيني بشكل عام، خصوصا امام اسرائيل التي، مع هيمنة حماس في غزة، وهشاشة موقف حكومة رام الله، اطلقت العنان لادواتها العسكرية والسياسية والامنية، لتهميش سلطة محمود عباس (وانما دون السماح بسقوطه بالكامل) سواء بالتضييق المالي او التوغلات العسكرية في مناطق السلطة الفلسطينية، وتنفيذ اغتيالات وجرائم قتل بالجملة، وفي الوقت نفسه، ضرب مقومات بقاء غزة ككيان فلسطيني، وايضا كسلطة تمثلها حركة حماس، فشهد القطاع حصارا منذ العام 2007، صار يوصف الان بانه جعل من غزة “السجن المفتوح الاكبر في العالم”، حيث لا مطار ولا ميناء ولا قطارات تربط فلسطينيي القطاع بالعالم، ولا حتى من اجل التجارة.

صورة نادرة لمحمد الضيف

وربما لذلك، ولاسباب عديدة اخرى، كان على غزة، وحماس وغيرها من فصائل المقاومة بما فيها حركة الجهاد الاسلامي، السعي من اجل البقاء. طورت الحركة قدراتها العسكرية تدريجيا، وتعرضت لسلسلة من الاعتداءات الاسرائيلية التي اودت بحياة الاف الغزيين، من بينها عمليات “الرصاص المسكوب” (2008)، ثم عدوان “عامود السحاب” (2012) ثم “الجرف الصامد” (2014)، ثم “صيحة الفجر” (2019)، ثم “حارس الاسوار” (2021)، ثم “الفجر الصادق” (2022).

ولم تكن حماس قد ولدت عندما اجبرت المنظمات الفلسطينية على الخروج من بيروت بعد الغزو الاسرائيلي العام 1982، لكنها ايضا عانت لاحقا من اشكاليات العمل من الشتات، فبعدما تمركزت قيادتها الخارجية لسنوات طويلة في دمشق التي امنت لها الحماية والايواء والتدريب والتسليح، تعرضت سوريا الى ضغوط غربية واميركية تحديدا، من اجل طرد قيادات المقاومة الفلسطينية من الاراضي السورية (بما في ذلك اللقاء الشهير لوزير الخارجية الاميركي الاسبق كولن باول حيث طرح مطالب للرئيس السوري بشار الاسد في العام 2003 بعد اسابيع قليلة على احتلال بغداد)، الا ان دمشق قاومت هذه الضغوط، وكان موقفها للموفدين الغربيين مفاده انه هؤلاء سيغادرون ما ان تصبح ارضهم في فلسطين محررة ليعودوا اليها.

النكسة ان صح التعبير للنشاط الحمساوي في الخارج، تمثلت في تورط قيادات من الحركة في الاحداث الدموية التي شهدتها سوريا فيما بعد العام 2011، حيث ثبت للسلطات السورية وصول اسلحة ووسائل تدريب بل وحتى مشاركة، في صفوف جماعات مسلحة في المناطق التي فقدت الحكومة السورية السيطرة عليها لفترات متفاوتة من الزمن، فخرجت بعدها قيادات حماس من العاصمة السورية، واستقر العديد منهم في قطر وفي تركيا. لكن “محور المقاومة” سعي تدريجيا الى راب هذا الصدع الداخلي في صفوفه، باستعادة حماس تدريجيا الى حضنه، بما في ذلك تصحيح العلاقات الحمساوية مع دمشق، كما طورت ايران مع حماس علاقات دعم متنامية.

وبالاجمال، وبرغم وجود “اتفاق اوسلو”، ترفع حماس شعارات اساسية تتمثل تحرير فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي، واقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما تنادي بالاضافة الى ذلك بتطبيق الشريعة الاسلامية في فلسطين. وهي بالرغم من مسؤوليتها عن حياة اكثر من مليوني فلسطيني في غزة، مطوقين بجدار اسمنتي من حوله وحصار فعلي، الا انها ايضا تواجه بعزلة وعقوبات غربية حيث تصنف كمنظمة ارهابية من جانب الولايات المتحدة مثلا، تفاقم من الاوضاع المعيشية والحيايتة لفلسطينيي القطاع، وهي بالتالي ليست قادرة على الصمود، لولا الدعم الذي تتلقاه من قطر وايران تحديدا، والتعاطف الذي تلقاه من حركات وقوى اسلامية حول العالم.

حجم وسلاح حماس

يقدر عدد مقاتلي “كتائب القسام” بحوالي 15 الف مقاتل ميداني، بالإضافة الى قوات احتياط اخرى، تقدر بالالاف.

وهي ايضا تمتلك مخونا كبيرا بالالاف من الصواريخ مثل “القسام” و”الفجر” و”القدس”، التي صار بعضها يصل مداه الى مئات الكيلومترات. وتمتلك ايضا الطائرات المسيرة، المستخدمة لاغراض الاستطلاع والهجوم.

“حماس” و”الجهاد”

علاقة حركتي حماس والجهاد الإسلامي متعددة الابعاد، وتتميز بمزيج من التعاون والتنافس، وهما تلتقيان على هدف تحرير فلسطين من الاحتلال، واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، كما تلتقيان من خلال غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتنسقان في احيان كثيرة عمليات اطلاق الصواريخ باتجاه المواقع الاسرائيلية.

لكن من المعتقد ايضا، ان حماس تتمتع بشعبية اكبر في قطاع غزة، بينما ان حضور الجهاد الاسلامي في الضفة الغربية اكبر منه في غزة. وبرغم المنافسة بينهما، الا ان شراكتهما في مواجهة الاحتلال، تبقي صفوفهما متقاربة عادة.

https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/12205.pdf

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".