الشرق الأوسط هو في “وثيقة ولادته” أقرب إلى أن يكون “شُـهرةً” منه إلى أن يكـون اسـماً. فهـو أوّلاً الشرق، لأنـّه شرق الذّات الأوروبيّة. وهـو اسمٌ لم يَختَرْهُ أصحابُه لـه، ولكنّه انتهى إليهم كما هو، فجاء ليعكس غلبة حلّت بمنطقة فجرى رسْمُها وإعادةُ تكوينهـا على أساس هذه الغَلَبَة، وتحت ضغْطِ الأحـداث الدوليّة.
لكنّ الشرق الأوسط الذي لم يسبق له، منذ عصور الأقدمين، أن كان في قلب العالم ومركزه، يحتلّ اليوم منزلة القلب تلك في جدول أعماله. فمع فشل القطبيّة الأحاديّة في العالم وبروز الشرق الأقصى كخَصمِ مُحتمَلِ لغربٍ غالِبٍ مُهيمن، فضلاً عن التأثيرات الأخيرة التي خلّفتها جائحة كوفيد 19، يضطلع الشرق الأوسط بمهمّة تهذيب الاستراتيجيّات وإعادة تكوين معطيات النزاع في العالم، بما يبعث على الخوف والافتتان في الوقت نفسه.
تستعرض الترجمة العربية لكتاب “أوضاع العالم 2021: الشرق الأوسط والعالم”، التي أصدرتها مؤسّسة الفكر العربي ضمن برنامج الترجمة “حضارة واحدة”، هذه التحوّلات الكبرى من منظورٍ دولي يرمي إلى وضع قراءة تفكيكية لوضعيّة الشرق الأوسط، بميزتِها الإستثنائيّة التي تتيح له أن يكون هامشاً وساحةَ مواجهة دائمة في آنٍ معاً.
لقد شارك في إعداد هذا الكتاب أكثر من 30 خبيراً ومختصّاً في السياسة والعلاقات الدوليّة والاستراتيجيّة والتاريخ والحضارة، والتاريخ الاستعماري، تحت إشراف الباحثَين الفرنسيّيَن المرموقَين، بـرتران بــادي ودومينيك فيـــدال. وقد نقله إلى العربيّة الأستاذ نصير مروّة.