الرئيسية » منوعات و رياضة » الارض تحترق .. وال”1.5 مئوية” تقترب

الارض تحترق .. وال”1.5 مئوية” تقترب

يبدو ان الصرخات التي دوت في اروقة قمة المناخ في شرم الشيخ، ولا الكوارث العديدة من الفيضانات وموجات الجفاف وتدهور المحاصيل والحرائق التي التهمت غابات حول العالم، لم تكن كافية لدفع المؤتمرين من نحو 200 دولة، الى طي الخلافات جديا، من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه من الحياة على الكوكب.

خليل حرب

++++++++++++++++++++

صحيح ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه بعد جهد جهيد، ما بين 6 و20 تشرين الثاني 2022، حول انشاء صندوق لتمويل الخسائر والاضرار التي تلحق بالدول الفقيرة بسبب انبعاثات الغاز من الدول الغنية، وصف بانه انجاز تاريخي يحقق العدالة المناخية، الا ان اجواء الانقسام ظلت طاغية، حول خفض الانبعاثات واستخدام الوقود الاحفوري والفحم، الى جانب الطموح القديم-الجديد، والمتعثر، بالسعي لضبط ارتفاع درجة حرارة الارض عند سقف لا يتخطى 1.5 درجة مئوية.

وربما تكون الصرخات التي صدرت عن العديد من الناشطين البيئيين والمسؤولين والخبراء بمن فيهم من لبنان، محذرة من مخاطر استمرار اهل الارض بنهجهم القائم منذ ما بداية الثورة الصناعية قبل نحو قرنين، الا ان جزر المالديف، التي تصرخ منذ سنوات عديدة بانها تغرق، جددت التعبير عن هواجسها القديمة، ما يعني ان تقدما مهما لم يتحقق في الطريق نحو التصدي للاحتباس الحراري، والحد من تداعياته. 

وببساطة صادمة، قالت وزيرة البيئة في جزر المالديف اميناث شونا امام المؤتمر “اريد ان استمر في العيش في المالديف. اريد ان تستمر ابنتي البالغة سنتين بالعيش في المالديف. نحن فقط على علو متر واحد عن مستوى البحر. كل عشر من درجة مئوية من الاحترار وكل مليمتر اضافي في مستوى البحار، يزيد التهديدات على وجودنا”.

ومع ذلك، فان الخلافات ظلت قائمة، بما في ذلك حول مصادر تمويل الصندوق “التاريخي”، ما قد يتطلب الاستجابة لاقتراح من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لاستضافة مؤتمر في باريس خلال شهور، لمتابعة ما جرى في شرم الشيخ طوال اسبوعين في تشرين الثاني الماضي، ثم ينعقد مؤتمر ثان باستضافة دولة الامارات العربية المتحدة في اواخر العام 2023.

ومنذ الثورة الصناعية في القرن ال18، تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة من الوقود الاحفوري والنفط، التي تولد غاز ثاني اكسيد الكربون حيث ازدادت انبعاثات الغازات الدفيئة في الجو وتفاقم الاحتباس الاحراري لان هذه الغازات تغلق المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصادر من الارض من انتقاله الى خارج الكوكب، ما يؤدي الى زيادة حرارة الارض نفسها 1.2 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وبحسب تقديرات الامم المتحدة فانها تسمح بافضل الحالات بحصر الاحترار بـ2,4 درجة مئوية في نهاية القرن الحالي. لكن الاحترار بلغ حاليا حوالى 1,2 درجة مئوية حتى الان، مع كل ما يصاحبه من كوراث واضرار.

وبحسب تقديرات العلماء، فانه حتى يتم تجنب انهيار صلاحية العيش على الارض، يتحتم ان تقتصر الزيادة العالمية على 1.5 فقط، الا ان التحدي في ذلك ان يجري خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول العام 2030.، ثم محاولة الوصول الى “صافي انبعاثات صفري” بحلول العام 2050. الا ان دول العالم منقسمة حول المال، وايضا حول من يتحمل مسؤولية اكبر في كبح الانبعاثات.

Vegan activists carry placards as they demonstrate at the entrance of the Sharm El Sheikh International Convention Centre, in Egypt’s Red Sea resort of the same name, on November 6, 2022, during the 2022 United Nations Climate Change Conference, more commonly known as COP27. – Diplomats from nearly 200 countries gathering in the Red Sea resort for the November 6-18 conference are tasked with greening the global economy and helping poor, climate-vulnerable nations who have barely contributed to the problem cope with evermore deadly storms, heatwaves, droughts and floods. (Photo by JOSEPH EID / AFP)

ولبنان ليس معزولا عن تاثيرات وظواهر التغيير المناخي، ويشاهد اللبنانيون بام العين هذه التاثيرات السلبية في مختلف نواحي حياتهم، بما في ذلك ما يتعلق بشح المياه وتراجع معدلات هطول الامطار (التقديرات للتراجع بحدود 40%) وجفاف الموارد المائية، وفيما يتعلق بالطاقة والغذاء حيث يقدر ان القطاع الزراعي سجل تراجعا باكثر من 300 مليون دولار.

في دراسة اطلقتها وزارة البيئة، بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي حول التداعيات الاقتصادية لتغير المناخ على لبنان، تشير التقديرات الى كلفة الاضرار المناخية على لبنان قد تصل الى اكثر من 80 مليار دولار بحلول العام 2014، خاصة في قطاعات الزراعة والطاقة والسياحة والصحة، في حال لم تتحرك الحكومة لاتخاذ تدابير سريعة وجدية من اجل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة.

ولهذا، ربما كانت مشاركة لبنان في مؤتمرات المناخ بما فيها مؤتمر شرم الشيخ (COP27) الاخير، لكنه لا يزال، كغيره من العديد من الدول حول العالم، بعيدا عن تحقيق التزامات قمة باريس للمناخ (2015) وتحت التهديد المستمر. وقد قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي امام المؤتمر ان لبنان يعد من البلدان الشديدة التأثر بتاثيرات تغير المناخ، وقدرت دراسات اعدتها وزارة البيئة اللبنانية أن التغير المناخي سيسبب انخفاضا بنسبة 14٪ في الناتج المحلي الإجمالي للبنان بحلول العام 2040، وانخفاضا اكثر الى 32٪ بحلول العام 2080، لافتأ الى ان هذا الخطر في التغير المناخي سيضاعف من حدة المازق والازمات الحالية، وهو امر يتطلب اتخاذ اجراءات حازمة من قبل الجميع على المديين القصير والمستقبلي.

الا ان ميقاتي قال انه “برغم كل التحديات التي تواجهنا، خطت الحكومة اللبنانية خطوات كبيرة في استجابتها لمكافحة التغير المناخي، كجزء من التزاماتنا الوطنية التعاون مع الدول الاخرى. وفي العام الفائت قدمنا مساهمتنا  المحددة وطنيا (NDC)، وهي عنصر رئيسي في الالتزام العالمي للبلدان بموجب اتفاقية باريس. كما التزم لبنان  من دون قيد او شرط توليد 18٪ من احتياجاته من الطاقة (اي الطلب على الكهرباء) و11٪ من احتياجات التدفئة من مصادر الطاقة المتجددة في العام 2030. وفي المساهمة المحددة وطنيا المحدثة، يتراوح الحد المتوقع للانبعاثات في العام 2030 من 30% الى 20% كحد ادنى”.

وذكر ميقاتي بتاثيرات التغيير المناخي على لبنان من الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من الغابات في الاعوام الماضية، قائلا “اننا على يقين بانه اذا لم نكسر دورة الاحتباس الحراري، فاننا نتوقع حرائق غابات اكثر واسوا في السنوات المقبلة. كذلك تعتبر الزراعة من اكثر القطاعات الاقتصادية تاثرا بتغير المناخ لانها تتاثر بشكل مباشر بالتغيرات في درجات الحرارة وهطول الامطار كما تضع محدودية موارد المياه والاراضي في لبنان، الى جانب التوسع الحضري المتزايد، تحديات اضافية امام تنميتها المستقبلية في البلاد”.

كما شدد ميقاتي على ان لبنان ملتزم اعطاء الاولوية لتدابير التكيف، مثل مكافحة التصحر وادارة الموارد المائية ومساعدة المزارعين على زيادة قدرتهم على الصمود في وجه تاثيرات المناخ خلال العقد المقبل، قائلا: “وضعنا ضمن اولوياتنا زراعة القمح وتوسيع المساحات المزروعة وكذلك زيادة البرك لتجميع امطار الشتاء او ما  يعرف بالسداد بعيدا عن السدود التي لا تتلاءم والواقع الجغرافي اللبناني”.

وبعدما اشار ميقاتي الى ان لبنان كان من اوائل الدول العربية التي طورت خطة عمل لدعم الطاقة المتجددة  في العام 2010، وبات يمتلك اليات تنظيمية متطورة لهذه الغاية مقارنة بالعديد من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، استدرك قائلا انه “بسبب التحديات الهائلة التي واجهت البلاد مثل الازمة الاقتصادية ووباء كوفيد-19 وانفجار مرفا بيروت والكوارث البيئية، فان استثمار ما قيمته 6.7 مليار دولار في الطاقة المتجددة يمكن ان ينهي نقص الكهرباء في لبنان. لذلك، عملنا على انشاء مرفق لبنان للاستثمار الاخضر وندعو الدول والجهات المانحة للمساهمة الى دعمه وتمويله”.

والان، فان الاعلان الختامي لمؤتمر شرم الشيخ، اقر فكرة الخفض “السريع” لانبعاثات غازات الدفيئة من دون تحديد اهداف جديدة مقارنة بقمة العام الماضي في مدينة غلاسغو، وهو ما دفع الامين العام للامم المتحدة انطونوي غوتيريش الى الاعراب عن اسفه لعدم الوصول الى خطة “لخفض الانبعاثات بشكل جذري”، محذرا من ان “كوكبنا لا يزال في قسم الطوارئ. ونحتاج الى خفض جذري للانبعاثات الان، وهذه مسالة لم يعالجها مؤتمر المناخ هذا”.

وبالاجمال، اقر المؤتمر نصين رئيسين هما الاعلان الختامي وقرارا حول تمويل الاضرار المناخية التي تتكبدها الدول الفقيرة ينص على انشاء صندوق تعويضات. وفي الاعلان الختاني، هناك نص حول خفض الانبعاثات حيث اكد على الحاجة الملحة لخفض فوري وعميق وسريع ومستدام للانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة المسؤولة عن الاحترار المناخي. كما شددت على تاكيد هدف اتفاق باريس باحتواء ارتفاع متوسط الحرارة دون الدرجتين المئويتين بكثير مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية ومواصلة الجهود لحصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية.

كما دعا النص “الى تسريع الجهود نحو خفض تدريجي لاستخدام الفحم غير المترافق بنظام التقاط الكربون والغاء الدعم غير المجدي للوقود الاحفوري”. كذلك دعا الى “تسريع الانتقال النظيف والعادل الى الطاقة المتجددة”.

وبالاضافة الى ذلك، تقرر ابرام اتفاقات تمويل لمساعدة الدول النامية على مواجهة الخسائر حيث تقرر “انشاء صندوق استجابة في حال حصول خسائر واضرار”.

وازاء الكوارث المتاتية من التاثيرات المناخية كالفيضانات الجارفة مثلما جرى في باكستان قبل شهور، والجفاف وتضرر المحاصيل والحرائق، فان دول الجنوب هي التي طالبت بانشاء صندوق مكرس فقط لتعويض “الخسائر والاضرار”، باعتبار ان الدول الصناعية الكبرى والاكثر تطورا، هي التي تتمتع اولا بقدرات مالية كبيرة، وهي بغالبتيها ثانيا بين المتسببين الاكبر في الاحتباس الحراري.

وربما تحسبا لان يقع عبء الصندوق الاكبر عليها، فان القوى الغربية ومع موافقتها على مبدا الصندوق، فانها شددت على اهمية ان يتم تمويله من جانب “قاعدة واسعة من المانحين” اي من دول تملك قدرة مالية على المساهمة، وهي اشارة الى الصين حليفة الدول النامية في هذا الملف، بالاضافة الى الدول الخليجية الغنية.

وفي تعبير عن هذا التباين والتوتر، قالت وزيرة البيئة الباكستانية شيري رحمن بينما كانت تتحدث باسم “مجموعة 77+الصين”، ان “تاخير احقاق العدالة المناخية هو انكار للعدالة”، الا ان غوتيريش اعتبر ان “الوقت غير ملائم لالقاء اللوم على بعضنا”، وحث الجميع على تجاوز الانقسامات.

ومن المهم الاشارة الى ان المفاوضات التي جرت حول الصندوق وتمويله كانت تجري في اجواء من الشكوك، لان دول الشمال الغنية كانت تعهدت منذ العام 2009، بزيادة التمويل المقدم لدول الجنوب من اجل التكيف مع التغييرات المناخية بحلول العام 2020، لكنها لم تلتزم. وقد بدا هذا واضحا في تصريح للامين العام للامم المتحدة قال فيه انه “من الواضح ان الثقة مفقودة بين دول الجنوب والشمال”.

ولا بد من الاشارة الى ان الصين والولايات المتحدة تتصدران قائمة الدول الاعلى بانبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري في العالم خاصة من ثاني اكسيد الكربون، ولهذا، فان القناعة العامة عند الخبراء تفيد بانه من دون خفض كبير من جانب هاتين الدولتين، لن تكتب لاي محاولات لمعالجة ازمة المناخ، اي نجاح. وفي هذا الاطار، قال المبعوث الاميركي للمناخ جون كيري بعد لقائه نظيره الصيني جي جينهوا في شرم الشيخ، انه “يجب ان تكون الولايات المتحدة والصين قادرتين على تسريع التقدم معا، ليس فقط من اجلنا، ولكن من اجل الاجيال المقبلة”.

وبرغم ان انبعاثت الصين حاليا (14.1 مليار طن متري) تزيد عن ضعف انبعاثات الولايات المتحدة (5.7 مليار طن متري)، الا انه تاريخيا، كانت الولايات المتحدة المصدرة الاكبر للانبعاثات على مستوى العالم. وتشمل لائحة الدول الاكثر اصدارا للانبعاثات، الهند (3.4 مليار طن متري) والاتحاد الاوروبي (3.3 مليار طن متري) واندونيسيا (1.8 مليار طن متري) وروسيا (1.6 مليار طن متري) واليابان (1.1 مليار طن متري)، بالاضافة الى البرازيل وايران والسعودية.

ولاختصار صورة الكثير من الاجواء التي سادت في شرم الشيخ اعربت لورانس توبيانا، وهي احدى مهندسات اتفاق باريس للمناخ 2015، لان المؤتمر في شرم الشيخ “اضعف واجبات الدول في تقديم التزامات جديدة اكثر طموحا”.

صحيح ان شكلا من الارتياح ظهر بعد اختتام المؤتمر، خاصة مع الاعلان عن صندوق التعويضات، لكن المخاوف ظلت قائمة بان العالم ما يزال على شفير كارثة مناخية، او كما قال مسؤول اوروبي بان “العالم يراقبنا ولن يغفر لنا في حال فشلنا في تجنب الاسوا”.

الانبعاثات

تصدر الانبعاثات من كل دولة على ارضها من كل ما يتم تشغليه بالوقود الاحفوري، كالسيارات العاملة بالبنزين والطائرات واجهزة التدفئة وانارة المباني بالطاقة المولدة من الفحم او الغاز الطبيعي او النفط، بالاضافة الى الانبعاثات الناتجة عن ازالة الغابات.

الانبعاث الصفري

يقول موقع الامم المتحدة للمناخ ان الانتقال الى عالم صافي انبعاثاته صفر ، يعتبر احد اكبر التحديات التي واجهتها البشرية، وهو لن يتحقق سوى بتحول كامل في كيفية انتاجنا واستهلاكنا وتحركنا. ويضيف ان قطاع الطاقة يعتبر مصدر حوالي ثلاثة ارباع انبعاثات غازات الدفيئة اليوم ويمثل المفتاح لتجنب اسوا اثار تغير المناخ.

ويتابع ان استبدال الطاقة الملوثة من الفحم والغاز والنفط بالطاقة المستمدة من مصادر متجددة، مثل الرياح او الشمس، من شانه ان يقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".