الرئيسية » منوعات و رياضة » صدور “الأشجار النحاسية” … ترجمة عماد الدين رائف

صدور “الأشجار النحاسية” … ترجمة عماد الدين رائف

كثيرون يرغبون في العبور إلى الجانب الآخر من الواقع. ولكن ما هي محددات الواقع وحدوده؟ وماذا الذي ينتظرهم خارجه؟ تختلف الإجابات على هكذا أسئلة اختلافًا جذريًا بين بيئة وأخرى، وبين ثقافة وأخرى، لكن كيف كانت الحال في أقصى الغرب الأوكراني مطلع الألفية الجديدة؟ يحاول الكاتب الأوكراني الشهير ليوبكو ديريش، عبر شخصيات روايته أن يكتشف ذلك مصطحبًا القارئ إلى عالم كامل من المعتقدات والطقوس، عبر متاهة مشفرة لا نهاية لها مع العديد من التلميحات، مقدّمًا جرعات من الظواهر الغامضة، في الوقت المناسب، ما يبث الرعب.

هذه الرواية هي الرابعة المترجمة إلى العربية في نافذة الترجمة الأدبية التي قدر لي أن أفتحها من الأوكرانية الحديثة، وقد أبصرت النور قبلها ثلاث، هي: أجنبية في سيارة حمراء، مارينا هريميتش (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2020)؛ زمن الأحجار المتناثرة، فولوديمير سامويلينكو (القاهرة: دار صفصافة، 2021)؛ هناك حيث يختفي البشر، أندريه كوكوتيوخا (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2022). آمل أكون قد فتحت أمام القارئ العربي نافذة يطل منها على النتاج الأدبي الأوكراني المعاصر.

العنوان الأصلي للرواية “كَلت” (عبادة، جماعة طقسية)، أما عنوان “الأشجار النحاسية” الذي تحمله الترجمة العربية بالتنسيق مع الناشر لحساسيات تتعلق بالبيئة العربية، فمن “ميدني بوكي” (اسم المدينة التي تجري فيها أحداث الرواية) أي أشجار الزان النحاسية، وهي استعارة  للغموض من رواية الكاتب الإنكليزي آرثر كونان دويل “منزل الأشجار النحاسية” (1892) ربما، إحدى الروايات البوليسية للمحقق الشهير شرلوك هولمز. ولفظة “بوكي” نفسها، هي اسم الحرف الثاني في الأبجدية السلافية، وتفيد الكلمة أيضًا معنى الغموض والكذب.

“الأشجار النحاسية” أولى روايات ديريش، ظهرت عام 2002، فحظيت بإقبال كبير وترجمت إلى عدد من اللغات الأوروبية. الرواية مشبعة بالماورائية والتصوف والموسيقى والشهوة والحب… أما السرد نفسه فلا يترك القارئ غير مبال، فمن المستحيل عدم ملاحظة خصوصياته وهو يلامس الواقع عبر أفكار كاتب تصوغها الموسيقى، كونه يضيء على التحولات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية لدى جيلين على الأقل، في المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي؛ فيلجأ المؤلف إلى استخدام التعبيرات العامية الغاليسية (مقاطعة لفيف) وألفاظ الشارع للتوجه إلى الشباب متحدثًا عنهم. يرينا الكاتب حياة الشباب في مدينة “الأشجار النحاسية” الصغيرة، وتقاليدهم، وعلاقاتهم المعقدة بعضهم مع بعض، ومحاولات العثور على معنى الحياة وطريقهم الخاص فيها. كل ذلك في جو من اللاروحية واللاهدف واللامعنى للوجود، واليأس الذي يخيّم على الصراع الأبدي بين الخير والشرّ.

عماد الدين رائف

(القاهرة: دار صفصافة، 2023)

عن جورنال