الرئيسية » مانشيت » “الدرونز”: من نسخة 1917 البدائية الى عصر جديد للحروب

“الدرونز”: من نسخة 1917 البدائية الى عصر جديد للحروب

اصبحت الطائرات المسيرة (الدرونز) سلاحا حاسما في معارك العصر الحالي، وهي ظاهرة عسكرية-تكنولوجية، تتزياد اهميتها وتتسارع في العقدين الماضيين، مقارنة باول رحلة لل”درون” البريطانية “ايريال تارغت” في اذار العام 1917، والتي تبعتها الاميركية “كيتيرنغ باغ” في تشرين الاول 1918.

خليل حرب

+++++++++++++++++++++++++++++++++++

وبرغم ان نشوء ظاهرة “الدرونز” يعود الى مرحلة الحرب العالمية الاولى، وخصوصا التجارب الناجحة حولها، الا ان الطائرتين المسيرتين “ايريال تارغت” و”كيتيرنغ باغ” لم تستخدما عملياتيا في معارك هذه الحرب، ومن المعتقد ان التسمية نفسها “درون” بدا استخدامها في العام 1935، وهي مستوحاة من احد النماذج الاولى التي كانت تحمل الاسم “دي اتش 82 بي ملكة النحل”.

ومن الثابت ان هذه الطائرات المسيرة الموجهة لاسلكيا عن بعد، كانت تستخدم في ذلك الوقت لاغراض التدريب واستعمالها كاهداف جوية لتدريب الجنود على كيفية اسقاط الطائرات، وهو ما تطور لاحقا من خلال استخدامها بشكل موسع للاستطلاع من جانب الجيوش الاميركية خلال الحرب الفيتنامية.

ومع تنامي دورها وقدراتها على مر العقود، سعت العديد الدول في كافة انحاء العالم لامتلاك وتصنيع وتطوير “الدرونز”، وذلك لاهميتها في توجيه ضربات موجعة في الحروب بتكلفة بشرية ومادية منخفضة، وقد لعبت “الدرونز” دورا بارزا في الحروب لا سيما في الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا ومؤخرا في الحرب على قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل من جهة وايضا خلال المواجهات بين المقاومة في لبنان والاحتلال الاسرائيلي، حيث اعلنت المقاومة عن اسقاط اكثر من “درون” اسرائيلية وهي تنتهك اجواء لبنان، وتشارك في العدوان على اراضيه.

وبالاجمال، فان مهمات “الدرونز” تتراوح ما بين الاستخدامات العسكرية من خلال الاستطلاع والاستكشاف والهجوم والدفاع، الى مهمات مدنية مثل التسويق والاغراض الانسانية والبيئية والمسحية والترفيهية. وهذه الطائرات بطبيعة الحال، لا يقودها طيار، وانما يتم تسييرها اما لاسلكيا، او من خلال التحكم الذاتي.

وكانت أول طائرة مسيرة تم تصنيعها في بريطانيا العام 1917، وهي “ايريال تارغت” (اي “هدف جوي” ما يؤكد انه جرى التعامل معها وقتها كاهداف لاغراض التدريب على اسقاط طائرات العدو)، وجرى اختيارها وقتها، وخضعت للتطوير في العام 1924. وصمم الطائرة الدكتور ارتشيبالد لوو، لكن كانت بقيادة الطيار هنري سيغراف.

وبينما كانت الولايات المتحدة والمانيا وبريطانيا من اوائل الدول التي استخدمت “الدرونز”، فان الاتحاد السوفياتي جاء لاحقا في ثلاثينيات القرن الماضي الى هذا المضمار، ثم اتاحت الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945) ثم الحرب الكورية  ) 1950-1953(  التوسع في استخدامها للتدريب والاستطلاع، لكن دورها التجسسي برز بشكل محدد في حرب فيتنام ( 1955-1975).

الا انه من المعتقد ان المرة الاولى التي استخدمت فيها “الدرون” لاطلاق صاروخ خلال عملية هجومية، كانت خلال حرب كوسوفو في العام 1999 والتي دارت بين المسلحين الالبان المدعومين من حلف “الناتو” وبين القوات الصربية، وهو ما اشار اليه الباحث علي الذهب المتخصص بالشؤون العسكرية والاستراتيجية، والحاصل على درجة الدكتوارة في تكنولوجيا النقل البحري والامن والسلامة البحرية.

وبالنظر الى اهميتها ودورها، فان العديد من الدول والمنظمات انفقت مليارات الدولارات على عمليات تصنيع “الدرونز” وتطوير ساعات طيرانها ودقتها وقدرتها الهجومية، وذلك ضمن سعيها لاحلال “الدرونز” للعب دور اكبر في المعارك، واكثر دقة، محل المقاتلات الحربية والقاذفات الباهظة الثمن.

وقد تصاعد دور “الدرونز” بالفعل خصوصا في مرحلة ما بعد هجمات 11 ايلول على الولايات المتحدة التي خاضت بعدها حربي افغانستان والعراق في عهد الرئيس جورج بوش، لكن كثافة الاستخدام الفعلية جرت خلال ولايتي الرئيس باراك اوباما الذي كان يحاول الحد من الدور القتالي للقوات الاميركية في البلدين، وتقليص دور الجنود ميدانيا، واستبدال ذلك بتنشيط عمليات القوات الخاصة، ومكافحة الارهاب بالاعتماد على “الدرونز” في ضرب واستهداف قيادات تنظيمات تعتبرها واشنطن “ارهابية” لا في افغانستان والعراق فقط، وانما على مساحات جغرافية اوسع، في اليمن وسوريا والصومال وباكستان.

وبرغم ان هذا التكتيك العسكري ساهم في الحد من الخسائر في صفوف الجنود الاميركيين في الميادين المختلفة، الا ان الترويج الاميركي لظاهرة “الدرونز” باعتبارها اكثر دقة و”انسانية” وبالتالي تحد من احتمالات الخسائر البشرية “الجانبية” بين المدنيين في المناطق المستهدفة، تحولت لاحقا الى لعنة حقوقية للادارة الاميركية اذ تكثف استخدام “الدرونز” لدرجة ان المنظمات الحقوقية اجرت احصاءات على مدى سنوات، اظهرت ان الخسائر بين المدنيين في مختلف مناطق النزاع المستهدفة، لا يمكن القبول بها انسانيا، وبدات تمارس ضغوطا لفرض معايير اكثر تشددا في استخدام “الدرونز” وما يسمى “الاغتيالات المستهدفة”.

وبكل الاحوال، فقد تصدرت اسرائيل لائحة الدول المصدرة للدرونز، فيما تأتي الولايات المتحدة وروسيا والصين في صدارة قائمة الدول الاكثر امتلاكا لهذا السلاح، وسط منافسة ايرانية وتركية وذلك بحسب المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية.

الولايات المتحدة

تمتلك الولايات المتحدة قدرات كبيرة في تصنيع الدرونز، وتستخدمها بشكل واسع في القطاعات العسكرية والامنية، ومن بين ابرز شركاتها في هذا المضمار “جنرال اتوميكس” و “نورثروب غرومان”.

ومن بين اكثر الانواع التي تمتلكها الولايات المتحدة هي:

-“ام كيو-1 بريديتور” التي تستخدم اساسا لاغراض الاستخبارات والاستطلاع، لكنها تمتلك ايضا قدرات هجومية، ولهذا جرى استخدامها بشكل واسع في مختلف المناطق العسكرية.

-“ام كيو-9 ريبير” وهي نسخة مطور لل “بريديتور”وتتضمن تحسينات في الاداء والتكنولوجيا، وتستخدم لاغراض الاستطلاع والاستهداف والمراقبة.

-“ار كيو-4 غلوبال هوك” التي تعتبر طائرة مسيرة استراتيجية طويلة المدى مخصصة لجمع المعلومات والرصد على نطاق واسع، ولديها القدرة على البقاء في الجو لفترات طويلة.

-“اكس-47 بي” وهي “درون” قتالية تم تطويرها للاستخدام على متن حاملات الطائرات.

وهناك ايضا طرز اخرى مثل “سويتش بليد” الصغيرة الحجم، و”بوما” المخصصة للعمليات البحرية والامن الداخلي، و”ار كيو-11 رافين” الصغيرة القابلة للحمل يدويا.

اسرائيل

تعتبر اسرائيل من بين الاطراف الرائدة في مجال تصنيع “الدرونز” وتطويرها كسلاح، ومن ابرز شركاتها “ايروسبيس للصناعات” التي تقدم مجموعة متنوعة من الانظمة المسيرة لاغراض مختلفة.

ومن بين ابرز بعض الطرز التي تمتكلها اسرائيل:

-“هيرمس” التي استخدمت على نطاق واسع في الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية، وهناك عدة اصدارات من هذه الطائرات

-“هيرون” التي تعتبر احدى “الدرونز” طويلة المدى

-“سكايلارك” المستخدمة لاغراض الاستطلاع الصغيرة والمرنة، وتعتبر خيارا مناسبا للوحدات العسكرية التي تحتاج الى قدرة على الاستجابة السريعة

-“هاروب” وهي من نوع من المسيرات الهجومية المفخخة. يمكن أن تكون قادرة على البقاء في الجو لفترات طويلة وتستخدم لضرب اهداف محددة

-“روتيم” وهي مسيرة قتالية قصيرة المدى مضممة للاستخدام السريع والفعال في الحقول القتالية

-“اوريبتر” وهي مسيرة صغيرة الحجم تستخدم للرصد والمراقبة، وتتميز بسهولة النقل والاستخدام السريع

ومن المعتقد ان اسرائيل استخدمت “الدرونز” للمرة الاولى في العام 1969 لاهداف التجسس على مصر. وخلال الحرب على لبنان في العام 1978، استعملت اسرائيل “الدرونز” لكنه لم يكن متطورا تقنيا. لكن اسرائيل ادركت اهمية هذا وعملت على تطويره وتحديث برامجه حتى اصبحت تنافس الولايات المتحدة والصين، ووصفت في العام 2013 على انها اكبر مصدر لل”الدرونز” بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في تشرين الثاني العام 2019، بينما تحركت الولايات المتحدة لزيادة صادراتها من “غلوبال هوك” بشكلٍ كبير، كما زادت من صادراتها من طائرات “بريديتور” التي تباع في الاسواق الاوروبية بشكل خاص، لتتقدم بذلك على حليفتها اسرائيل.

الصين

في الصين شركات رائدة في مجال “الدرونز” من بينها شركة “DJI” التي تعتبر من الاكبر على مستوى العالم، ولديها مسيرات تستخدم لاغراض عسكرية وغير عسكرية. ومن بين ما لدى الصين طائرات “سي اتش-4 رينبو”، و”وينغ لونغ”، و”رينبو-5″، و”ودبليو جي-600″ المخصصة لاغراض الرصد البحري، و”جي جاي-11 شارب سوورد”، و”بي زد كي-005″، و”ايه اس ان-209”.

وفي ايلول الماضي، رفع الجيش الصيني الستار عن “درون” جديدة اطلق عليها اسم “كي في دي 002” في خطوة ستعزز القدرات العملياتية للقوت الصينية، اذ ان هذه الطائرة المسيرة تتميز بقدرتها على اداء الاستطلاع وتنفيذ الهجمات، بالاضافة الى سهولة صيانتها وقدرتها على تنفيذ مهام متعددة. اما المهمة الرئيسية لهذه الطائرة فهي القيام بعمليات استطلاع لمدة طويلة فوق مساحات شاسعة، وشن غارات جوية دقيقة ضد أهداف العدو مثل نظم الدفاعات الجوية والمركبات المدرعة وتدمير التحصينات.

تركيا

سعت تركيا خلال العقدين الاخيرين الى تعزيز صناعاتها العسكرية، واستطاعت ان تصبح واحدة من الدول الست الاولى في انتاج وتطوير “الدرونز”، ومن بين ابرز الانواع التي تمتلكها، “بيرقدار تي بي2″ و”ايه ان كي ايه” المستخدمة تحديدا لاستطلاع واستكشاف المناطق وجمع المعلومات الاستخباراتية. وهناك طرز مثل “اقنيجي تيها” و”العنقاء” و”اقسونغور”. كما كشفت تركيا في تشرين الثاني 2022 النقاب عن مسيرة انتحارية جديدة اطلقت عليها اسم “ديلي” التي تتميز بسهولة نقلها وتشغيلها ويمكن ان تصبح جاهزة للاستخدام في اقل من ربع ساعة، وتصل سرعتها القصوى الى 180 كيلومترا في الساعة، وهي مزودة باجهزة لمكافحة التشويش عليها.

وفي العام 2019، استخدمت “الدرونز” التركية في دعم الحكومة الليبية في طرابلس ضد قوات المشير خليفة حفتر، كما ادت المسيرات التركية دورا حاسما بالنسبة لاذربيجان في نهاية العام 2020 في اقليم ناغورني قره باغ، ضد القوات الارمينية. كما استخدمت “الدرونز” التركية في مهاجمة قوات الجيش السوري وخصوصا في محافظة ادلب حيث تتمركز فصائل ارهابية، دعمتها انقرة طوال سنوات. واستخدمت تركيا طائراتها هذه ايضا ضد المسلحين الاكراد في شمال العراق وشمال سوريا، وفي جنوب شرق تركيا نفسها.

روسيا

في العام 2010، ابرمت روسيا اتفاقا لشراكة ثنائية مع شركة صناعات الفضاء الاسرائيلية بهدف انتاج مسيرة متوسطة الحجم تحت اسم “ام كي”والتي اعادت موسكو تسميتها “فوربوست”، لكن الولايات المتحدة ضغطت على الحكومة الاسرائيلية ما ادى الى ايقاف الصفقة في العام 2016، مما دفع موسكو إلى توطين خط انتاج “الدرونز” بالكامل وتطوير نسخة قتالية متطورة من النظام “فوربوست-ار” التي استخدمت بشكل لكبير في الحرب الاوكرانية.

ومن بين ابرز “الدرونز” الروسية، “اوريون-ايه” و”فوربوست” و”لانسيت” و”التيوس” و”اورلان -10″.

ايران

ركزت ايران منذ الثورة الاسلامية فيها العام 1979، على تطوير قدراتها العسكرية، بما في ذلك “الدرونز”، وهناك تقارير تشير الى ان الايرانيين استخدموا النسخ الاولية من “الدرونز” في عمليات الاستطلاع لجبهات القتال خلال الحرب الايرانية-العراقية، وفي السنوات اللاحقة، اصبحت “الدرونز” من بين ابرز الصناعات العسكرية الايرانية، والتي تستخدم لاغراض مختلفة، وتسارع تطوير ايران لتكنولوجيا الطائرات المسيرة خلال السنوات الماضية، لتعزيز قدراتها في مجالات حفظ الامن الداخلي والحدودي، وحتى على الصعيد الهجومي.

ومن بين ابرز النماذج التي تمتلكها ايران، “شاهد 129” التي يعتقد انها تعادل “بريديتور” الاميركية والصينية “وينغ لونغ”، وهناك ايضا “شاهد 191” القادرة ضمن مميزاتها على حمل صاروخين مضادين للدبابات. وهناك ايضا “شاهد 136” وهي انتحارية المهمة. وبالاضافة الى ذلك، هناك “مهاجر-6 التي دخلت ترسانتها منذ العام 2017، وباعت العديد منها لاثيوبيا وفنزويلا. والى جانب ذلك، هناك “ابابيل3” التي يتراوح مداها بين 50 و100 كيلومتر.

4 انواع

بالامكان تمييز اربعة انواع رئيسية من “الدرونز” وذلك بحسب حجمها ووفقا لطبيعة المهام المصممة لتنفيذها:

-طائرات مسيرة بمروحة واحدة

-طائرات مسيرة متعددة المراوح

-طائرات مسيرة بأجنحة ثابتة.

-طائرات مسيرة هجينة باجنحة ثابتة ومراوح

https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/125.pdf

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".