بعد مرور أكثر من أسبوع على اعلان وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن تشكيل مهمة “حارس الازدهار” المتعدد الجنسيات، تزداد طبيعة المهمة وأهدافها والدول المشاركة فيها، غموضا والتباسا، بما في ذلك البحرين التي اعلنت عضويتها فيه، وغياب اسمي المملكة السعودية والامارات، وهو غياب قد تكون له معان لا تقل إثارة وأهمية.
خليل حرب
لا تتمتع مملكة البحرين بأسطول بحري له وزنه عسكريا، وتتألف قوتها الاساسية من قطع بحرية صغيرة مخصصة لقوات المكافحة وحراسة حدودها البحرية، وبالتالي من المستبعد ان يكون هناك رهان جدي على حجم مشاركتها ضمن القوة العسكرية الفعلية، وهي بمثابة مشاركة “لزوم ما لا يلزم” بحسب ما يقول قيادي بحريني معارض في تصريح خاص مشيرا في الوقت نفسه الى ان المملكة الخليجية الصغيرة تائهة في تظهير ولاءاتها المتعددة، للولايات المتحدة والسعودية والامارات واسرائيل، ناهيك عن عضويتها في النادي الخليجي الرسمي.
ويقول القيادي البحريني المعارض ان موقف حكومة المنامة أثار “صدمة في الأوساط الشعبية البحرينية” لانه جاء في ظل تعرض غزة لهذا القصف والمجازر والحصار.
لكن “مصدرا بحرينيا” واسع الاطلاع قال في تصريح خاص انه “لا يمكن قراءة الموقف البحريني بمعزل عن السياسية الحكومية منذ اعلان التطبيع مع إسرائيل، والتي تتمثل في محاول الحكومة تبني الخيار الغربي في التعاطي مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر الوقوف في منطقة الوسط والتعامل معه كصراع او نزاع بين طرفين وليس باعتبار ان شعبا يواجه احتلالا ويسعى الى تحرير ارضه، بالإضافة الى التخلي عن اعتبار ان القضية الفلسطينية تمثل امنا قوميا عربيا”.
واوضح المصدر البحريني ان “هذه السياسة أولا، عبر عنها ولي العهد البحريني رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، عندما وصف ما قامت به حركة حماس بالعمل الإرهابي، وفي نفس الوقت ادان المجازر الإسرائيلية في محاولة للوقوف في منطقة الوسط، وثانيا، تمسك الحكومة البحرينية بالتطبيع مع إسرائيل على الرغم من كل المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين” على الرغم من ان “مجلس النواب البحريني” اعلن في 2 تشرين الثاني الماضب، سحب السفير البحريني من تل ابيب ووقف العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل، وهو اعلن علقت عليها حكومة الاحتلال بانها لم تتبلغ رسميا بسحب السفير البحريني، وان العلاقات مستقرة بين الدولتين.
ويتابع المصدر قائلا ان هذه السياسة المتمثلة باظهار “التوازن”، “تنسجم بطبيعة الحال مع السياسية الإماراتية اذ باتت البحرين مؤخرا اكثر ميلا نحو الدوران في الفلك الاماراتي منه الى الفلك السعودي”، في اشارة على ما يبدو الى موقف المنامة الذي بدا متأخرا في المصالحة مع قطر برغم ان الرياض بادرت اليها، بينما تمهلت أبوظبي في عودة انفتاحها على الدوحة.
ومعلوم ان المنامة أتاحت لواشنطن استخدامها، منذ اكثر من 30 سنة، كمقر عسكري متقدم في منطقة الخليج، وتحديدا في العام 1995 عندما فتحت مساحات شاسعة من اراضيها الصغيرة لتكون مقرا للاسطول الخامس الاميركي الذي يضم حاملة طائرات وعددا من الغواصات والمدمرات البحرية وعشرات المقاتلات الجوية، بالاضافة الى الالاف من الجنود، ومقراتهم السكنية ضمن هذه القاعدة العسكرية التي تعتبر من أكبر مراكز الجيش الاميركي خارج حدود الولايات المتحدة.
وبحسب المصدر البحريني فان الاسطول الخامس الاميركي الذي يتخذ من المنامة مقرا له، وهو بمثابة “قاعدة اميركية متقدمة للقيام بالأعمال الاستخبارية والعسكرية لواشنطن في المنطقة، ووجودها يعبر عن هيمنة للأخيرة على القرار السياسي في المملكة عندما تقتضي الحاجة”.
وللعلم أيضا، فان البحرين هي مقر “القوة البحرية المشتركة” التي تاسست في العام 2001 لمواجهة ما يسمى “تهديد الارهاب الدولي”، وتضم 39 دولة، من بينها أيضا بريطانيا التي اقامت لنفسها احتلالا عسكريا موسعا على اراضي البحرين وتحديدا في قاعدة الجفير البحرية منذ العام 2018، والتي مثلت أول قاعدة عسكرية لبريطانيا في الشرق الاوسط منذ اربعة عقود، بينما كانت القاعدة تأسست بداية منذ العام 1935.
ولهذا يقول المصدر البحريني “في الجوهر، لا تحتاج واشنطن الى قوات بحرينية لتأمين الملاحة في المنطقة فيما لديها اكثر من ٣٠ الف جندي في الخليج وبامكانها إدارة هذه العمليات من قواعدها العسكرية المختلفة، ولكنها بحاجة الى غطاء عربي بعد رفض العديد من الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والامارات تأمين شرعية عربية وخليجية (علانية) لهذا التحالف”.
وبالاضافة الى ذلك، فان واشنطن لا تحتاج الى شهادة “ولاء” البحرين لها عسكريا طالما كان لها ما أرادت من خلال قاعدتها العسكرية الكبيرة على اراضي المملكة، بينما في المقابل لا يوجد أي انعكاسات إيجابية على البحرين لهذه المشاركة بل على العكس من شأنها أن تثير تهديدات للامن الاستراتيجي للبحرين بوضعها في المواجهة مع حركة “انصار الله”، فيما لو قرر اليمنيون الرد على اي اعتداء قد يتعرضون له من جانب التحالف الفضفاض المتعدد الجنسيات.
والى جانب ذلك، يقول القيادي البحريني المعارض ان نظام المنامة “يجازف بمواجهة المزيد من العزلة والانفصال الداخلي على اعتبار ان شعب البحرين يجمع على رفض الاحتلال الاسرائيلي او تغطيته او العمل على تحقيق مصالحه على حساب الشعب الفلسطيني”.
وبحسب المصدرين البحرينيين، فانه “لا يوجد أي مبرر للمشاركة البحرينية في الوقت الذي ترفضها السعودية، تلك الجارة الكبرى، لاعتباراتها الأمنية بعدم المواجهة مع حركة انصار الله وللحافظ على موقفها من المجازر المرتكبة بحق الفلسطينين”، الا ان النظام البحريني يتصرف كأنه يتحرك وفق مساره “الطبيعي” بحكم خضوعه للسطوة الاميركية، والحرص على “الحليف” الاسرائيلي المستجد، وفي الوقت نفسه التحرك ما بين الخطين السعودي والاماراتي، كما تقتضي مصالح حكم آل خليفة.
وفي الوقت نفسه، فان غياب اسم السعودية عن القوة المتعددة الجنسيات أثار الكثير من التساؤلات، بل ان تقارير تسربت تحدثت عن رفض المملكة الانخراط في الخطوة، على الرغم من التقديرات التي تقول بان السعودية تعتمد على نحو 36% من وارداتها على موانئها على المطلة على البحر الاحمر. الا انه من الواضح ان السعودية، التي خاب أملها مرارا من سقف توقعاتها العالي من السياسات الاميركية في المنطقة خلال السنوات الماضية، بما في ذلك مرحلة ما سمي “الربيع العربي” ثم الاتفاق النووي مع ايران في العام 2015، ثم التمنع الاميركي في الدفاع عنها بقوة عندما تعرضت لهجمات على منشآتها النفطية في العام 2019، تبدو اكثر ميلا للرهان الان على “المصالحة التاريخية” التي جرت بينها وبين ايران في اذار 2023.
وتبدو السعودية التي اكتفت على ما يبدو ب”واجبها” الاخلاقي والسياسي، باستضافة القمة العربية-الاسلامية في تشرين الثاني الماضي، للدعوة الى التضامن مع غزة وفك الحصار عنها، بانها لا ترغب في الانخراط أكثر مما يجب لا في جهود وقف العدوان الاسرائيلي، ولا في جهود التصدي ل”محور المقاومة” الذي يمثل اليمنيون لاعبا حيويا في صفوفه.
منهمكة السعودية كما يبدو واضحا في سياسة “تصفير المشكلات ورهانها الاول هنا، بالخروج من سياسة وضع بيضها كله في سلة واحدة تتمثل في الاميركي، وتركيز الامال في المقابل، على تحقيق تقدم في عملية السلام في اليمن، الذي غاصت المملكة في وحول الحرب عليه منذ 8 اعوام، ولهذا فان وزارة الخارجية السعودية سارعت السبت الماضي الى الترحيب بالبيان الذي أصدره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ بشأن التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام.
وبدلا من ان تكون الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين، ودور “انصار الله” في المقاومة، مناسبة لتورط السعودية في مستنقع الازمات، فان الرياض تعتبرها فرصة للنزول ب”كرامة” عن الشجرة التي صعدت اليها في تلك الليلة المظلمة في 26 اذار العام 2015، والدفع باتجاه تسوية يمنية، بين الفرقاء اليمنيين انفسهم، وبينها وبين حكومة صنعاء التي تقودها “انصار الله”.
في بال السعودية مشاريع كبرة تتطلب استقرارا لنفسها، ولجوارها، من “رؤية 2030″ و”مشروع نيوم” العملاق و”معرض اكسبو 2030″ و”مونديال كرة القدم 2034″، ولهذا فان هناك في القيادة السعودية من يعتبر انه من المشروع ان تتساءل السعودية عما ستجنيه في اطار مصالحها الخاصة ما بين السلام اليمني وصولا الى المونديال، من الانخراط في مهمة عسكرية يقودها الاميركيون، وقد تتدحرج الى مواجهات متجددة لا تحمد عقباها مع اليمنيين الذي تمكنوا خلال السنوات الماضية من اصابة اهداف عديدة داخل المملكة، من الرياض الى المناطق الشرقية الغنية بالنفط، الى جدة وغيرها.
اما الامارات التي تغالي في قراءة حسابات البيدر والحصاد، فتبدو كمن يلعب على حافة الهاوية مجددا، فمقابل الممرات البحرية التي يهددها اليمنيون تضامنا مع فلسطين، فانها فعلت جسرا بريا سريعا عبر الاراضي السعودية والاردنية وصولا الى كيان الاحتلال، لنقل البضائع الآتية من الشرق الاسيوي من ميناء دبي ومنه عبر البر، الى الكيان الاسرائيلي، وهي بالتالي بغنى عن الانغماس أكثر من ذلك في دعم اسرائيل.
ومنذ ان ارتبطت الامارات بما يسمى “اتفاقية ابراهام” فانها شرعت ابواب التطبيع السريع مع الكيان الاسرائيلي، ولم تخلق الحرب المدمرة على غزة، اي دافع لها، من اجل كبح جماح انفتاحها التطبيعي هذا، وانما مناسبة لتوطيد اواصر التعاون الاقتصادي، الى جانب السياسي الذي تمثل في تنديد ابوظبي السريع بعملية “طوفان الاقصى” منذ ساعاتها الاولى.
تشعر الامارات بالتأكيد بالقلق من احتمال ان يؤدي انخراطها الاضافي في دعم اسرائيل من خلال القوة البحرية العسكرية، الى توجيه الغضب اليمني -وربما العربي- ضدها.، ولهذا فانها تتصرف وفق مبدأ انه ليس من الحكمة المجازفة بمصالحها الامنية بالمجاهرة في عمل عسكري مبهم وغامض الاهداف، قد يتعارض تماما مع الصورة التي تحاول رسمها حول مدنها الزجاجية الشاهقة المباني، بانها واحة الامان والاستقرار، والتي سبق ان هزها “أنصار الله” بصواريخهم ومسيراتهم في العام 2022.
يبقى من المهم متابعة ما اذا كان أمورا أخرى ستدار خلف الكواليس، فيما تدفع واشنطن وحكومة نتنياهو، المنطقة الى أتون جحيم محتمل، طالما ان في البال تصريح المتحدث باسم مجلس الامن القومي الاميركي جون كيربي “هناك بعض الدول وافقت على المشاركة (في القوة البحرية) وعلى أن تكون جزءا منه، لكن لها أن تحدد رغبتها في مدى علنية ذلك”.