دخلت “رؤوس الجبال” في سلطنة عمان “حرب الخرائط” التي افتتحتها الامارات في متحف اللوفر ابو ظبي، على هامش حال الخلافات التي تعصف بين دول الخليج، تارة كنموذج يقتدي بالحرب الباردة، وطوراً كصراع مفتوح لم يحسم على غرار الصراع بين قطر وجيرانها الخليجيين.
اقتطاع الامارات محافظة كاملة من سلطنة عمان هي مسندم، وضمها إليها، ولو افتراضيا في خريطة اللوفر، اثار غضب العمانيين، الرسمي والشعبي، علماً ان بعضهم اشار الى عملية اقتطاع افتراضية جرت قبل اشهر على هامش احدى الجوائز الثقافية الاماراتية. غضب عماني قاسٍ ترجم في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بأشد العبارات لوماً وعتباً واستياء، وحمل رسائل سياسية اخرجت الدولة الخليجية التي تتسم بالحياد عن ضبط نفسها المعهود.
ولكن ما هي مسندم، حاضنة مضيق هرمز وخيوط الشمس الاولى في صباحات العالم العربي؟
قد يبدو الجذب السياحي لمسندم اول علامات الرغبة الاماراتية بها، او لعله حدودها شبه الكاملة من اليابسة التي تتصل بها، لكنه على الارجح موقعها الاستراتيجي اي “راس مسندم” المطل على احد اهم الممرات المائية الدولية في العالم الذي يحتضن نتاجات الذهب الاسود العابرة للقارات، والصالح منه للملاحة البحرية ما يقع تحديداً ضمن المياه الاقليمية لدول الصراع في خليج بلاد فارس والعرب.
هو حمل كبير على اهالي “رؤوس الجبال” الذين يتوزعون في ولايات خصب وبخا ودبا (البيعة) ومدحاء وفي نيابة ليما. وتعتبر خصب، بمينائها ومطارها وجمالها وحركتها، المركز الاقليمي للمحافظة، مبتعدة عن مسقط العاصمة حوالي 600 كيلومتر.
على موقع وزارة السياحة العمانية، تقع شبه جزيرة مسندم باختصار على الحدود الشمالية لسلطنة عمان وترتفع جبالها الى اكثر من الفي متر عن سطح البحر (اعلى قمة هي قمة جبل حارم). ومن معالمها السياحية حصن خصب وباب فك الاسد ووادي الروضة …ومضيق هرمز.
الاختصار على الموقع لا يبدد اهمية شبه الجزيرة العمانية التي تبلغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع، والذي يصل عدد سكانها إلى 30 الف نسمة وينتمون الى مجموعة من القبائل اشهرها “الشحوح” و”الظهوريون”.
شبه الجزيرة هذه تفصل في الشكل الخليج العربي عن خليج عمان. وتبدو مسندم “شاهدة على ازمنة” من الصراعات والمطامع، رجوعاً إلى عهود امبراطوريات التاريخ القديم والحديث، ومؤرخة في كتب علماء الجغرافيا والطبيعة المعروفين والمستترين، بجبالها التي ترتفع ألفي كيلومتر عن سطح البحر وصخورها الفريدة والمخيفة في قلب الامتداد العربي.
يذكر انه قبل العام 1979، كانت مسندم عبارة عن منطقة تضم ثلاث ولايات هي خصب ودبا وبخا. وفي ذلك العام صدر المرسوم السلطاني برفع درجتها الى محافظة مع رفع تمثيل مدحاء من “نيابة” تتبع ولاية شناص الى ولاية تتبع محافظة مسندم. وهي تضم عدداً من الجزر المأهولة وغير المأهولة. ومن الجزر غير المأهولة جزيرة تلجراف، نسبة الى محطة التلجراف التي بنتها عليها بريطانيا مطلع الستينيات من القرن التاسع عشر، لربطها بالهند. كما يذكر ان بعض الكتاب العرب اشاعوا احتلال ايران لاحدى جزرها وهو ما نفته السلطنة.
شذرات من تاريخ مسندم تبرز الصراع عليها في القديم الغابر، وفي التاريخ الحديث المتداخل بين الامارات وسلطنة عمان. مسندم من جملة الصراعات الجغرافية بين البلدين، هو صراع متصل بالجغرافيا والسياسة، وبافرازات الاحتلالات الاجنبية، والاستعمار.
الجيوسياسة كما تحلو التسمية افرزت عقداً حدودية بين دول الخليج، منه عقدة مسندم العمانية في ما يسمى “ساحل عمان” الاوسع، علماً انه في العام 2008 وتحديداً في شهر مايو/ايار قامت ابو ظبي ومسقط بتسوية نهائية عبر خرائط موقعة لتسوية الحدود البرية بينهما، لتبق الحدود البحرية من دون تسوية بحسب الموقف الاماراتي.
داليا قانصو