تعتزم الإمارات عزماً غير قابل للتأويل على إعادة علاقاتها مع دمشق إلى ما قبل العام 2011، بل إلى أكثر من ذلك في السياسة والاقتصاد، فالإمارات أيضاً ما قبل 2011 ليست كما بعده، وهي الحاضرة في معادلة اليمن ومنطقة شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، والتي تؤدي دور رأس الحربة في مواجهة مشروع الإخوان المسلمين بقيادة تركيا وقطر في المنطقة.
في السياسة، كانت أبو ظبي قبل إعادة فتح سفارتها في دمشق تضع نصف قدم لدى الحكومة السورية ونصف قدم مع المعارضة. وقد دعمت قوى سياسية معارضة بعينها، كتيار “الوعد” السوري على سبيل المثال، كما دعمت فصائل مسلّحة داخل ما عرف باسم “الجيش الحر”، أهمها فصيل “الجبهة الجنوبية” المدعوم من “مركز العمليات العسكرية” في الأردن، المعروف بغرفة عمليات “الموك”، واستخدمت هذه الفصائل لمواجهة فصائل أخرى إسلامية، صُنفت إرهابية، وكانت مدعومة من تركيا وقطر.
ولكن في مرحلة لاحقة، وتحديداً ما بعد القطيعة مع قطر في العام 2017، ومع إصرار الأخيرة على الإبقاء على قاعدة “الريان” العسكرية التركية في أراضيها، والتخطيط لبناء قاعدة عسكرية ثانية في الخريف القادم، ناهيك بإصرار الدوحة على المضي قدماً في تحالفها مع أنقرة من دون تراجع، رغم كل الضغوط الخليجية، كل ذلك دفع الإمارات إلى إعادة قراءة تحالفاتها، والاتجاه نحو الانفتاح أكثر على دمشق، على اعتبار أن الدولة السورية تحولت إلى عصا في خاصرة المشروع التركي في المنطقة.
يقول أحد المقربين من دوائر صناعة القرار: “أثبتت دمشق أنها كانت عصية على العثمانية الجديدة”. عموماً، اتخذ القرار في العام 2018، وتمت إعادة العلاقات الدبلوماسية.
على سكة العلاقة مع دمشق، اتخذت أبو ظبي خطوات جريئة، لن يكون آخرها اتصال ولي العهد محمد بن زايد بالرئيس السوري بشار الأسد. تنسحب الإمارات من دعم المعارضة السورية، أو بشكل أدق تبحث عن شكل جديد للمعارضة يناسب ما يمكن تسميته “الاستدارة الكاملة” نحو دمشق، كما تحضّر لسلة من الدعم المالي والاقتصادي. وإذا احتاج الأمر إلى دعم لوجستي عسكري، فلن تتردد في دعم دمشق لموجهة التركيا.
وفي المعلومات، وضع ملف مرحلة إعادة الإعمار على طاولة محمد بن زايد لدراسته.. خطة طموحة واستثمارات كبيرة، وفود كانت قد وصلت، ووفود ستصل قريباً إلى دمشق.
تعرف أبو ظبي كيف تطوّع التحديات، وتتمرَّس في فنون الاستثمار، وعينها على قطاعات البناء والنقل والتجارة. في العام 2018، استأنفت الإمارات التجارة البرية مع سوريا، وأرسلت أول قافلة تجارية متجهة نحو الأراضي السورية عن طريق معبر “نصيب”. وفي العام 2019، تسارعت وتيرة النشاط التجاري مع سوريا عبر ميناء “جبل علي” الذي استقبل مئات الشحنات لنقلها براً إلى سوريا.
طبعاً، يأتي ذلك ضمن مشروع موانئ دبي العالمية، بإنشاء ممر توريد بطول 2500 كيلومتر بين المنطقة الحرة في دبي ومعبر نصيب – جابر الحدودي، لتسهيل الحركة التجارية في هذه المنطقة.
بالتوازي، تبادلت وفود تجارية الزيارة بين البلدين في العام 2019، رغبة في استئناف الأعمال التجارية والاستثمارية. وهنا، لا بد من التذكير بأنّ الإمارات أدارت مشاريع كبرى وضخمة في سوريا قبل الأزمة بمليارات الدولارات.
ربما يجدر السؤال هنا عن وتيرة الانفتاح الاقتصادي، لاعتبارين الأول مسارات الوضع الأمني، والآخر استمرارية العقوبات الأميركية، وما قد تمارسه الأخيرة من ضغوط للحيلولة دون ذلك، ناهيك بما تفرضه مرحلة كورونا، وتأثيرها في الاقتصادي العالمي، والانهيارات في أسعار النفط العالمية، ولكن ذلك لن يغير من واقع تحوّل السياسة الخارجية الإماراتية نحو سوريا.
هذه السياسة ربما تثير أجواء من عدم الارتياح لدى الرياض، التي ترى أن الإمارات ذهبت منفردة في الانفتاح على دمشق. بالنسبة إلى الرياض، ليست الإشكالية في خطوة الانفتاح، وإنما في التوقيت، كما أنها تضع في الحسبان التنسيق مع واشنطن المستاءة أصلاً من الإمارات، غير أن الأخيرة لن تنتظر في ظل احتدام الصراع بينها وبين تركيا من جهة، وفي ظل سيطرة أجواء عدم الثقة بسياسة واشنطن من جهة أخرى.
وفي المجمل، إنَّ مسألة الانفتاح الخليجيّ على دمشق لن تتأخر، ولا شك في أن الإمارات ستقودها.
وفا العم
عن الميادين نت
http://m.almayadeen.net/articles/article/1393265/الاستدارة-الكاملة-لأبو-ظبي-نحو-دمشق