الرئيسية » العالم والخليج » ترامب و”اتفاقية الحد من الصواريخ”… الابتزاز الأحمق!

ترامب و”اتفاقية الحد من الصواريخ”… الابتزاز الأحمق!

ما زالت الولايات المتحدة تبحث عن سبل توتير العلاقات مع روسيا، حتى وإن استدعى ذلك الذهاب إلى إجراءات من شأنها أن تهدّد السلام العالمي، وتنذر بسباق تسلّح، ضمن مناخات تشبه تلك التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة.

 

قبل أيام، نشرت الصحافة الأميركية تسريبات خطيرة، تفيد باستعداد الولايات المتحدة للانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى. وفي وقت لاحق، أفصح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شخصياً، عن رغبته في إنهاء الاتفاقية.

 

الحجة الأميركية باتت مكرّرة إلى درجة الملل: «روسيا انتهكت الاتفاقية». ردد دونالد ترامب هذه المعزوفة، قائلاً إن روسيا «قامت بذلك لسنوات عديدة، وأنا لا أفهم لماذا لم يتفاوض (الرئيس السابق باراك) أوباما بشأن هذا الموضوع، أو لماذا لم ينسحب من الاتفاقية».

 

وتابع «لا يمكننا السماح لهم بمواصلة الانتهاك» للاتفاقية، مضيفاً «سنخرج» من الاتفاقية، ولكنه ألمح، في المقابل، إلى إمكانية التفاوض مع الكرملين حول نسخة جديدة، بشرط أن تشارك فيها روسيا والصين معاً.

 

حتى الآن، ما زال المراقبون منقسمين بين من يعتقد أن موقف ترامب ليس سوى تصعيد كلامي، يسعى من خلاله إلى شد العصب الجمهوري، مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، وبين من رأى في الأمر مجرّد «جس نبض» لمبادرة سياسية عابرة أو ابتزاز جيوسياسي لكلّ من روسيا والصين.

 

ومع أن الوجهة العامة تميل إلى التشكيك بقدرة ترامب على الذهاب بعيداً في تهديداته، إلا أن ثمة اتفاقاً على أن مجرّد التلويح بالخروج من اتفاقية الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة يعني أن الإدارة الأميركية قررت جعل هذه المسألة عنواناً لصراع مستدام على الحلبة الدولية.

 

ثمة ملاحظة مثيرة للاهتمام في هذا السياق، فتسريبات مصادر البيت الأبيض لوسائل الإعلام الأميركية، ومن بينها صحيفة «نيويورك تايمز»، أشارت في بادئ الأمر إلى أن تهديد ترامب، يعود إلى «غضبه» من قيام الصين بتطوير ترسانة من الصواريخ المتوسطة المدى، بالنظر إلى كونها غير معنية باتفاقية الحد من الصواريخ، وهي اتفاقية ثنائية تمّ توقيعها بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في أواخر العام 1987.

 

لكن الرئيس الأميركي سرعان ما استدار باتجاه روسيا، في تصريحه بشأن الانسحاب من اتفاقية الحد من الصواريخ، والذي أدلى به من ولاية نيفادا – وهي بالمناسبة الولاية الأميركية التي شهدت أشهر اختبار نووي أميركي – حيث اتهم موسكو بـ«انتهاك» الاتفاقية، من دون أن يقدّم دليلاً على ذلك، جرياً على عادة كافة المسؤولين الأميركيين.

 

على هذا الأساس، يمكن النظر إلى مجموعة أهداف مرتبطة بالإعلان عن نيّة الانسحاب من الاتفاقية، وهي تتراوح بين الابتزاز السياسي لروسيا والصين، وبدرجة معينة تجاه حلفاء الولايات المتحدة، وبين تحقيق المكاسب الاقتصادية، خصوصاً أن خطوة كهذه من شأنها أن تدفع باتجاه سباق تسلّح جديد يستفيد منه المجمع الصناعي العسكري الاميركي، لكنّ الأمر ينطوي على عواقب جيوسياسية سلبية على الأمن العالمي، قد تجد الولايات المتحدة نفسها المتضرر الأول جراءها.

 

وأياً تكن الحال، فإنّ الحراك الأميركي باتجاه اتفاقية الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى يضفي مزيداً من التعقيد على العلاقات الروسية – الأميركية، التي تشهد تراجعاً مستمراً في منسوب الثقة منذ سنوات.

 

وبالرغم من أنّ الخبراء في موسكو يعتقدون بأنّ الانسحاب الأميركي من اتفاقية الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى يمثل خطوة يمكن أن تنقلب إيجاباً لمصلحة الامن القومي الروسي، خصوصاً أن التفاوض على اتفاقية جديدة من شأنه أن يصحح الكثير من الأخطاء التاريخية المرتبطة بالنسخة الحالية، إلا أن القيادة الروسية ما زالت تأمل في عدم تخلي الولايات المتحدة عن نصيبها من المسؤولية عن الاستقرار العالمي، حسبما صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبيل اجتماعه بمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون.

 

على هذا الأساس، أبدى رئيس الدبلوماسية الروسية انفتاحاً في الحديث عن الاستعداد لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاقية المذكورة، إلى جانب اتفاقية «ستارت-3» الخاصة بتخفيض الأسلحة النووية، ولكنه شدد على أن حواراً كهذا يتطلب «المهنية» وليس «مكبّرات الصوت».

 

“الصقور” يعبثون

 

إعلان ترامب بشأن اتفاقية الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى يأتي معاكساً للمواقف «المحبّة للسلام» التي اطلقها بعد قمة هلسنكي التي جمعته بالرئيس فلاديمير بوتين. بهذه العبارة علّقت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» على تناقض الخطاب الترامبي، مستحضرة  إحدى عبارات الرئيس الأميركي، التي وصف فيها برامج تحديث الأسلحة النووية بأنها «سياسة خاطئة للغاية».

 

يمكن بطبيعة الحال البحث عن أسباب كثيرة وراء هذا التناقض، من بينها ما أوردته صحيفة “غارديان” البريطانية، حول الضغوط التي تُمارس على ترامب من قبل «صقور» البيت الأبيض، وفي طليعتهم جون بولتون، وتيم موريسون، كبير مستشاري مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون مراقبة السلاح، واللذين لم يعد خافياً على أحد سعيهما لمنع أيّ حوار بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الاتفاقيات المبرمة مع روسيا، بما في ذلك الحوار المرتبط بتمديد معاهدة «ستارت-3»، التي يفترض أن تنتهي في العام 2021، والتي يخشى الخبراء من أنه في حال انهيارها، فسيكون العالم، للمرة الأولى منذ العام 1972، مفتقداً لأية قيود على الترسانات النووية لدى الدول التي تمتلك هذا النوع من الأسلحة.

 

الحديث عن «الصقور» في الإدارة الاميركية، يعيد إلى الذاكرة ما جرى في أواخر العام 2001، حين أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش – وكان حينها جون بولتون وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الحد من الأسلحة – الانسحاب من اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية، في خطوة أطلقت العنان لصراعٍ ما زال مفتوحاً بين الغرب وروسيا، لا سيما بعدما اقترن الانسحاب الاميركي بخطة نشر منظومة الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية على مقربة من الحدود الغربية الروسية…..

 

لقراءة المزيد

وسام متى في “المسكوبية”

 

https://www.moscobia.com/2018/10/24/%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a7/

 

عن جورنال