الرئيسية » افتتاحية » أين يمكن ملاقاة بن سلمان ؟

أين يمكن ملاقاة بن سلمان ؟

مسافة طويلة تلك التي قطعها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان منذ ان وصف المرشد الاعلى في ايران السيد علي خامنئي بانه “هتلر جديد في الشرق الاوسط”، وصولا الى اعلانه ان “الايرانيين جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا”.

زمنيا، المسافة ليست طويلة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وآذار/مارس 2023، لكنها حتى في السياسة، مفاجئة. وفي هذه الاسابيع، يكتب الكثير عن خلفيات التحولات التي تقوم بها السعودية، ودوافعها، لكن يبدو ان السؤال الاكثر أهمية هنا: هل بالامكان ملاقاة بن سلمان؟

من غير الواضح حتى الان، المدى الذي سيذهب اليه بن سلمان في قيادة التحولات السعودية، برغم ان الظاهر حتى الان انها خطوات كبرى، وانه حتى الايرانيين الذين سوق بن سلمان خصومته معهم، بوصفهم النازيين الجدد وبأنه سينقل المعركة معهم الى عقر دارهم، جعلتهم الاستدارة السعودية، يتخلون تدريجيا عن حذرهم الفطري، بملاقاته أولا في بغداد، ثم في بكين.

وبغض النظر عن الافتتاح الوشيك للسفارتين بين الرياض وطهران، والتلاقي السعودي-الايراني الجاري حاليا في الافطارات الرمضانية، فان حجم الملفات والبؤر الملتهبة في المحيط السعودي، تقتضي الكثير من التدقيق، اذا كان يراد لهذه المصالحة بين “قطبين أساسيين” في العالم الاسلامي، او “جيرة التعايش” الحتمية كما وصفها بن سلمان، ان يكتب لها النجاح.

ومن المأمول ان يكون السعوديون على دراية بان “انعطافاتهم” السريعة والمفاجئة احيانا، تربك- ان لم تكن تزعج- الحسابات الاميركية التي تعاطت تقليديا مع الدبلوماسية السعودية منذ 70 سنة، بوصفها حذرة ومطيعة، وبالتالي من السهل تحديد ورسم الحسابات معها. ولهذا، فقد كان من البديهي ان تنشر “وول ستريت جورنال” ان رئيس الاستخبارات المركزية الاميركي وليام بيرنز، نقل خلال زيارته الاخيرة الى الرياض “انزعاج وصدمة”  واشنطن من موقف المملكة حول ملفي “التقارب مع ايران وسوريا”.

ولم تكن صدفة ان يقوم وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان بزيارة الى كييف في 26 شباط/فبراير ويعلن عن حزمة مساعدات بقمة 400 مليون دولار، فيما “الوساطة الصينية” تجري في الكواليس لانضاج اعلان بكين المصالحة السعودية-الايرانية بعدها بأيام، ويسرب قبلها مصدر سعودي لصحيفة اميركية “شروط” المملكة للصلح مع اسرائيل.

ولهذا، فانه من الواضح ان الدبلوماسية السعودية لم تتخلى عن حذرها، لكنها لم تعد مطواعة كما نألفها ويعهدها الاميركيون. بالتقارب السعودي الحاصل مع الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، وباقرار دول “أوبك +” تقليص حجم انتاجها من النفط في شهر ايلول/سبتمبر، ثم تخفيض الانتاج مجددا بمقدار مليوني برميل يوميا، وبالتطبيع المباغت مع الايرانيين وتسريع احتواء سوريا عربيا.

لكن حتى الان، لا يبدو ان بن سلمان يرغب ب”قطع شعرة معاوية” مع واشنطن. وفي المقابل، لم يتبلور موقف يكشف المدى الذي وصل اليه الاميركيون بخلاف “الانزعاج والصدمة” التي عبر عنها مدير الاستخبارات بيرنز، وما اذا كان الاميركيون يعتبرون ان المملكة تخطت ما يمكن تسميته “الخطوط الحمراء” في الذهاب بعيدا، بما في ذلك انضمامها الى “منظمة شانغهاي للتعاون” التي تقودها الصين، ب”صفة شريك الحوار” وسعيها الى الانضمام الى “منظمة البريكس”، وهي بالتأكيد بالنسبة الى واشنطن مراكز قوى جديدة وصاعدة، ستلتهم الكثير من النفوذ الاميركي في العالم.

هل سلامة محمد بن سلمان، أو حكمه المأمول، على المحك؟ يثار هذا التساؤل كثيرا بالتأكيد، والامير السعودي يدرك ذلك، ولهذا فان لا ولي العهد السعودي ولا دوائر القصر الملكي تتحدث عن انفكاك عن التحالف التاريخي ولا عن انتقال من ضفة الى ضفة، وانما عن اعادة تموضع تستوجبها المصالح السعودية والنظرة الى المستقبل في ظل التحولات العالمية الكبرى الجارية، بما في ذلك الاحلام السعودية الكبرى المتمثلة بمشروع “مدينة نيوم” واستضافة المونديال الكروي و”رؤية 2030″، والاهم اطفاء التوترات الاقليمية المحيطة -وابرزها مع ايران- من اجل تأمين سلاسة الخلافة في الحكم.

وربما لهذا، من المهم ان يدرك “الخصوم-الحلفاء الجدد” لابن سلمان حساسية المرحلة ودقة المخاض السعودي، فلا يتصورون بافراط انه قفز الى خنادقهم حليفا، أو يلقون أوراق اللعب كاملة على الطاولة أمامه، تماما مثلما يجب في المقابل، ان يستغلوا الفرصة التي تلوح باستدارته هذه، فيبادرون الى ملاقاته، وأماكن التلاقي هذه، كثيرة.

في اليمن الذي توليه السعودية اولوية في تموضعها الجديد، بامكان “الطرف الاخر” وبضمانات ايرانية، تأمين الخروج “المشرف” للرياض من المعركة العبثية التي خيضت هناك طوال 8 سنوات، وفي الوقت نفسه منح اليمنيين حقهم بحياة حرة يكونون فيها الاسياد على أرضهم وقرارهم. وسيتحتم على الرياض المساهمة بفاعلية في معالجة ذيول الحرب، بما في طبيعة الدور الاماراتي، خصوصا في الجنوب وسوقطرة.

وبالنسبة الى سوريا، فها هو وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في جدة فجأة، مع الدعوة لانعقاد الاجتماع الوزاري العربي، بمشاركة وزراء مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى مصر والعراق والاردن. وسيكون من المطمئن بالنسبة الى السعوديين ان يجدوا تفهما حقيقيا لهواجسهم الامنية والاقليمية وفتح الابواب لهم للانخراط في مفاوضات الحل السوري الى جانب روسيا وايران وتركيا، لكن من المهم ايضا ان يدرك السعوديون في المقابل، ان تغييب سوريا، وتطويقها وعزلها بالشكل الذي جرى فيه، الحق اذى هائلا بالمصالح العربية عموما، وان يتذكروا أيضا ان دمشق، كانت السباقة لنجدة العرب، من سعوديين وكويتيين، عندما غزاهم صدام حسين في تلك الليلة الظلماء من العام 1990. وسيكون امام السعوديين ايضا مهمة “تهذيب” الموقف القطري الذي لا يزال يبدو بدائيا في تصلبه ازاء العودة السورية المحتملة الى الجامعة العربية.

وعراقيا، يفترض ان يجد السعوديون الان “شريكا” يتمثل بايران، وهم يعيدون ترميم العلاقات مع بغداد، خصوصا بعد زيارة الوزير بن فرحان الاخيرة والتي شدد خلالها على الرؤية المشتركة للسعودية والعراق حول اولوية الاستقرار الاقليمي من اجل تحقيق الازدهار الاقتصادي للبلدين. يتأمل السعوديون بالتالي ان يجدوا حكومة عراقية، وان كامت دعائمهما من قوى عراقية قريبة من طهران، جاهزة للتطمينات الامنية -خاصة حدوديا-وحول مشاريع التعاون الاقتصادي، كالمشاركة المحتملة مثلا في مشروع “توتال انيرجيز” العملاق، وتسهيل دخول الشركات السعودية الى السوق العراقي خاصة في ميادين اعادة الاعمار. 

وبامكان الايرانيين ايضا، المساهمة في طمأنة الرياض حول المشهد اللبناني، المهمل الى حد كبير من جانب بن سلمان، منذ “حادثة” سعد الحريري الشهيرة، وربما من خلال ضمانات بان معالجة الملف الرئاسي والملفات اللبنانية الاخرى، لن تكون، على اقل تقدير، “استفزازا” للسعوديين، وان لبنان يمكن ان يكون نقطة للالتقاء الايراني-السعودي، وليس ساحة للمبارزة بينهما. وربما سيكون على السعوديين ان “يهذبوا” خطاب “القواتيين”- وسلوكهم السياسي- ومن تبقى من حلفاء لهم، في حال سلكت التسوية اللبنانية طريقها. لكن الاهم ايضا، وكما سيلاحظ السعوديون، ان الانهاء العادل للحرب اليمنية، سيترك صدى طيبا – في الاعلام والسياسة- بين الفئات اللبنانية المنتقدة عادة للحرب العبثية.

اطمئنان السعوديين مهم. وبامكان ايران “الجارة الحتمية”، كما وصفها بن سلمان، ان تؤدي دورها في هذا السياق، طالما انها طوت صفحة “التهمة الهتلرية”، لكن ربما على الطرفين ان يعيا ان الرسائل المتبادلة الاولى لتلمس احتمالات استئناف الحوار بينهما فيما بعد الضربة الجوية على منشآت البقيق النفطية (2019)، احرقتها غارة اميركية قتلت قاسم سليماني فجر 3 كانون الثاني/ يناير 2020.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".