الرئيسية » العراق » جيب “داعش” الاخير: لماذا هو باق ؟ وماذا يجري ؟

جيب “داعش” الاخير: لماذا هو باق ؟ وماذا يجري ؟

 

 

تسلل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي عبر ممرات سرية في صحراء الأنبار العراقية إلى “جيب المناطق الأربعة” داخل الأراضي السورية، الذي يشمل كلاً من هجين والشعفة والسوسة والباغوز، مرة واحدة على الأقل خلال الأشهر الأربعة المنصرمة.

“الجيب الرباعي” الذي امتنعت واشنطن لأسباب غير بريئة عن اجتياحه، ومنعت الجيش السوري وحلفاءه من القيام بهذه المهمة، بات يشكّل “ثقباً أسود” آخر إلى جانب “قاعدة التنف” وغيرها من القواعد والمواقع التي يجري تكريسها لتكون نقاط ارتكاز في إعادة رسم خريطة المنطقة.

بالنسبة لتنظيم “داعش”، تتمثل أهمية هذا الجيب في أنه يمثل آخر المعاقل السكانية التي ما زال يسيطر عليها في كلٍّ من سوريا والعراق. حيث يجد عشرات الآلاف من المدنيين الذين يسكنون في تلك النواحي والبلدات، أنفسهم مضطرين ليكونوا آخر “رعايا” دولة “الخلافة”، وسط تعتيم إعلامي كثيف على معاناتهم في ظل الظروف الأمنية والمعيشية البائسة التي يعيشون في كنفها.

لكن عامل السكان وضرورة الاطمئنان على “الرعية” لم يكونا السبب وراء الزيارة السرية التي قام بها أبو بكر البغدادي إلى المنطقة أواخر العام 2017 أي بعد حوالي شهرين من تحرير الجيش السوري لمدينة البوكمال التي لا يفصلها عن هذا الجيب إلا نهر الفرات، ولا تبعد عن أقرب نقاطه وهي ناحية الباغوز سوى كيلومترين. إذ حسب أحد المنشقين عن تنظيم “داعش” ويدعى أبو علي الأمني، سلّم نفسه إلى “قوات سوريا الديمقراطية” مؤخراً وأفرج عنه بعد عدة أيام فقط، فإن الهدف الأساسي من زيارة البغدادي هو إدراكه أن نسبة كبيرة من مقاتلي تنظيمه في ذلك الجيب هم من المقاتلين الأجانب، لذلك كان من الطبيعي أن يسعى إلى محاولة استقطاب هؤلاء من خلال العمل على إنهاء الخلاف العقائدي الذي أثارته “فتنة الحازمي”.

وحول ظروف الزيارة قال أبو علي الأمني “أن الجو كان ماطراً، وانتشرت حواجز العراقيين من مقاتلي التنظيم بكثافة على حين غرّة في جميع مفاصل المنطقة، ليتبين فيما بعد أن البغدادي وصل إلى بلدة السوسة راكباً في سيارة أجرة صفراء ومرتدياً ثياباً مدنية عادية، مع ملاحظة أن لحيته كانت أخفّ من العادة”. وأضاف الأمني أن الزيارة التي شملت توجه البغدادي شخصياً إلى كافة جبهات القتال سواء ضد “قسد” أو ضد الجيش السوري، تمخضت عن اتخاذ قرارات كثيرة من ضمنها تغيير كافة القيادات العسكرية في المنطقة وتعيين قيادات جديدة جميعها من الجنسية العراقية باستثناء بعض القيادات من الجنسية السورية.

أما بخصوص انعكاس الزيارة على الخلاف العقائدي بين جناحي التنظيم “الحازمي” الذي يمثله المقاتلون الأجانب وبالأخص “التونسيون”، وجناح “البنعلي” الذي يمثله العراقيون ونسبة كبيرة من السوريين،  أفاد الناشط الإعلامي المعارض الذي عرّف عن نفسه باسم “زين العابدين” بأنه جرى خلال الزيارة التوافق على تعيين شرعي سوري كوسيط بين الجناحين. وقال الإعلامي أن هذا الشرعي (الذي رفض الكشف عن اسمه) هو من منطقة الحص في حلب وقد قتل أبناؤه الثلاثة خلال المعارك في مناطق متفرقة، وأنه يحظى باحترام كبير لدى الطرفين.

لكن المؤكد حتى الآن أن زيارة البغدادي السرية إلى بلدة السوسة وقبوله بتعيين الوسيط السوري، لم تفلح حتى الآن في إخماد نار الخلاف. بل تشير جميع المعطيات الى أن الخلاف بدأ يتحول بشكل متسارع إلى صراع مسلح وهو ما تبدت معالمه في اشتباكات مسلحة اندلعت بين الجناحين في بلدة هجين طوال الأسبوع الماضي وسقط جراءها عشرات القتلى والجرحى.

ويلخّص الناشط سبب الاشتباكات في أن الانقسام بين الجناحين تعمّق كثيراً في الأسابيع الماضية وهو ما تبدى من خلال وجود جهازين للحسبة يقود أحدهما تونسي يدعى أبو بتار فيما يقود الآخر عراقي (دون أن يذكر اسمه)، لكن ما شكل فتيل انفجار الاشتباكات الأخيرة هو أن “التونسيين” بدأوا يتنصلون علانية من بيعة البغدادي ويقولون كيف نبايع شخصاً غائباً ليس له أي حضور.

ومما يلفت الانتباه أن “التحالف الدولي” دخل على خط الصراع بين الجناحين، مستهدفاً بإحدى غاراته يوم الثلاثاء 17 نيسان مسجداً كان تتحصن في داخله مجموعة رافضة لمبايعة البغدادي، مع تسريب مقصود عبر “حساب قوات سوريا على الجبهة” على تويتر التابع للقيادة المركزية الأميركية، أن الغارة جاءت بناء “على وشاية من رفاقهم”.

وتأتي هذه الغارات بعد توقف طيران التحالف عن استهداف مواقع “داعش” لمدة شهرين تقريباً بذريعة انسحاب حوالي ألفي عنصر من مقاتلي “قسد” من جبهات ديرالزور لمساندة رفاقهم ضد الغزو التركي في مدينة عفرين في شمال حلب.

لكن من شأن هذه التطورات أن تجدد التساؤلات حول السبب الحقيقي الذي دفع واشنطن إلى السماح لتنظيم “داعش” بالاحتفاظ بهذا الجيب السكاني في منطقة استراتيجية على الحدود السورية العراقية.

يقول البعض أن غاية واشنطن هي استخدام هذا الجيب في محاربة النفوذ الايراني عبر إبقائه كسيف مسلط على الممر البري الذي تُتّهم طهران بمحاولة إقامته ويفترض أن يمر عبر معبر القائم – البوكمال ليكون صلة الوصل بين دول محور المقاومة. وبذلك يكون هذا الجيب الداعشي، سواء قصدت واشنطن أم لم تقصد، بمثابة استكمال لمهمة “قاعدة” التنف” الأميركية التي لا تخفي واشنطن أن غايتها الرئيسية هي مواجهة إيران في المنطقة.

وقد يكون لهذا الجيب مهمة أخرى هي توفير ذريعة لواشنطن (أو بشكل أدق لقادتها العسكريين) من أجل الابقاء على القوات الأميركية في الشرق السوري وتحديداً في مناطق حقول النفط، حيث تشير المعلومات إلى أن “قاعدة التنك” الأميركية شارفت على الانتهاء.

لكن البعض الآخر، يذهب عميقاً في تفسير أهداف واشنطن، ويعرب عن اعتقاده أن واشنطن تعمل على تحويل هذا الجيب الداعشي إلى نسخة مطورة عن سجن بوكا العراقي الذي يعتقد أنه كان بمثابة المختبر الأساسي الذي نضجت فيه خلايا “داعش” القيادية تحت إشراف السجّان الأميركي.

ويؤكد هؤلاء أن نسبة كبيرة من قيادات وعناصر “داعش” التي أجرت “الصفقة القذرة” مع التحالف الدولي  بخصوص الانسحاب من مدينة الرقة، موجودة في ذلك الجيب. وهم يشيرون بذلك إلى أن هذه القيادات قد تكون أطوع من غيرها في الخضوع للتوجيهات الأميركية المباشرة أو غير المباشرة.

ويحذر هؤلاء من أن هذا الجيب قد يكون “الرّحم” الذي ستولد منه جماعات أكثر تشدداً من تنظيم “داعش” والتي قد يجري استخدامها من أجل استدامة العنف والفوضى في كل من سوريا والعراق، أو ربما نقلها إلى مناطق أخرى تقتضي المصالح الأميركية أن تدخل في نطاق “الفوضى الخلاقة”.

 

عبدالله سليمان علي

عن جورنال