الرئيسية » اراء ودراسات » “طريق حرير” اقليمي مركزه العراق.. وغياب لبناني

“طريق حرير” اقليمي مركزه العراق.. وغياب لبناني

يمكن القول ان انطلاقة رسمية بدات لمشروع “طريق التنمية” العراقي، المشابه وان بنموذج مصغر لطريق الحرير الصيني، وذلك لربط التجارة الاقليمية، واسواق الشرق بالغرب، والخليج باوروبا وساحل شرق المتوسط، حيث تستهل مرحلته الاولى بتشغيل ميناو الفاو الكبير، في اقصى الجنوب العراقي، في العام 2025.

+++++++++++++++++++++++++++

ويامل العراقيون، والدول المتحمسة للمشروع العملاق البالغ كلفته الاولية 17 مليار دولار، ان يكون ركيزة للحركة الاقتصادية في المنطقة برمتها، ويكون العراق من خلاله بوابة عبور واستقبال ونقل، للعمليات التجارية للبضائع الاتية من الشرق الاسيوي، ومن الخليج، باتجاه تركيا واسواق اوروبا الاوسع، بما يشمل ما لا يقل عن 25 دولة.

الخليجيون يقولون انهم يعتزمون الاستثمار في المشروع، لانه يشرع الابواب امام حركة البضائع، منهم واليهم، ويختصر مسافات العبور البحرية، والاتراك يقولون انهم “شركاء رئيسيون” في المشروع، بينما يقول السوريون الذين ياملون ان يتضمن المشروع توسيعا باتجاههم، وخصوصا نحو ميناء اللاذقية على البحر المتوسط، ادراكا منهم لحيوية الطريق ومزاياه التنموية والاقتصادية، انهم يراهنون على استكمال مشروع السكك الحديدية الثلاثية بين العراق وايران وسوريا. 

واستضافت بغداد في 27 ايار 2023، مؤتمرا لوزراء النقل في دول الجوار ومجلس التعاون الخليجي، للبحث في “مشروع التنمية الاستراتيجي” الذي سبق ان وصف بانه “طريق الحرير” العراقي، والذي يربط مدينة البصرة العراقية على الخليج، بالاراضي التركية، وذلك بغياب لبناني لافت للنظر.

ومن البديهي ان مشروعا عملاقا كهذا يتطلب تناغما اقليميا وتهدئات لا بد ستنعكس في الحراك السياسي الاقليمي، وهو بالتأكيد يستفيد من لحظة المصالحات التي توجتها السعودية وايران، وبالانفتاح العربي الواسع على سوريا بعد سنوات العزلة الطويلة، وبانخراط تركيا في جهود روسية-ايرانية لتحقيق انفراج مع دمشق، بما يحمل امالا بحلول التهدئة على جبهات الاقتتال السوري والتشظي.

وفي هذا الاطار، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وهو يفتتح اعمال المؤتمر في بغداد، ان وجود  ممثلي هذه الدول في العاصمة العراقية “هو جزء من الحلول” التي يراهن عليها العراق، بعد عقود واجهت فيها المنطقة عقبات متعددة الجذور تمددت لمشكلات متعددة، ولهذا، بحسب ما يقول السوداني، فان “طريق التنمية شريان اقتصادي وفرصة واعدة لالتقاء المصالح والتاريخ والثقافات”.

وبكل الاحوال، انعقد المؤتمر بمشاركة وزراء النقل او من يمثلهم من السعودية وايران وتركيا والاردن وسوريا والامارات والكويت وقطر وسلطنة عمان بالاضافة عن ممثلين عن الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي، حيث ذكر البيان الختامي ان “الوفود المشاركة ناقشت عملية الشروع في الخطوات التنفيذية وتحويل التفاهمات بين قادة وزعماء الدول الى خريطة طريق تشهد البدء بالمشاريع التنموية المتعلقة بطريق التنمية”.

وتكشف تفاصيل المشروع المتوفرة حتى الان، عن خطط طموحة وواسعة، حيث في اطار كلفته التي تصل الى 17 مليار دولار، فان نسبة الانجاز حتى الان وصلت الى 40% من نقطة انطلاقه من ميناء الفاو الكبير، وهو بحسب امال العراقيين ليس مجرد طريق “ترانزيت”، لكنه ايضا سينعش القطاعات التجارية والاقتصادية ويوفر نحو 100 الف فرصة عمل، في بلد يعتقد ان نسبة البطالة فيه تصل الى نحو 30%.

وبالتالي فان “طريق التنمية” سيكون خطا بريا وسكك حديدية بمثابة شريان اقتصادي حيوي، حيث ستعبره، الى جانب القطار السريع، الاف الشاحنات القادمة من 25 دولة اوروبية باتجاه الخليج، والسلع التي تاتي من الصين ومن الهند ومن اميركا، و التي تفرغ حمولتها في موانئ الخليج ثم تنقل بالشاحنات الى ميناء الفاو ثم تنتقل من خلال العراق نحو تركيا واوروبا.

ومن المقرر ان يمر الطريق التجاري بمحافظات البصرة ثم ذي قار والقادسية، وواسط ثم باتجاه العاصمة بغداد، ومنها الى صلاح الدين وكركوك ونينوى وصولا إلى المثلث العراقي التركي السوري من جهة منطقة فيشخابور، ويؤمل استكماله في العام 2028. ومن الاموال ال17 مليار المقدرة للمشروع، هناك نحو 10 مليارات مخصصة لانشاء شبكة السكك الحديدية بالكامل بطول يتجاوز 1200 كيلومتر، من الفاو جنوبا الى فيشخابور شمالا، و6.5 مليار يتخصص للطريق البري بنفس المسافة تقريبا. 

ويبلغ الوقت المتوقع لقطع هذه المسافة بين 12 و16 ساعة. والمهم هنا، انه يساهم في تخفيض زمن الرحلة البحرية من 33 الى 15 يوما في خلال نقل البضائع بين اسيا واوروبا. وسيكون بوسع “طريق التنمية” نقل ما بين 5 و6 ملايين حاوية سنويا. الا انه بحسب الخبراء، فان الاكثر اهمية ايضا بالاضافة الى تنويع مداخيل العراق، ان المشروع يعزز قدرات الصادرات في قطاع الغاز الذي تشتد الحاجة اليه خارجيا، علما بان العراق لا يستفيد منه حتى الان بشكل كاف، ويعتمد على صادرات النفط ومشتقاته فقط.

وسيتطلب المشروع اقامة بنى تحتية سياحية مثل المطاعم والفنادق والمقاهي ومحطات مواقف للسيارات، بالاضافة الى اقامة مصانع ومعامل ومخازن ومشاريع استثمارية على جانبيه. ويوصف المشروع بانه الاكبر في العراق منذ 4 عقود، ويربط 10 محافظات عراقية، في حين تقدر الحكومة العراقية انها ستحقق ايرادات سنوية تبلغ 6 مليارات دولار من المشروع.

والى جانب ذلك، يقول السوداني انه سيتم انشاء “مدينة صناعية ذكية” ستحاكي التطور التكنولوجي الحالي والمتوقع للسنوات الـ50 المقبلة اذ سيتم توطين صناعات متعددة فيها باستثمار الموارد المحلية او المستوردة من اجل سد الحاجة المحلية.

وفي النطاق الاوسع للمشروع، فان الخبراء يقولون انه سيكون بامكان دول الجوار مد طرقات ملحقة من اراضيها باتجاه “طريق التنمية” العراقي مما يوفر ارضية ملائمة لعقد شراكات اقتصادية واسعة.

ومن المعلوم ان فكرة المشروع كانت تطرح منذ سنوات عدة، وكان يتم تناولها على اساس انها ستربط من خلال السكك الحديدية بين البصرة وخصوصا “مشروع الفاو الكبير”، بالحدود السورية ومنها الى البحر المتوسط، ليكون العراق معبرا لنقل البضائع من الشرق نحو اوروبا والغرب من خلال سوريا والبحر المتوسط.

وسبق للمسؤول في شركة الموانئ العراقية حسنين عبد الرزاق ان قال “وقعنا عقودا مع تركيا وسوريا”، وان الربط السككي مع البلدين هو البداية الفعلية للمشروع، وسيمر الطريق عبر لديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل ثم الى تركيا والى ميناء مرسين واروبا عبر اسطنبول. بينما يقول خبراء ان المشروع قد يكون بديلا عن قناة السويس بحال نقل البضائع من اللاذقية واليها.

ولهذا، بالنسبة الى المراقبين فان غياب كل من مصر ولبنان عن لقاء بغداد، لافت، خصوصا ان لهذا المشروع ابعاده الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى. 

من البيان الختامي

-الشروع في الخطوات التنفيذية وتحويل التفاهمات بين قادة وزعماء الدول الى خريطة طريق تشهد البدء بالمشاريع التنموية المتعلقة بطريق التنمية

– بحث في اهمية المشروع لدول المنطقة والشراكات الاقليمية وسبل توطيدها والوصول إلى التكامل الاقتصادي بين الدول المشاركة وتاسيس منصّات تنموية اقتصادية تعزز من قدرة شعوب المنطقة على مواجهة التحديات الاقتصادية

– المؤتمر شهد استعراضا شاملا لطرق الوسائط المتعددة التي يتضمنها المشروع والامكانيات التي يقدمها  في الترابط الاقليمي بالاضافة الى البنى التحتية التي تنوع قطاعات النقل والصناعة والزراعة والطاقة المتجددة وما سيتاح من استثمارات في المطارات والقطارات السريعة والطرق البرية

– المؤتمر استعرض المسار الذي يبتدئ من ميناء الفاو وتكامله مع موانئ المنطقة وصولا الى الحدود التركية

– المؤتمر انتهى الى تشكيل لجان فنية لوضع التصور الكامل عن طبيعة وحجم مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في هذا المشروع الحيوي الاستراتيجي

مشاريع عملاقة

بالاضافة الى مشروع “طريق التنمية”، يعمل العراقيون والايرانيون بشكل متسارع على مشروع سكك حديد شلمجه – البصرة المتوقع استكماله خلال عام ونصف، بكلفة تقديرية تبلغ نحو 10 مليارات دولار)، وتكمن اهمية المشروع انه سيكون حلقة من الحلقات المكملة لطريق الحرير الصيني الممتد في احد تصورته من الصين الى باكستان ثم ايران، وصولا الى العراق، وسوريا لاحقا.

وهناك ايضا مشروع خطوط البصرة-العقبة بين العراق والاردن والذي يتضمن انبوب النفط من حقل الرميلة، لمسافة 1700 كيلومتر، لتغطية احتياجات الاردن من النفط والتي تقدر ب 150 الف برميل يوميا، فيما سيتم نقل الكميات المتبقية من العقبة بالبواخر الى مصر وقسم آخر لدول لديها عقود مع العراق.

chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/14117.pdf

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".