الرئيسية » اراء ودراسات » سوريا…هل حان وقت الحصاد؟

سوريا…هل حان وقت الحصاد؟

 

“سوريا لا تستطيع إلا أن تكون قومية عربية قبل أن تكون سوريا. وحتى عبد الناصر كان يدرك هذه الحقيقة وكان يفتش عن سوريا لبسط نفوذه على العالم العربي”. نقل هذه الكلمات عن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، الوزير اللبناني السابق كريم بقرادوني ودوّنها في كتابه (السلام المفقود)، وكأن لبّ الكلام في ختامه، بوصفه أهمية المحافظة على قوة الدولة السورية ليكون لها دور إقليمي في الصراع مع “اسرائيل” وفي العلاقات الدولية.

تتكون في سوريا استراتيجية متجددة في مواجهة “اسرائيل”، قائمة على بناء قوة عسكرية يشكل فيها السلاح الصاروخي عمادها الاساسي، وهو ما زرعه حافظ الاسد في جذور الدولة السورية، وأعطى له أهمية واسعة في أهمية استثمار الوقت والصبر للحظة المناسبة، وتتضمن هذه الاستراتيجية، نسج تحالفات عسكرية إما مع الدول أو مع حركات المقاومة. وقد مرت هذه الاستراتيجية بتقلبات عديدة، من حرب 73 وانسحاب مصر من المواجهة ودخولها في اتفاقيات مع “اسرائيل” التي أخرجتها حتى اليوم من المعادلة العربية، إلى اتفاقيات أوسلو ووادي عربة، وصولا إلى ” الربيع العربي” الذي همق غرق العرب في مستنقع ازماتهم.

وكان البحث الدائم عن البديل العربي والدولي هو الاساس، مع تتابع خروج الدول العربية من المواجهة، فكانت ايران بعد الثورة الاسلامية، وروسيا من الاتحاد السوفيتي وصولا روسيا-بوتين، هي أمتن البدائل والتي أصبحت تحالفاً مترابطاً على الارض بشكل مباشر مع اندلاع الحرب على سوريا خلال السنوات السابقة، لتدخل البلاد في استراتيجية أخرى.

القوات الروسية والايرانية أصبحت متواجدة على الارض والبحر وفي الجو السوري، ليكون شرقي ساحل المتوسط هو امتداد دولي من موسكو إلى طرطوس، ولتصبح إيران وحزب الله في تواصل جغرافي من طهران ودمشق وصولا إلى الجنوب اللبناني، لتتكون لدى الدولة السورية قوى عسكرية على مساحات “بلاد الشام والرافدين”، حين أصبحت الحدود مجرد خطوط على الورق، فالجبهة تمتد، من مارون الراس في جنوب لبنان إلى القنيطرة في جنوب سوريا، والعمق في البر السوري والعراقي. هي مواجهة مباشرة مع اميركا في الشرق السوري واسرائيل في الجنوب، لتنقلب معادلة ضرب سوريا من الداخل عبر المجموعات التكفيرية العابرة للحدود، وليستثمرها التحالف السوري – الايراني – الروسي ليكون كسرا للحدود لصالحه.

قد لا تكون هناك حرب واسعة بالمعنى التقليدي، ولكن حرب الاستنزاف موجودة ومستمرة، والعدوان الجوي والصاروخي المستمر على الاهداف في سوريا، إن كان من قبل أميركا او اسرائيل، فهو لمنع تحقيق تقدم في الحل السياسي في سوريا، وربما هذه المواجهات أعطت بعداً مختلفا عن المتوقع، فالشعب السوري الذي اعتاد مفهوم الحرب مع “اسرائيل”، حيث تعلمه كتب التربية في المدارس أنه في مواجهة يومية مع العدو، وخلال سبع سنوات عاش حربا في تفاصيل حياته، لتكون هذه الغارات كأنها شيئ لا يذكر، ففي حين كان الاسرائيليون في الملاجئ، كان معظم الدمشقيون يشاهدون الضربات العسكرية من شرفات منازلهم.

في البعد الاقليمي، جاءت هذه المواجهة بعد إعلان الرئيس الاميركي الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، ولتكون لحظة مهمة بالنسبة لاسرائيل وبعض الدول الخليجية، وكأن امور الحرب أصبحت اسهل، لتكون التجربة يوم أمس غير مرضية، حيث تساقطت الصواريخ على مراكز عسكرية اسرائيلية، في إهانة لمفهوم القبة الحديدية، وليظهر المحور أنه رغم سنوات الحرب لا يزال يملك القدرة العسكرية والصاروخية للمواجهة مع اسرائيل وغيرها.

أين تذهب الدول بجنونها في عدوانها على سوريا؟، لا أحد يملك جوابا واضحا، فالامور تتعقد وتتشعب في المصالح الدولية والاقليمية، وقد يظهر تقارب في مكان أو مواجهة في مكان آخر، ولعل قدر سوريا، وبيئتها الجغرافية، أن تستعد في كل مرحلة إلى استراتيجية مواجهة جديدة، أساسها، التصدي في أن تكون سوريا مساحة للصراع الدولي فقط، وإنما أن تبقى محافظة على حضورها التاريخي، والذي يصفه الباحث اللبناني كمال ديب في كتابه (تاريخ سوريا المعاصر)، بأن سوريا القديمة تتجدد في ذهن كل طفل سوري مع حليب الام وكتب المدرسة حتى اليوم، فلا ينسى أمرين وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو.

 

وسام عبدالله

عن وسام عبدالله