الرئيسية » اراء ودراسات » أبو مازن.. كيف ستحرقه نار غزة ؟

أبو مازن.. كيف ستحرقه نار غزة ؟

هناك “ضحية” غير ملحوظة بوضوح حتى الان للحرب في غزة، تتمثل في السلطة الفلسطينية التي بالكاد تمسك بزمام أمورها في الضفة الغربية المحتلة.

خليل حرب

ويبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أمام مخاطر 3 نيران، فإما ان يتضرر شعبيا من تداعيات نجاح عدوان اسرائيل وبكلفة دموية عالية بفرض رؤيتها لوأد الحق الفلسطيني، او يواجه “انتفاضة ثالثة” قابلة للانفجار في أية لحظة، أو سيكون عليه ان يتصدى لارتدادت الاخفاق الاسرائيلي المحتمل في الحرب، على بقاء حكومة السلطة المترنحة في رام الله.

السلطة الفلسطينية في اسوأ أوضاعها، وهي كانت بحالة ترهل كامل حتى قبل اندلاع عملية “طوفان الاقصى” في 7 تشرين الاول/أكتوبر، لا على صعيد انفصال “أبو مازن” عن واقع الشارع الفلسطيني وافتقاره الى رؤية ناجحة لحلول الازمات المتراكمة فقط، وانما فعليا على عدة أصعدة، ما يمس استقرار حياة اكثر من 3 ملايين فلسطيني في الضفة المحتلة، 60% منهم من جيل الشباب (تحت عمر ال30).

فهناك العلاقة المريضة التي تربطه بالسلطات الاسرائيلية التي عززت من ابتزازها لحكومة رام الله بمواردها المالية والاقتطاعات الاسرائيلية منها، او حجزها وتأخيرها، وتحويل “حكم أبو مازن” الى “دويلة عملاء” مرتهنة للاحتلال، الى انهيار شعبية ابو مازن وحركة فتح، مقابل تزايد التأييد في الشارع لحركة حماس، وصولا الى فضائح الفساد الشائعة وسجل حقوق الانسان السيء، بينما لم تعد توفر “اتفاقية اوسلو” من خلال ترتيباتها الامنية، اي حصانة تذكر لاستقرار الحكم في رام الله والذي سبق له ان فقد السيطرة على قطاع غزة منذ 17 سنة.

ومن المرجح أيضا ان هجوم المقاومة الفلسطينية على قواعد الاحتلال ومستوطانته في 7 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، ضرب مسمارا جديدا في نعش السلطة الفلسطينية التي لم تتمكن حتى الان، من الاستفادة من علاقاتها المتشعبة القديمة مع اسرائيل، من اجل وقف الحرب، ولا تمكنت من مواكبة حالة السخط الشعبي المتزايدة في الضفة الغربية ازاء “جرائم الابادة” بحق اشقائهم في قطاع غزة، كما لم تنجح عمليات التنسيق الامني القائمة مع الاجهزة الامنية والعسكرية الاسرائيلية، أقله في الحد من التوغلات العسكرية الاسرائيلية في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، ووقف اعتداءات المستوطنين الاسرائيليين على منازل وقرى الفلسطينيين حيث يقدر ان اكثر من 450 فلسطينيا في الضفة استشهدوا منذ بداية العام 2023، بينهم 273 منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول.

يقول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الان انه لا يريد تكرار تجربة حكم السلطة الفلسطينية في غزة باعتبار انها، بحسب رأيه، فشلت في ادارة القطاع ما قاد الى صعود حركة حماس، ثم وقوع ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الاول، ويحاول طرح بدائل لادارة غزة مستقبلا، تكون من خلال سلطة خليطة من شخصيات محلية بالاضافة الى دور دولي ما. واذا نجحت اسرائيل في فرض هذه الصيغة للحل في غزة، فان ذلك سيكون انقلابا حقيقيا على “اتفاق اوسلو”، بما يعني أيضا تقويض اسس حكم السلطة الفلسطينية، وقيامة “الدولة الفلسطينية” الموعودة.

ومعلوم ان السلطة تأسست في العام 1994 على وقع اتفاقية أوسلو الأولى العام 1993 بين الحكومة الاسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيما جرى إنشاؤها في بادئ الامر لتكون هيئة حكم مؤقتة مكلفة وضع اسس دولة فلسطينية مستقلة. ومن بين ما ينص عليه اتفاق اوسلو، اعتراف المنظمة بدولة الاحتلال على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، وانما من دون الصفة الغربية وغزة وهما منطقتان كان يفترض ان تنسحب اسرائيل منهما بالكامل خلال 5 اعوام بعد توقيع الاتفاق، وهو ما لم يحدث.

وبكل الاحوال، فانه في حال مضى نتنياهو بخياره محاولة القضاء على حركة حماس (وفصائل المقاومة عموما) مثلما قال عندما اعلن عن أهداف حربه على غزة، فسيكون لزاما عليه على الارجح التحرك عسكريا ايضا – وربما لاحقا- فيما تبقى من مناطق السلطة الفلسطينية التي يتولى أبو مازن، مسؤوليتها ولو نظريا، وهو ما سيفرض على الرئيس الفلسطيني المزيد من الاعباء والمخاطر، بما في ذلك احتمال انفجار “انتفاضة ثالثة”، وهو تخوف تعبر عنه أيضا المؤسستان الأمنية والعسكرية في اسرائيل.

وهناك حالة تململ واضحة في انحاء الضفة الغربية، وصارت أصوات المعارضين لابومازن تسمع بوضوح قوة أكبر مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك لعدة اسباب داخلية من بينها :

-السجل السيء للسطة الفلسطينية في مجال حقوق الانسان بما في ذلك قمع الاجهزة الامنية التابعة للسلطة وملاحقة منتقدين لابو مازن، او المقاومين المعارضين للاحتلال، ولعل من أبرزهم مؤخرا المناضل نزار بنات الذي اعتقلته اجهزة السلطة، ثم سلمته مقتولا.

-يشعر كثيرون في أنحاء الضفة (وحتى خارجها) بان السلطة تعيش حالة انفصال  عن واقع المواطنين

-تردي الاوضاع الاقتصادية وشبهات الفساد بين اركان السلطة، بينما تعاني الحركة التجارية من الضعف، وتطال البطالة نحو 44 % من جيل الشباب، فيما تدفع السلطة منذ اكثر من عام 80% فقط من قيمة الرواتب لموظفي القطاع العام.

وتشكل الازمة الاقتصادية المترافقة مع الانسداد السياسي، وفي ظل كل ما يجري في غزة، وصفة للانفجار الكبير. والمفارقة ان اسرائيل تساهم بشكل مباشر في تسهيل تداعي مقومات الحكم في رام الله، او انها في أحسن الاحوال، تحول دون انهياره بالكامل من خلال المنشطات المالية، بما يضمن بقاء “دويلة العملاء” نفسها، ولو بوجوه جديدة.

وفي حين ان الدعم المالي الخارجي للسلطة الفلسطينية، شهد تراجعا كبيرا ومتواصلا من 1.2 مليار دولار في العام 2008 مثلا، فانه راح ينهار بشكل كبير منذ العام 2013، ليصل في العام 2022 الى نحو ربع ذلك المبلغ. وصار الدعم العربي يتفاوت، او يحجب، او يقنن، او يشترط، بحسب موقف الدولة العربية المقدمة للمساعدة المالية من اسرائيل، ومن السلطة نفسها.

اما اسرائيل، فان اضعافها لسلطة ابو مازن لابقائها طوع يديها، يتمثل من خلال الاقتطاعات التي تفرضها على ما يسمى اموال المقاصّة، وهي الاموال المحصلة من عائدات الضرائب  التي تجمعها اسرائيل من الرسوم (3%) على البضائع الواردة الى اراضي السلطة الفلسطينية، من خلال المنافذ التي تخضع بالكامل للسيطرة الاسرائيلية. وتقدر هذه الاموال شهريا بنحو 700 مليون شيكل (202 مليون دولار).

ولطالما اشتكت السلطة الفلسطينية من ان اسرائيل عمدت خلال السنوات الماضية، الى اقتطاع او احتجاز هذه الاموال المستحقة للفلسطينيين من اجل اغراض الابتزاز السياسي. وعلى سبيل المثال، قال وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة في 14 ايلول الماضي، ان اسرائيل تحتجز 800 مليون دولار من الاموال المستحقة للفلسطينيين منذ 3 اعوام.

وبالاضافة الى ذلك، فان اسرائيل قررت قبل عامين اقتطاع المزيد من الاموال المستحقة للفلسطينيين، انتقاما من السلطة لانها تدفع تعويضات اعانة شهرية لعائلات الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال (يقدر عددهم باكثر من 5 الاف سجين) او من تدرجهم السلطة في لوائح الشهداء. وبحسب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، فان “مجموع الاقتطاعات المتعلقة بمخصصات الاسرى والشهداء، بلغ حوالي ملياري شيكل (الدولار يساوي 3.5 شواكل) منذ بداية العام 2019 حتى نهاية 2022”.

وفي ظل مثل هذه الاوضاع، لا عجب ان يظهر استطلاع للرأي اجراه قبل شهرين، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بالتعاون مع “مؤسسة كونراد أديناور”، ان 78% يطالبون بتنحي ابو مازن في مقابل 19% فقط يرغبون في بقائه على رأس السلطة. ما هو ليس مفاجئا أيضا انه في حال اجراء انتخابات رئاسية، فان 58% قالوا انهم سيصوتون لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماهيل هنية، مقابل 37% لابو مازن.

ماذا يعني ذلك؟

من الواضح ان ابو مازن فقد القدرة على الحكم فعليا، لاسباب داخلية وخارجية، وان حرب غزة مثلما تظهر مؤشراتها حتى الان، قد تلحق المزيد من الاضرار الجسيمة بمكانة السلطة وقوتها، وقدرتها على البقاء. ولن تساهم عميات التوغل الاسرائيلية المتصاعدة في انحاء الضفة الغربية، ومصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية لاقامة المستوطنات، ومطاردة المقاومين الفلسطينيين، وتفجير منازل عائلاتهم، والاستمرار في اعتقال الاف الفلسطينيين، بينهم فتيان ونساء، سوى في تأجيج نيران الغضب في وجه ابو مازن.

لكن سلطة ابومازن، يبدو كمن يتمسك بقشة بانتظار معجزة ما، او مساومة سياسية أخيرة. بعد أسبوع على “طوفان الاقصى”، نقلت عنه وكالة الانباء الفلسطينية “وفا” عن أبو مازن قوله للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أن سياسات وأفعال حماس “لا تمثل الشعب الفلسطيني”، وهو تصريح قالت وكالة “رويترز” انه جرى حذفه من موقع وكالة “وفا” لاحقا، ثم جرى تعديله ليصدر بالصيغة التالية:”سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثل الشعب الفلسطيني بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وليس سياسات أي تنظيم آخر”.

يتنصل ابو مازن من حماس خصوصا، ومن المقاومة عموما، وهو القائل مثلا في العام 2007 “اقول للمخابرات (الفلسطينية) اذا رأيتم حاملا لصاروخ، اقتلوه”. ولهذا، يلقي أبومازن بمحاولة يائسة لملاقاة نتنياهو في مكان ما، برغم ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول حتى الان انه يرفض صيغة عودة السلطة الفلسطينية الى غزة.

ففي 10 نوفمبر/تشرين الثاني، قال الرئيس الفلسطيني ان السلطة الفلسطينية مستعدة لكي تتسلم “المسؤولية الكاملة” عن قطاع غزة في اطار حل سياسي شامل، وهو موقف جاء بعدما أبلغت مصر ادارة الرئيس جو بايدن بانها ترفض اقتراحا لادارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. كما جاء هذا الموقف الذي يعكس رغبة ابو مازن ان يقدم نفسه كبديل فلسطيني جاهز، عن حماس، ليؤدي دور “جيش لحد الفلسطيني” في قطاع غزة.

وكان طرح ابو مازن هذا قد تسرب بعد اللقاء الثاني الذي عقده مع وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن في رام الله في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث ابدى استعداده “للمساعدة في ادارة غزة” بعد عزل حماس، بحسب تأكيدات مسؤول أميركي تحدث الى “رويترز”، برغم ان “مستقبل غزة” لم يكن محور الاجتماع بين الرجلين.

واذا نجا ابو مازن من نيران الحرب المباشرة، والاحتقان الشعبي، والتضييق الاسرائيلي، فانه سيكون خلال وقت وشيك، أمام عقدة لا تقل خطورة تتعلق بكيفية تعامله مع قطاع غزة، حيث تشير صحيفة “يديعوت احرونوت” انه ستكون هناك مرحلة أخرى أو مرحلتان من التسوية الدائمة في قطاع غزة تستمر لعدة أشهر، حيث سيكون للسلطة الفلسطينية سيطرة مدنية على قطاع غزة، لكن الشاباك والجيش الاسرائيلي سيكون لديهما حرية العمل في مجالي الاستخبارات وإحباط العمليات، كما هي الحال في المنطقة ب في الضفة الغربية”.

خلال هذا الطرح،  يبدو ان أبومازن مستعد للتناغم مع ارادة اسرائيل، باستباحة غزة أمنيا بالكامل مستقبلا، مثلما تسمح أجهزته الامنية لقوات الاحتلال، بفعله في الضفة الغربية. 

https://new.thecradle.co/articles/how-will-gazas-fire-burn-mahmoud-abbas

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".