الرئيسية » العراق » ايران والعراق: خطى ثابتة اقتصاديا تستثمر في أجواء الانفراج الاقليمي

ايران والعراق: خطى ثابتة اقتصاديا تستثمر في أجواء الانفراج الاقليمي

برغم الضغوط الغربية والتحديات المتفاوتة، يسير العراق وايران بخطى متنامية من اجل تمتين علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، بما ينسجم مع مصالح شعبي البلدين، والسياسة التي يرتكز عليها اساسا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بتعزيز الانفتاح على المحيط الاقليمي والدولي، ليتمركز العراق في موقع الجسر والوسيط ومحور الاستقرار.

وسام عبدالله

وتوقف المراقبون عند الزيارة المهمة التي قام بها وفد ايراني كبير الى بغداد في هذا التوقيت، في ظل “زلزال” الاتفاق الايراني-السعودي الذي ابرم في بكين برعاية الصين، وأشاع اجواء من التفاؤل والانفراج في مناخات الاقليم المتلبدة منذ سنوات، وهو جهد حرصت طهران والرياض سوية على توجيه شكر خاص حوله الى العراق الذي ساهم في التمهيد الى هذه القفزة الجبارة التي كسرت جليد العلاقات السعودية-الايرانية.

واذا كان البلدان المعنيان، اي السعودية وايران، هما من يستعد لقطف الثمار المباشرة لهذا التقارب -ان تواصل وتكامل- بعدما ضربا موعدا خلال شهرين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية- فان العراق نفسه سيكون أيضا من اكبر المستفيدين من هذه الوساطة الصينية المفاجئة، فهو علاقة متنامية مع ايران، ويظهر انفتاحا كبيرا على العلاقة مع الصين التي تزداد اهتماما بالسوق العراقي وخاصة في قطاع النفط والغاز، وهو ايضا على علاقة ودية واضحة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي سبق ان استضاف السوداني كمشارك في القمة العربية -الصينية التي استضافتها السعودية في كانون الاول/ديسمير الماضي، فيما يشير بحسب مراقبين الى اهتمام سعودي متزايد بتبريد الملفات الساخنة اقليميا، أملا بانجاح “رؤية السعودية 2030″، وهو ما يفترض ان ينعكس بديهيا، على تطور في العلاقات بين الرياض وبغداد.

وبذلك، فان الامور كما يبدو تسير بالتوازي والتزامن، سواء من خلال الاختراق المسجل في بكين، او من خلال الحركة التي يقوم بها السوداني اقليميا وخارجيا، والتي ترتكز على مراكمة التفاهمات والاتفاقات والفرص التي تعزز امكانيات العراق اقتصاديا- وخدماتيا- بما يتعدى الاكتفاء بتسجيل ارقام قياسية في الاحتياطات النقدية بالعملة الاجنبية والمقدر انها وصلت الى 120 مليار دولار.

وبهذا المعنى، فان مشاركة وفد ايراني مؤلف من 60 عضوا، في الاجتماع الخامس للجنة الاقتصادية المشتركة الايرانية العراقية في بغداد، برغم محاولات التضييق الاميركية تحديدا، على اي تقارب عراقي مع ايران، بل محاولة قطع الطرق امام اي تقارب اقتصادي محتمل، رسالة لها دلالتها الاضافية في مناخات الانفراج الاقليمي المأمول.

وقد تولى وزير التجارة العراقية أثير داود الغريري ووزير الاقتصاد والمالية الايراني إحسان خاندوري، الاعلان عن تفاصيل الاجتماع المشترك بين الوفدين، حيث قال الغريري، إن اجتماع اللجنة العراقية الإيرانية “شهد التوقيع على محضر مشترك تضمن الاتفاق على العديد من الأمور والتفاهمات التي من شأنها أن تطور العلاقة الاقتصادية بين الجانبين وتزيد من التفاهمات الاقتصادية التي تخدم الشعبين”، موضحا الجوانب التي شملتها التفاهمات، الجانب الاستثماري والمناطق الحرة بالمجال التجاري والتبادل الاقتصادي وزيادة هذا التبادل وإقامة مناطق صناعية والتعاون في مجال الربط السككي والتعاون في مجال المياه والحدود المشتركة والتعاون في مجال الكهرباء والنفط والجانب المالي والمصرفي.

ووفق مبدأ “روح التعاون الكبيرة لمصلحة البلدين”، قال الغريري، ان الجانب العراقي التزم بتوجه الحكومة  من خلال برنامجها الحكومي وتوجيه رئيس الوزراء السوداني برعاية خاصة للقطاع الخاص وتسهيل الأمور أمام صادرات الجانب العراقي والميزان التجاري للبلدين ليكون هنالك تبادل تجاري بناء والاهتمام بالصناعات وسلع ذات ميزة نسبية لكلا الطرفين.

اما خاندوزي، الوزير الايراني، فقد اشار الى تنامي التبادل التجاري مع العراق بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي. ولم يقدم الوزير رقما محددا، لكن التقديرات الاقتصادية تشير الى ان حجم التبادل بينهما يبلغ 12 مليار دولار، وهو بكل الاحوال اقل من الامال التي اطلقت قبل نحو عامين، برفع حجم التبادل الى 20 مليار دولار، وذلك لاسباب عديدة من بينها- ولعله اهمها- القيود التي تفرضها واشنطن على التعاملات التجارية والمالية مع الاطراف والجهات الايرانية، ما يعرقل بدرجة كبيرة الحركة التجارية بين البلدين، وخصوصا فيما يتعلق بقدرة الجهات العراقية بما فيها البنوك، على تحويل المستحقات الايرانية المجمدة، خصوصا ما هو مرتبط بصادرات الغاز الايرانية الى العراق.

ومع ذلك، يقول خاندوزي ان المحادثات في بغداد شملت العديد من المجالات وخاصة في مجالات التجارة، والصناعة، والنقل، والطاقة، والكهرباء، والغاز، والمياه، والشؤون المصرفية والمالية، مضيفا ان “العلاقات التي تربط الجانبين ستبقى قائمة وتترسخ يوما بعد آخر، رغم كل التقلبات التي تشهدها المنطقة والعالم”. واكد الوزير الايراني قائلا ان طهران “عملت طيلة السنوات الماضية لدعم استتباب الأمن في العراق، وعملنا ما بوسعنا من أجل أن نقف إلى جانب الشعب العراقي والحكومة”.

وفي هذا الاطار، اعلن المكتب الاعلامي لرئاسة الحكومة العراقية ان السوداني استقبل الوفد الايراني برئاسة خاندوزي حيث شمل اللقاء محادثات حول “مجمل الملفات والقضايا الاقتصادية، والتعاون بين البلدين وسبل تعزيزها، لما فيه مصلحة الشعبين”، بينما أكد السوداني، على “أهمية دعم أعمال اللجنة العراقية الإيرانية المشتركة، وتوطيد الشراكة الثنائية على مختلف الصعد والمجالات”.

اما الوزير الإيراني فقد اعرب عن تقدير القيادة الإيرانية للدور العراقي في تقريب وجهات النظر الذي أفضى إلى التفاهم الأخير بين السعودية وايران، بما يوطّد أمن المنطقة واستقرارها.

وكان الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، تسلم رسالة خطية من نظيره الايراني إبراهيم رئيسي تضمنت دعوته لزيارة إيران، نقلها السفير الإيراني لدى العراق محمد كاظم آل صادق والوفد المرافق لهن واعرب الرئيس العراقي عن سعادته للإتفاق المشترك على استئناف العلاقات بين السعودية وايران.

وفي السياق نفسه، تلقى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين اتصالا من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، قدم فيه شكره لبغداد بتهيئة المباحثات مع السعودية، وذكرت وزارة الخارجية العراقية أن المساعي التي بذلتها الحكومة العراقية، عبر استضافة بغداد لجولات الحوار بين الجانبين، وما رسَّخته من قاعدة للحوارات التي تلت عبر سلطنة عُمان وجمهورية الصين الشعبية، وصولاً للحظة الاتفاق، سينعكس على العلاقات بين دول المنطقة ويؤذن بتدشين مرحلة جديدة.

وخلال استقباله السفير الايراني ايضا، أكد السوداني على “موقف العراق المتوازن ومنهجه الداعم للغة الحوار، من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، ودعم التنمية المستدامة لكل الشعوب الشقيقة والصديقة”.

وكان عبد اللهيان زار بغداد مؤخرا وقال ان “قوة العراق وتقدمه من قوة إيران وأمنها”، لافتا إلى أن “مباحثات مهمة اجريت في إطار اللجنة الأمنية المشتركة بين العراق وايران، وندعم تعزيز أمن العراق وسيادته في مواجهته للارهابيين”. وأشارة تقارير اعلامية، الى الزيارة كان هدفها بحث الوساطة التي تطرحها بغداد ما بين طهران وواشنطن، بشأن تسوية الخلافات حول الاتفاق النووي، وطهران أبدت موقفا مؤيدا لها ويقابله موقف مماثل من الجانب الاميركي، الذي طرحت عليه الوساطة خلال زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى واشنطن.

وفي تشرين الثاني من العام الماضي، زار السوداني طهران، والتقى مع المسؤولين الايرانيين، حيث ناقش الجانبان الملفات المشتركة، ومنها ملف التنسيق الأمني، والتبادل التجاري، والتعاون في مجال الطاقة والاستثمار وتنظيم السياحة والزيارات الدينية المتبادلة، ومواجهة تحديات التغير المناخي وآثاره الاقتصادية.

عن جورنال