الرئيسية » اراء ودراسات » لمصلحة من اخراج “الحشد” من المعركة؟

لمصلحة من اخراج “الحشد” من المعركة؟

لم يكن اعلان العراق الانتصار على تنظيم داعش في العام 2017، انتهاء المعركة. كان قد قصم ظهره فقط. كل الاحداث التي تجري منذ ذلك الوقت، على ضفتي “الخلافة” الساقطة، اي في بما في ذلك في سوريا، وصولا الى لبنان، تقول ان النهاية لم تكتمل بعد.

الضربات الاستباقية التي قامت بها الاجهزة العسكرية والامنية في لبنان في الشهور الماضية، تظهر ان “ولاية لبنان”، كما بدا في 9 كانون الاول/ديسمبر 2022 باعلان الولاء للخليفة الجديد، ما زالت حاضرة، وتحاول التسلل عبر النسيج الاجتماعي الهش في ظل الاوضاع المعيشية المتردية في البلاد.

وفي سوريا، يستهدف داعش، ابار النفط القليلة التي ما زالت تحت سيطرة الدولة، وينصب الكمائن للعاملين فيها، ويشن هجمات على حافلات الجيش والقوات المتحالفة معه، خصوصا في مناطق دير الزور في الشرق السوري، ويتسلل منها واليها عبر الاراضي العراقية، فيما يظهر ان “خلافة الظل” ما تزال حاضرة، ولو كإحتمال مأمول.

تقول مديرة “المركز الوطني لمكافحة الارهاب” الاميركية كريستين أبي زيد ان تنظيم داعش ينمي “مشروعه العالمي” بالفعل، لكنه ايضا في العراق وسوريا، بقي يتمتع بقيادة مركزية على حالته الأصيلة، وسيستمر على الأرجح في تشكيل تهديد عالمي للمصالح الاميركية والغربية الأخرى، وللسكان المحليين على حد سواء، بالاضافة الى انه من غير الملاحظ وجود بوادر انقسامات أو تفكك داخل فروع وشبكات التنظيم على الرغم من القيود التي يواجهها في العراق وسوريا.

وقد يبدو لكثيرين ان هناك مصلحة اميركية في ابراز قوة وخطورة التنظيمات الارهابية، وهي فكرة صائبة في احيان كثيرة، لكن الوقائع على الارض في العراق مثلا تظهر ميدانيا ان الخطر لا يمكن الاسهانة به.

بحسب احصاءات مجموعة “جهاد اناليتيكس” المتخصصة برصد العمليات الارهابية حول العالم، كان العراق في صدارة الدول التي تعرضت للارهاب بين شهري كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2022، حيث سجل 337 عملية ارهابية، وظل العراق الاول عالميا بهذا المجال منذ ظهور التنظيم قبل 9 سنوات.

وما يزال كثيرون يذكرون كيف ان الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، في ظل احتدام صعود الدواعش، اعلن ببساطة ان القضاء عليهم سيتطلب 30 عاما، بينما تحدث مسؤولون في ادارته وقتها عن الحاجة الى ما بين 20 الى 30 سنة.

في ذروة دفاع العراقيين عن انفسهم، قوات جيش وحشد شعبي، وكان داعش قد احتل بالفعل ثلث مساحة البلاد، كانت الضغوط والانتقادات تتوالى عليهم لكي يتخلوا عن جناحهم “الحشدي” واخراجه من المعركة!

تارة لانه “وكيل لايران” او لانه “ميليشياوي” و”طائفي” وفصيل مسلح “خارج الدولة”، وتارة لانه “فاسد” و”ارهابي”، بل ان احد وزراء خارجية دول المنطقة قال ان “القضاء على داعش يستلزم القضاء على الحشد”!

ليس من الممكن وضع مثل هذه المواقف والتصريحات في سياق الرؤية السياسية اللحظية او التحليل البحت، ذلك ان هذا التشويه لم يتوقف برغم تضحية الالاف من جنود الجيش العراقي والحشد الشعبي بأرواحهم لتحرير بلادهم، والاخطر انه تشويه متواصل حتى الان بشكل او بآخر.

تتجاهل هذه المواقف والحملات جملة من الحقائق الناصعة:

اولا ان “الحشد” مشكل بموجب فتوى “الجهاد الكفائي” للمرجعية الدينية العليا للسيد علي السيستاني في حزيران/يونيو 2014، وان البرلمان الذي يمثل كل مكونات العراق الدينية والسياسية والعرقية، أقر تشكيل “الحشد” وتنظيم عمله في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وهو بالتالي جزء رسمي من القوات المسلحة العراقية، ويأتمر بامرة القائد العام للقوات المسلحة.

لكن الاهم من ذلك، وما تتغاضى عنه وسائل اعلام غربية ومعاهد ابحاث مدفوعة بمصالح سياسية، ان عناصر “الحشد”، “كلهم عراقيون، وهم من الشيعة والسنة والمسيحيين والاكراد والتركمان، بالاضافة الايزيديين الذين حفرت في ذاكرتهم ان ادارة اوباما انتظرت حتى آب/اغسطس 2014، لتتدخل في المعركة، بينما كان داعش قد اكمل تمدده، وراح يلاحق الايزيديين الى الجبال والسهول وينكل بهم ذبحا واغتصابا وابادة. كان الاوان قد فات لعشرات الاف الايزيديين والمسيحيين والسنة والشيعة وغيرهم، مثلما اظهرت مقابرهم الجماعية لاحقا.

ربما يكفي التنبه، الى ان العديد من قادة وفصائل الحشد الشعبي، يدرجون تباعا على لوائح الارهاب الاميركية حتى هذه اللحظة، فيما يمثل تحليلا قانونيا لسفك دمائهم، تماما مثلما أحلت إدارة دونالد ترامب، دماء “أب الحشديين” ابو مهدي المهندس، ورفيقه الايراني قاسم سليماني، قبل 3 سنوات.  

ولهذا، يكون التساؤل مشروعا: لمصلحة من تشويه صورة “الحشد”؟

عن جورنال