الرئيسية » Uncategorized » اثيوبيا واريتريا نحو طي صفحات الدم: انفصال وتفاهم وحرب باردة

اثيوبيا واريتريا نحو طي صفحات الدم: انفصال وتفاهم وحرب باردة

 

تعهد رئيس اريتريا ايسياس افورقي ورئيس وزراء اثيوبيا ابي احمد، خلال قمتين تاريخيتين جمعتهما في شهر تموز 2018، اولا في اسمرة وثانيا في اديس ابابا، بطي صفحات الدم بين البلدين، وانهاء نزاعهما المستمر منذ عقدين من الزمن، بعدما كانتا دولة واحدة، وفرقتهما طموحات الانفصال وخلافات حدود الاستعمار وخنادق المتحاربين.

خليل حرب 

 

++++++++++++++++++++++++++++++++

 

 

من غير الواضح ما الذي جعل اثيوبيا التي تشتهر بتفوق رياضييها في مسابقات الجري والسرعة، تتاخر كل هذه السنوات للوصول، مع “جارتها اللدودة” اريتريا، الى مصالحة سياسية تطوي صفحة حرب عبثية وقاسية اودت بارواح اكثر من 100 الف انسان. لكن المفاجاة السارة ان ذلك حصل بالفعل، وفجاة.

في الثامن من تموز 2018، حطت طائرة رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد في العاصمة اسمرة، في خطوة مفاجئة لانهاء الحرب الباردة  القائمة مع اريتريا منذ نحو 20 سنة، وجرى توقيع بيان يعلن انهاء الصراع الحدودي ويعيد العلاقات الدبلوماسية بينهما وفتح الحدود. وفي 14 تموز العام 2018، بادله الرئيس الاريتري اسياس افورقي الخطوة بزيارة الى اديس ابابا.

لكن ربما الاكثر اهمية في مشهد القرن الافريقي المستجد بين الدولتين، الى جانب حقن دماء ضحايا الحرب، ان اثيوبيا، وهي من بين اكبر الدول الافريقية واكثرها سكانا، والتي اصبحت بسبب تلك الحرب في اواخر تسعينات القرن الماضي، بلا اي منفذ على البحر، صار بامكانها الان التعاون مع “اشقاء الجيرة” والتاريخ في اريتريا، من اجل ان تحسن بعض عافيتها الاقتصادية والاتصال بالعالم بحريا مجددا عبر مياه البحر الاحمر، ومنه الى مضيق باب المندب او الى قناة السويس شمالا، وذلك عبر مينائي اريتريا، عصب ومصوع.

ويمنح هذا الانفتاح المفاجئ بين اثيوبيا واريتريا املا حقيقيا لاكثر من مئة مليون انسان فيهما، بان الحرب ليست قدرا بين شعب فرقته حقائق الجغرافيا والتاريخ.. والاستعمار.

“حرب العامين” التي اندلعت في العام 1998 وتجمدت في العام 2000، لم تغير كثيرا في مزاعم كل دولة منهما، وهما من بين الاكثر فقرا في افريقيا،  وانفقتا مئات الملايين من الدولارات عليها، ودفعتا بعشرات الاف من الشبان الى الجبهات لحسم الصراع المنفجر، من دون جدوى تذكر.

 

 

لكن الازمة كانت تتراكم قبل ذلك بسنوات طويلة وقبل استقلال اريتريا في العام 1993. وكان الاريتريون يقاتلون منذ الخمسينات من القرن الماضي في مواجهة حملات القمع والابادة التي وصفت كثيرا باسم سياسة “الارض المحروقة” من جانب نظام الحكم في اديس ابابا، وتشكلت وقتها حركة التحرير الاريترية التي توسعت فيما بعد لتتشكل جبهة التحرير الاريترية التي بدأت المطالبة بالانفصال. وكان على مقاتلي الجبهة وسياسييها، وغيرها من تنظيمات اريترية، (بما في ذلك تنظيم “الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا”، الاكثر نفوذا وقوة بزعامة اسياس افورقي)، سقوط نظام منغستو هايلة مريم في اديس ابابا في العام 1991، للمضي قدما بمشروع الاستقلال في العام 1993 بعد السيطرة على اسمرة.

ومن غرائب عالم السياسة، ان استقلال اريتريا ربما كان ليتحقق لولا التحالف الذي رعته الولايات المتحدة بين افورقي وبين المعارض الاثيوبي ميلس زيناوي ضد نظام منغستو هايلة مريم الذي حكم الاثيوبيين بين عامي 1987 و1991، واتهم بممارسات وحشية ضدهم.

المهم ان التحالف بين افورقي وزيناوي اعطى ثماره بسقوط النظام، والاهم بتفاهم الطرفين على “حق الاريتريين بتقرير المصير”، مقابل ان يدعم افورقي زيناوي في صعوده الى السلطة في اديس ابابا، وهو ما تحقق فعلا. وتربع افورقي على الرئاسة في اسمرة، وافورقي في اديس ابابا، وتشكلت لجنة بين البلدين لمعالجة كل ذيول المشكلات والازمات والملفات العالقة بينهما منذ سنوات التمرد الاريتري، لكنها لم تنجح كثيرا في التعامل مع التحديات، الى ان تشكلت لجنة الحدود، لمتابعة العديد من المشكلات التي بدات تتفاقم بين الدولتين في العام 1997 على طول الحدود الممتدة بينهما على اكثر من 900 كلم.

وحاول الطرفان الاعتماد على خرائط مرحلة الاستعمار الايطالي القصير لاثيوبيا لتسوية الخلافات الحدودية التي نشات الان بعد استقلال اريتريا، لكنها لم تكن صالحة للبت بشكل كامل في النزاعات.

ويقول محللون ان افورقي يتحمل مسوولية كبيرة في انفجار ملف الازمة الحدودية، ذلك انه في خضم الخلاف قرر ضم منطقة بادمة المتنازع عليها مع اثيوبيا، وفعل. وبدا افورقي مندفعا في رؤيته لاريتريا ودورها وقوتها وهي الدولة المستقلة حديثا، ومد سطوته ايضا على ارخبيل جزر حنيش الكبرى، التابعة للسيادة اليمنية، في منطقة ذات اهمية استراتيجية كبيرة لوقوعها على طريق الملاحة البحرية ما بين مضيق باب المندب وقناة السويس، ما تسبب باندلاع اشتباكات بين الطرفين، انتهت بتدخل محكمة العدل الدولية لصالح اليمن، مقابل حقوق جزئية لاريتريا.

ومهما يكن، فان بدء افورقي بمحاولات ضم منطقة بادمة ساهم في اشعال شرارة الاشتباكات الحدودية مع اثيوبيا، حتى انفجارها بتقدم قوة اريترية الى المنطقة لضمها بالقوة العسكرية، ورد اثيوبيا باعلان “الحرب الشاملة”، وصولا الى اعلان اتفاقية الهدنة في حزيران العام 2000، والتي تضمنت انشاء منطقة امنية داخل اريتريا باشراف قوات تابعة للامم المتحدة، وبعدها بستة شهور وقعت اسمرة واديس ابابا اتفاقية للسلام في الجزائر.

ومنذ ذلك الوقت، ظلت الامور كانها حالة “حرب باردة”، ولم يحصل اي تقدم في العلاقات بينهما. والان، بعد 18 سنة، تعهد افورقي خلال زيارة الى اديس ابابا، حل الخلافات مع اثيوبيا، واعلن من هناك “لم نعد شعبا في دولتين. نحن شعب واحد. سنمضي قدما معا.. ارواح فقدت لكننا محظوظون بتبجيلها اليوم… نحن شعب واحد، ومن ينسى ذلك لا يفهم وضعنا”، فيما بادله الزعيم الاثيوبي التحية قائلا ان افورقي “يحظى بمحبة واحترام الشعب الاثيوبي الذي يفتقده”.

وكان افورقي يقوم ب”رد الزيارة” لابي احمد الذي تولى منصبه في اذار الماضي، ويعتقد كثيرون ان   الزعيم الاثيوبي السبب في الكسر المفاجئ للجليد مع اسمرة، اذ بادر اولا الى الاعلان عن التزامه بقرار اصدرته في العام 2002 لجنة تدعمها الامم المتحدة حول ترسيم الحدود بين البلدين واعادة منطقة حدودية إلى اريتريا، ضمنها بلدة بادمة، ثم تبع ذلك بزيارة الى اسمرة ليعلن مع افورقي استعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وتبادل الرحلات الجوية والاتصالات الهاتفية.

وتشير التقديرات الاقتصادية الى ان اثيوبيا تمكنت في السنوات الماضية من تسجيل نسبة نمو وصلت الى 10 في المئة، ولذلك فان من مصلحتها توسيع خياراتها للواردات والصادرات عبر مرافئ اكثر، اذ كانت طوال سنوات تعتمد على سواحل جيبوتي، والصومال جزئيا، وستوسعها حاليا لتشمل اريتريا.

وهكذا بين ليلة وضحاها، تبدل المشهد بين البلدين اللذين فرقتهما من قبل حقائق التاريخ والجغرافيا والطموحات السياسية والتحالفات الظرفية،  واعادتهما الان الى التقارب مجددا.

طال الانتظار لمبادرة اثيوبيا، هذه الدولة الافريقية التي في سجلها العديد من الميداليات الذهبية لابطال عالميين في مسابقات الجري وسباقات المسافات الطويلة. سيقول العديد من اهالي الضحايا في البلدين، ليت المبادرة جاءت اسرع … لكن المهم انها جاءت، وان متاخرة.

 

 

من هو ابي احمد ؟

 

في اذار 2018، انتخب الائتلاف الحاكم في إثيوبيا (الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية) ابي احمد رئيسا جديدا للوزراء، ما اثار الكثير من الامال باصلاح حال البلاد، ولم يطل الوقت حتى قرر الانفتاح على اريتريا.

يتحدر ابي احمد من عرقية اورومو، وهي اكبر مجموعة عرقية في اثيوبيا والتي كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدار ثلاث سنوات. والده مسلم من عرقية أورومو، اما امه فمسيحية من عرقية امهرة، وهو متزوج من مسيحية امهرية.

وقبلها باسبيع قليلة، اعلن رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين، استقالته فجاة. وبانتخابه لرئاسة الائتلاف الحاكم يصبح ابي احمد رئيسا للوزراء بشكل تلقائي، وهو اول رئيس وزراء من عرقية اورومو يحكم اثيوبيا منذ بداية حكم الائتلاف الذي بدا قبل 27 سنة.

ويوصف ابي احمد بانه سياسي محنك له مؤهلات أكاديمية وعسكرية مهمة، وحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة اديس ابابا ويحمل درجة الماجستير من الولايات المتحدة وبريطانيا، وعمل سابقا وزيرا في الحكومة وكان له دور أساسي في تاسيس وكالة الاستخبارات في اثيوبيا.

وولد ابى أحمد ، فى منطقة أغارو، في مدينة جيما في اقليم الاورومو، والتحق بالعمل المسلح في العام 1990 ضمن “الجبهة الديمقراطية لشعب الاورومو”، احدى جبهات الائتلاف ضد حكم نظام منغستو هايلة مريم العسكري (1974 – 1991)، حتى سقط حكمه. ثم التحق ابي احمد بالجيش في العام 1991، فى وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية.

وفي العام 2010، غادر وكالة امن شبكة المعلومات الإثيوبية (انسا) ليتفرغ للسياسة بصورة مباشرة، فانتخب عضوا في البرلمان عن دائرته في العام 2010، وفي العام 2015 اعيد انتخابه فى مجلس البرلمان، ثم عين وزيرا للعلوم والتكنولوجيا.

 

خليل حرب

 

http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/59/16.pdf

 

 

 

 

 

 

عن جورنال