تسارعت الاحداث في منطقة شرق الفرات في سوريا خلال الاسابيع الماضية، لتزيد تعقيدات المشهد غموضا، في منطقة بالغة الحساسية لا لسوريا وحدها وانما للمحيط الاقليمي برمته، حيث تتقاطع المصالح والصراعات وتتداخل القوى في وقت تسعى دمشق الى استكمال سيادة الدولة على اراضيها.
خليل حرب
++++++++++++++++++++++++++++++++++
في سنوات الحرب السورية والصراع مع الارهاب، لم تكن هناك منطقة شديدة التعقيد مثلما كان عليه الحال في منطقة شرق الفرات. كل العناصر المحلة والاقليمية والدولية تتشابك وتتداخل هناك، وما زالت على ما يبدو. الدخول الاميركي على الساحة والرهان على الورقة الكردية عزز من ارتباك الحسابات والمخاطر خصوصا بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاحتفاظ بقوات عسكرية له تحت مسمى حماية ابار النفط التي تمول الفصائل الكردية في جهودها لمواجهة بقايا خطر تنظيم “داعش”.
حاورنا الاستاذ الجامعي السوري الدكتور عقيل محفوض، وهو ايضا كاتب تركز اهتماماته البحثية والعلمية على المنطقة العربية وتركيا وايران والكرد، لمحاولة رسم صورة لمشهد شرق الفرات، والتفاهمات الروسية – التركية..
منذ ان سقط آخر جيب تابع لتنظيم “داعش” في سوريا في قرية الباغوز في يد “قوات سوريا الديموقراطية” في آذار العام 2019 لتعلن نهاية دولة الخلافة، انقلب المشهد في منطقة شرق الفرات في سوريا، لماذا برايك؟
الحديث عن “انقلاب المشهد” هو في الخطاب السياسي والإعلامي، انما الواقع مختلف الى حد كبير، ذلك ان الحديث عن نهاية تنظيم داعش ترافق مع حديث متواتر تقريباً عن بقاء التنظيم في غير مكان وغير منطقة من شرق سوريا وبعض مناطق العراق، وتحذير مستمر من احتمال عودة التنظيم للنشاط، كما ان الانسحاب الاميركي كان في التصريحات والصور والميديا وليس في الواقع، اذ اعلن الاميركيون عن العودة الى شرق الفرات قبل ان يغادروه. وتحدث ترامب عن بقاء مديد لما قال انه حماية حقوق النفط ودعم حلفائه الكرد واغراض اخرى.
هذا يعني ان المشهد، قُل الرهانات، في شرق الفرات لم تتغير كثيراً، حتى مع بروز مؤشرات جديدة مثل الاعتداء التركي، وانتشار الجيش السوري في مناطق واسعة من تلك المنطقة، وخاصة على الحدود مع تركيا.
جرى الحديث عن اتفاق بين دمشق وقيادات سورية كردية، وعودة شرق الفرات إلى سيادة الدولة السورية. هل اثمر هذا الاتفاق؟ واين وصل؟
الاتفاق بين دمشق وكردها هو اتفاق الضرورة واكراهات التدخل او الاعتداء التركي، ولا يبدو ان الفواعل الكردية على قناعة تامة بالاتفاق مع الدولة المركزية في دمشق، وقد ظهرت مؤشرات عديدة من قبل الكرد او قوات “قسد” على احتمال حدوث نكوص في الاتفاق، وتعزز ذلك مع الاعلان الاميركي عن بقاء مديد في تلك المنطقة.
يتحدث الكرد عن اتفاق امني في المقام الاول، وهو اتفاق مشروط بنقاط أخرى تتعلق بمصير بنى “الإدارة الذاتية” وغيرها، وعلى الرغم من الصعوبات هنا وهناك، الا ان الاتفاق صامد، وقد عززه الاتفاق الروسي-التركي في سوتشي. وتحدث الرئيس بشار الاسد (31 تشرين الاول 2019) عن ان الحكومة السورية سوف تتعاطى بكل جدية وعمق وهدوء مع هواجس ومطالب الكرد وغير الكرد، بما في ذلك الوقائع التي حصلت في منطقة الجزيرة، لكن من دون أن يكون لذلك اي تداعيات على الدولة السورية ووحدتها وتماسكها.
هل تعتقد ان اعلان الاحزاب الكردية اقامة “نظام فيدرالي” يشمل المناطق العربية والتركمانية التي تم استعادتها من “داعش” في آذار العام 2016، ما زال مطروحا كخيار في اوساط السياسيين الاكراد؟ لماذا؟
على الرغم من اقامة بنى كيانية وبنى سلطة بديلة في شرق الفرات، قاربت في بعض جوانبها معنى ومبنى الدولة، الا ان كل ذلك كان لا يقينياً، بل ومتوقفاً على تفاهمات واكراهات الحرب السورية، وعندما مكنت واشنطن انقرة من الاعتداء على شرق الفرات، تعرض مشروع الكيانية الى ما يشبه الاجهاض، وقد تحققت بذلك المخاوف العميقة والمقيمة لدى فواعل الكيانية من ان الظروف الإقليمية والدولية تمثل عامل اعاقة رئيس امام قيام “الادارة الذاتي او اي نمط من انماط الكيانية للكرد في سوريا، ومن ثم استعاد الكرد العبارة الأثيرة لديهم “لا اصدقاء الا الجبال”. لكن الاعلان الاميركي عن البقاء في شرق الفرات، ربما يجدد الامل لدى اهل الكيانية بالمحافظة على وجود خاص في تلك المنطقة، ذلك ان الرهان على الاميركي والارتهان له لا يزال قوياً.
اعلان الرئيس الاميركي ترامب الابقاء على قوات اميركية في مناطق ابار النفط في شرق الفرات، الى اين سيؤدي برايك؟
سبقت الاشارة الى ان الكرد وحلفائهم العرب وغيرهم في شرق الفرات يراهنون على الاميركي، وبالنسبة لي فقد كانت لدي تحفظات حيال التقديرات المتسرعة بشان الاعلان الاميركي عن الانحساب من شرق الفرات، وقد كتبت عن ذلك، الاميركي لن او لم ينسحب عن طيب خاطر من اي منطقة دخلها، كما ان اسباب التدخل الاميركي في شرق الفرات، المعلنة والمضمرة، لم تتحقق، ومن ثم فقد كانت التقديرات بان الاميركي لن ينسحب قبل ان يهيء بنى وفواعل محلية مرتبطة به او موالية له، وهذا يعني ان بقائه لا يزال قائما وربما مديداً.. وثمة عامل حاسم او مقرر في هذا الباب، وهو وجود قابلية محلية لوجود الاميركي، ولا بد من تغير الاحوال بما يمكن من نشوء بيئة رافضة للاميركي ثم بيئة تعمل على اخراجه من هناك. وهذا يتطلب جهوداً قوية من قبل الدولة السورية، كما يتطلب توافر ظروف اقليمية ودولية مساعدة.
بخلاف التبرير الاميركي بان اموال النفط هذه تمول قوات “قسد” لمواجهة بقايا خطر “داعش”، ما الهدف من هذا الموقف الاميركي بابقاء قوات والذي جاء بعد ايام على قرار ترامب الانسحاب من سوريا؟
قال الاميركيون مراراً وتكراراً بان بقائهم في شرق الفرات هو جزء من سياساتهم حيال الحدث السوري ككل، كما انه جزء من سياساتهم في الاقليم، وتحدثوا عن انهم لن يغادروا سوريا قبل ضمان امن حلفائهم، والحيلولة دون ان تتحول سوريا الى قاعدة للتاثير الايراني في المنطقة، وخاصة حيال اسرائيل. ومن هذا المنظور فان الوجود الاميركي يمنع الوصل الجغرافي والاستراتيجي بين سوريا والعراق، وبالطبع يقطع الخط الجغرافي والاستراتيجي، طهران بغداد دمشق بيروت.
كيف تقرا التفاهم الروسي – التركي حول ما يسمى “المنطقة الامنة”؟ هل الاتفاق دائم وقابل للاستمرار ؟ ما اهميته وما ثغراته ؟
التفاهم الروسي-التركي هو جزء من دينامية استانة او دينامية سوتشي، صحيح ان لكل طرف سرديته ورهاناته التي قد لا تتوافق او لا تتطابق في الحدث السوري، الا ان التقاطعات والمصالح المشتركة كبيرة وعميقة ايضا، الامر الذي يجعل الطرفين يواصلان تفاهماتهما، مع حرص كل منهما على ان يهيء الظروف لمراجعة ما اتفقا عليه واعادة التفاوض او المداولة من اجل التوصل إلى صيغ جديدة.
وقد تقرا دمشق ذلك التفاهم من منظور ايجابي، باعتبار الثقة الكبيرة بروسيا وايران، وهما ضامنا استانة، ولان روسيا هي حليف كامل الاوصاف لسوريا، وهذا يعني انها –من هذا المنظور- لن تكون جزء من اي تفاهمات قد تلحق الضرر بها.
هل المشروع التركي لاعادة توطين مئات الاف اللاجئين في مناطق الشمال السوري، قابل للتنفيذ؟ لماذا؟ وما خطورته؟
ثمة صعوبات واكراهات كبيرة تحول دون تنفيذ ذلك المشروع. هنا من المناسب التدقيق. ان المنظور التركي لمشروع المنطقة الامنة يختلف عن منظور الاطراف الاخرى، بما فيها حلفاء تركيا مثل الولايات المتحدة، ويريد الترك اقامة منطقة نفوذ خاصة بهم، ويهيؤون لاعادة توطين لاجئين سوريين موالين لهم، وهذا يعني القيام بتغيير ديمغرافي واثني، وكذلك تهيئة الظروف لاقامة كيانية من نوع خاص، ومنطقة للتاثير في الحدث السوري وفي طبيعة سوريا ما بعد الحرب. وهذا امر دونه صعوبات كثيرة.
هناك رهانات من قوى كردية سورية على الدعم الاميركي من اجل تحقيق غايات كيانية. اين ترى مصير هذه الرهانات؟
سبقت الإشارة على جانب من الموضوع، لكن الكيانية التي يراها أو يامل بها الكرد تبدو بعيدة جداً، وان قراءة عقلانية للامور لا بد ان ترجح استحالة او شبه استحالة ان يقوم كيانية وفق المخيال او التقدير أو المامول الكردي في شرق الفرات. انما من المحتمل ان يواصل الكرد رهانهم على الاميركي، وان الاخير ربما يمثل عامل ضغط من اجل المحافظة على حد ادنى من الخصوصية المناطقية والاثنية والسياسية للكرد وحلفائهم في شرق الفرات. ولو ان ذلك دونه صعوبات كبيرة.
من برايك الاكثر استعدادا للحوار مع الحكومة السورية، مظلوم عبدي ام الهام احمد؟ ام هناك شخصيات اخرى داخل القوى الكردية السورية، منفتحة اكثر على الحوار والتفاوض والتسويات الوطنية؟
جرت حوارات ومداولات عديدة بين دمشق وكردها او بين دمشق وفواعل الادارة الذاتية وقوات “قسد”، الا ان الامور كانت تصطدم بجدران كثيرة، اهمها من منظور دمشق هو الرهان على الاميركي والارتهان له، وان المحاورين الكرد لا يملكون من امرهم شيئاً تقريبا. الاميركي هو العائق الرئيس امام امكانية التوصل الى اتفاق مع دمشق.
اما الفروق بين قيادات قوات او ميليشيات “قسد” فليست من النوع الذي يمكن التعويل عليه، ولو ان مظلوم عبدي كان الاكثر تحفظاً على الاتفاق مع دمشق، والاكثر تذمراً من الاتفاق الروسي-التركي.
الالاف من مقاتلي “داعش” كانوا في السجون التابعة لقوات “قسد”، ماذا حل بهم وما مصيرهم برايك؟
ظهر في الاعلام والمتابعات السياسية تقديرات كثيرة، الا أن المرجح هو بقاء جانب كبير من نخبة تنظيم “داعش” تحت رعاية او حراسة اميركية مشددة، واما المقاتلون من الصفوف الاخرى فمن الممكن إعادة إدراجهم في تنظيمات أو عمليات اخرى، داخل سوريا او خارجها.
عقيل محفوض
كاتب واستاذ جامعي، تركز اهتماماته البحثية والعلمية على المنطقة العربية وتركيا وايران والكرد، له عدد كبير من الكتب والدراسات منها: سوريا وتركيا: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، والسياسة الخارجية التركية: الاستمرارية والتغيير، وجدليات المجتمع والدولة في تركيا: المؤسسة العسكرية والسياسة العامة، خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية، كورد نامه: في اسئلة الثقافة والسياسة والدولة لدى الكرد.
http://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/7516.pdf