الرئيسية » العراق » الكاظمي ودياب في وطنين يبكيهما الله كل يوم

الكاظمي ودياب في وطنين يبكيهما الله كل يوم

منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة في العراق في أيار 2020، كثيرا من أجريت المقارنات بينه وبين حسان دياب الذي سبقه بأربعة شهور فقط الى الحكم، حول خلفياتهما وظروف صعودهما، الداخلية والخارجية. لكن يبدو ان ذلك انتهى الان.

ويشي التدقيق بأن مثل هذه المقارنة ليست بالاستسهال الذي تبدو عليه، بغض النظر عما اذا كانت صحيحة ام لا.

واذا كانت قنبلة اغتيال قاسم سليماني وابومهدي المهندس، ثبتت خروج عادل عبدالمهدي لولادة فكرة “تجريب” شخصية غير مجربة كالكاظمي في العراق، فان قنبلة انفجار المرفأ أخرجت حسان دياب الذي كان فعليا نموذجا لفكرة تجريب غير المجرب في لبنان.

وكان عادل عبدالمهدي يمثل النهاية المفترضة – وربما المؤقتة – لخيار حكومات التقاسم السياسي التي سادت في مرحلة ما بعد عهد صدام حسين، ومصطفى الكاظمي كان الخيار الذي رست عليه التفاهمات الضمنية اميركيا – ايرانيا، لمحاكاة النموذج اللبناني بتجريب غير المجرب.

وكان يراد من حكومة حسان دياب ان تكون ايذانا بنهاية تجارب الحكومات “الحريرية” او المنبثقة من بيوتاتها، بعدما رفع الغطاء السعودي عنها – ولو مؤقتا.

واذا كان الكاظمي جاء من خلفية أمنية- استخباراتية، فان دياب جاء من خلفية اكاديمية.

وكلاهما لا تسندهما تجربة سياسية يعتد بها. ومع ذلك، فلا تفسير منطقيا، لقدرتهما المفاجئة على نيل الثقة البرلمانية في بلديهماـ باستثناء انهما جاءا على وقع الغضب في الشارع مخارجه المحتملة محكومة بتفاهمات طهران-واشنطن.  

والرجلان صعدا على مشهد منتكس بسياسات من سبقوهما، في الاقتصاد والسياسة والامن.

في العراق، كان الاميركيون قد اقتنصوا “غنيمتهم” الاكبر بقتل سليماني، وبحاجة الى مرحلة تهدئة مرحلية.

فيما لم تخدم “اكاديمية” حسان دياب في بيروت، فان “مخابراتية” الكاظمي في بغداد تمنحه بعض الافضلية

اما الايرانيون، فقد تلقفوا ما أوجعهم، وبحاجة الى “الثأر البارد”، باخراج الاميركيين تدريجيا من الساحة العراقية، من دون تفجير المعادلات بالكامل، والاحتفاظ، – قدر الامكان – بأدواتهم واسلحتهم العراقية، بانتظار خروج دونالد ترامب. وبالتالي لا مانع مرحليا، من شخصية كالكاظمي، لزوم “تقطيع الوقت”.

وفي لبنان، كان من الواضح أميركيا ان المراد توجيه موجة الغضب الشعبية الكبيرة في الشارع ضد القوى ذاتها التي تعاديها واشنطن من بيروت الى بغداد وطهران، وحشرها، ولما لم يتحقق ذلك وفق المأمول، صار حسان دياب لزوم ما لا يلزم أميركيا، في لحظة بالغة الدقة لجني ثمار الاتصالات التي مهدت لحملة التطبيع العربية مع اسرائيل واحتدام صراع موارد الطاقة والموانيء في مياه شرق المتوسط والخليج والبحر الاحمر.

لا شيء يحدث في الشرق الاوسط صدفة.

لا في مجيء دياب فجأة، ولا في استقالة حكومته تحت انقاض انفجار المرفأ، تماما مثلما جيء بالكاظمي من دهاليز المخابرات، الى قمة المشهد السياسي العراقي، ثم ادخاله هو ايضا في سلسلة امتحانات السلطة والدم القاسية.

واذا كان حسان دياب، بحكم الامر الواقع، يصرف ايامه الاخيرة بانتظار تشكيل حكومة جديدة، من دون ان تظهر نوايا له لبلورة مشروع سياسي خاص للمستقبل، فان الكاظمي يخوض الان عواصف غمار رحلته الخاصة التي لم تنته بعد، متفائلا بأن السفيرين الايراني والاميركي وان كانا اول مهنيئه في ايار، فانهما قد يعودان الى تهنئته فيما لو قرر خوض الانتخابات المبكرة التي قررت اولا في حزيران 2021، ثم أجلت الى تشرين الاول 2021.

هل اصبح لدى الكاظمي فسحة اضافية لبلورة مشروعه الخاص الان؟

والاهم، هل يبدو مفرطا في تفاؤله بأن معادلات الاقليم والعراق وتسوياتها، ستجدد له في رئاسة الحكومة؟

وهل ان تجربة ال 200 يوم في السلطة حتى الان، راكم فيها ما يكفي من انجازات ومعالجات لازمات العراق، تتيح له ما يكفي من “الشرعية” الشعبية للبقاء؟

الكاظمي ما يزال بحاجة الى معجزة من اجل البقاء، والاهم الى تبلور “لم شمل” أفكار جو بايدن، وانتوني بلينكن، وجاك سوليفان ولويد أوستين، لمقاربة الملف العراقي والصراع مع ايران، ليبني الكاظمي على الشيء مقتضاه.

هذه اسئلة “كاظمية” فعلية، وعراقية اساسا، لكنه لا يملك أجوبة عليها حتى الان. وهو الان في أكثر ايامه حيرة خلال شهوره السبعة في رئاسة الحكومة، لان الادارة الاميركية الجديدة لجو بايدن، لم تطلق ما يكفي من الاشارات التي قد تشفي غليل المنتظرين.

وليس سرا ان ما تنتظره واشنطن واحد من العاصمتين، وهو السبب نفسه ربما الذي أنزل السخط على حسان دياب في بيروت، وجعل السفيرة الاميركية تخرج بنفسها للتنكيل به – وبحلفائه – اعلاميا، اذ لم يعط الاشارة الذهبية المنتظرة بالاصطفاف في المحور الملائم.

في المقابل، فان الكاظمي، اعطى اشارات جذابة، من دون ان يغالي في اندفاعته. ولهذا فان علاقته بالقوى السياسية المقربة من ايران، ما بين مد وجزر.

وهو تارة يعتقل خلية لكتائب حزب الله العراقي بشبهة التخطيط لضرب صواريخ على المنطقة الخضراء، ثم يفرج عنها، وتارة يعزز تمويل واستقلالية جهاز مكافحة الارهاب التي اعتقلت الخلية، ثم يزيد حصة “الحشد الشعبي” من الميزانية الحكومية.  

وفيما لم تخدم “اكاديمية” حسان دياب في بيروت، فان “مخابراتية” الكاظمي في بغداد تمنحه بعض الافضلية، اذ علمته سنوات العمل في كواليس الامن والسياسة حنكة احتواء الخصوم واستدراجهم، واحيانا كثيرة، مواجهتم بشكل مباشر، والقدرة على فتح الابواب التي قد تبدو موصدة، بالاضافة الى نسج خيوط التواصل والتشابك مع شخصيات وقيادات فاعلة في نسيج المجتمع العراقي، من سياسيين واقتصاديين واعلاميين ودينيين وعسكريين. 

ومما لا شك فيه ان هذه الخلفية الامنية، تتيح لرجل مثل الكاظمي مراكمة المعرفة بالمعلومات والمعطيات الامنية وفنون التفاوض لاستخدامها في فكفكة عقد ومعالجة ملفات وتفكيك الغام سياسية، وبعيدا عن الاعلام، وهي أفضلية لم تتوفر، ربما لسوء حظ، لرجل مثل حسان دياب.

ولهذا، فان صعود الكاظمي الى المسرح السياسي، لم يكن صادما ولا مفاجئا، مثلما كان صعود حسان دياب، خاصة بالنسبة الى مراكز السلطة التقليدية وفي الوسط الشعبي عموما، المتأثر والمبهور تاريخيا، بصورة الرجل الامني العامل في الخفاء والقادر على اجتراع المعجزات.

والقبول الشعبي مرده ايضا سوء الاوضاع المعيشية التي جعلت العامة تتعلق بأي بارقة أمل حتى وان كانت زائفة.

هناك قبول شعبي مسبق بأن الرجل الآتي من خلفية امنية، يتمتع بعقلية عمل مختلفة عن تكتيكات رجال السلطة التقليديين والمجربين، وقد يحقق ما عجز عنه هؤلاء.

نقطة اخرى لم تتوفر لحسان دياب الذي يعتبره البعض “يتيما” على الصعيد الخارجي، تتمثل في الخبرة التي راكمها الكاظمي في التعامل مع ملفات وقضايا خارجية والاحتكاك بمراكز القوى الاقليمية والدولية وشخصياتها، سواء في طهران او واشنطن، الى أنقرة والرياض ولندن، خاصة في دهاليز الامن والمخابرات، سواء كانوا ضمن التحالف الدولي او لم يكونوا.

من الواضح ان اللياقة الاكاديمية – والشخصية – وقاعات الجامعة التي لا تشبه دهاليز عالم المخابرات، لم تتح لحسان دياب ان يعمر طويلا، وبالتأكيد ليس فيما بعد انفجار المرفأ. لكن الكاظمي، الموصوف بانه براغماتي ولاعب ماكر لا يعادي أحدا، ظلت فرصه قائمة حتى يومنا هذا.

واذ يخوض الامتحان الاقتصادي الاصعب في العراق منذ 15 سنة، وتداعيات جائحة كورونا، وشبه شلل القطاع النفطي، والسير طبعا على حافة المكائد السياسية في بغداد، وخطر احياء داعش، ويكسر بعض “التابوهات” السائدة محاولا اقتحام “الدولة العميقة”، فان الكاظمي ما يزال بحاجة الى معجزة من اجل البقاء، والاهم الى تبلور “لم شمل” أفكار جو بايدن، وانتوني بلينكن، وجاك سوليفان ولويد أوستين، لمقاربة الملف العراقي والصراع مع ايران، ليبني الكاظمي على الشيء مقتضاه.

خاتمة

لم يعد حسان دياب ينتظر معجزة لبقائه، ولا تغييرات في سياسات البيت الابيض، بعدما سبق نظيره العراقي في الاصطدام ب”الدولة العميقة” التي خنقته.

ولهذا، يبدو الكاظمي في تفاصيل هذا المشهد وأبعاده الواسعة، الاكثر إنتظارا على أحر من الجمر لمآلات التغيير الاميركي، طالما ان أركان المعادلات الداخلية منذ انتخابات 2018 وما قبلها، لن يمنحوه “معجزة” مجانية في بلاده، كلبنان، يبكيها الله كل يوم.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".