الرئيسية » اراء ودراسات » أمن الأوطان المكشوف الكترونيا !

أمن الأوطان المكشوف الكترونيا !

شرع فيروس كورونا الابواب على مصراعيها امام تغلغل تطبيقات وسائل التواصل في حياتنا، حيث باتت هذه التطبيقات الوسيلة الافضل للتواصل، مع استمرار تفشي الوباء وفرض الحجر المنزلي على مئات الملايين من الناس حول العالم، وهو ما فرض تحديات لم تعهد من قبل، على الامن الوطني في البلاد.

خليل حرب

++++++++++++++++++++++++++++++

وصار الفضاء السيبراني ملجأ اكثر من نصف سكان الكرة الارضية بعدما برهن فيروس كورونا على خطره البالغ وقدرته على التحول الى وباء اصاب ملايين الناس حول العالم.

وتشير تقديرات الى ان نحو نصف سكان الارضي، اي نحو اربعة مليارات انسان، صاروا “مواطنين” فاعلين في الفضاء السيبراني.

فقد سدت سدت في وجوهم ابواب اللقاءات العائلية وقاعات الاجتماعات والمؤتمرات ومكاتب العمل في الشركات والمؤسسات وحتى المطاعم والمقاهي والاماكن العامة من حدائق وشواطئ ومنتزهات، في اطار سياسات الاغلاق الشامل او الحجر الجزئي التي طبقتها عشرات الحكومات في مختلف القارات. 

فالحياة يجب ان تستمر، يقول كثيرون، لكن ايضا، هذا التواصل ولو كان في عوالم افتراضية، فانه حاجة انسانية عمرها من عمر الانسان.

Video Call Facetime Chatting Communication Concept

ولم تعد الخطوط الهاتفية العادية واجهزة التلفزيون والراديو تكفي وحدها لربط الانسان بالعالم المحيط به.

ونجحت المنصات الالكترونية العالمية الكبرى على مر السنين الماضية، في تحويل هذه الظاهرة الى حاجة، ثم الى تجارة، وصار من المهم لغالبية الناس التواصل عبر الصوت والصورة معا.

التواصل حاجة عمرها من عمر الانسان

وكلما مر زمن اطول على اجراءات التباعد الاجتماعي والاغلاق، كلما ازداد اقبال الناس على تطبيقات التواصل الذكية التي يمكنها تحدي العوائق الجغرافية.. والوبائية.

وساهمت هذها لتطبيقات ايضا لا في التواصل العائلي والمهني فحسب، وانما ايضا في الترفيه والتعليم والتوعية والارتباط بتفاصيل واحداث تجري على بعد الاف الكيلومترات عن منزلك.

التطبيقات اسقطت عنا الكثير من المسائل الشخصية التي كنا نحتفظ بها في بيوتنا بعيدا عن اهتمام الناس وعيونهم واهتماماتهم، وصارت احيانا كثيرة بمثابة مشاع عام.

لكن ماذا يجري فعليا؟ يقول المستثمر الدولي جورج سوروس، احد ابرز مروجي الليبرالية في العالم خلال العقدين الماضيين، “تكسب الشركات أرباحها عبر استغلال بيئتها؛ فبينما تستغل شركات التعدين والنفط البيئة المادية، تستغل شركات وسائل التواصل الاجتماعي البيئة الاجتماعية. وهو أمر شائن ومخزٍ، لأن هذه الشركات تؤثر على الكيفية التي يفكر بها الناس ويتصرفون دون أن ينتبهوا حتى إلى هذا التأثير. ويتعارض هذا مع عمل الديمقراطية وسلامة الانتخابات”.

المسائل الشخصية صارت بمثابة مشاع عام

ليس كلاما سهلا ان ينطق سوروس بمثل هذا الكلام. الهذه الدرجة صارت خطورة العالم السيبراني؟

اذا، لم تعد المسالة ترفيها وتواصلا اجتماعيا، صارت تجارة رابحة، وتجارة لها ابعادها على السياسة والامن الوطني لكل دولة. وهنا صرنا في مكان اخر.

وغني عن القول ان عالم الانترنت صار يقدم مئات التطبيقات الاخرى التي لاقت رواجا متنوعا بين المواطنين. لكن ماذا يعني ذلك؟

ما هو تأثيرها الاخر بالاضافة الى تسهيل تواصل الناس وتسيير امور اعمالهم وشؤونهم الخاصة والعامة؟

وتحديدا، ما تبعات هذه التكنولوجيا السريعة التطور والانتشار، في زمن كورونا، وما قبله، على الحكومات والدول، او على الامن الوطني؟

واذا اتفقنا على ان تعريف مصطلح “الامن الوطني” هو تامين الحماية للمواطنين في اراضي الدولة، وضمان سير الحياة اليومية بعيدا عن وقوع ازمات او اضطرابات، فان عناصره يمكن ان تكون عسكرية، اقتصادية، سياسية وايديولوجية.

ولقد صار واضحا، لا بحسب ما قاله جورج سوروس فحسب وانما كما دلت العديد من الاحداث حول العالم بما فيها التدخل الالكتروني في الانتخابات الرئاسية الاميركية واحداث “الربيع العربي” والنشاطات الارهابية، ان وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته الكبرى وتطبيقاته الذكية، يمكن ان تسخر للاخلال بهذا “الامن الوطني”.

ان بامكان تطبيقات التواصل الذكي، ان تسبب اختلال الامن الاجتماعي والحاق الضرر بعالم المال والاقتصاد، وبالسياسيين ايضا.

لا يقتصر الامر هنا على التهديد العسكري، وانما يتعداه بكثير الى صلب المجتمع وافراده ومكوناته.

ان اخبارا زائفة او تحريضية متعمدة، يمكنها اثارة نزاعات عرقية، مذهبية، طائفية، اجتماعية وسياسية.

وفي عالم صار معولما بدرجة عالية، بامكان كثافة استغلال هذه التطبيقات وتوجيهها، التلاعب بالهويات الثقافية للمجتمعات.

لقد ثبت ان الشركات المصنعة لهذه التكنولوجيا والتطبيقات الذكية، انها تجمع البيانات الفردية والعامة عن الاشخاص والمكونات الاجتماعية والسياسية، لتعديلها واستغلالها تسويقيا وتجاريا واحيانا كثيرة تسييسها وتسييرها مثلما تبتغي المصالح الكبرى خلفها.

مثلا، لم يعد الارهابيون يحتاجون الى الالتقاء بالناس في التجمعات الشعبية او المناسبات الدينية، لتعبئتهم وتجنيهم او جمع التبرعات منهم.

فقد اثبتت الاحداث الارهابية خلال السنوات الماضية، ان بامكان ارهابي مقيم في جبال تورا بورا الافغانية، ان يحرك ويجند، شبانا وشابات، على بعد الاف الكيلومترات منه.

ومن الثابت ان المخاطبة بالصوت والصورة لها وقعها الكبير مقارنة بالبيانات الخطية التي توزع.

ومع اغلاق دور السينما والمسارح في اغلب دول العالم، كان طبيعيا ان تلتحق شركة “نتفليكس” للانتاج الفني بقوافل الرابحين.

فقد ارتفعت اسهمها في ظل ظاهرة احتجاز الناس في منازلهم والزيادة التلقائية لنسبة المشاهدة واعداد المشتركين. ولقد كتب الكثير عن المسلسلات والافلام المؤدلجة والموجهة سياسيا واجتماعيا التي تنتجها “نتفليكس”.

بهذا المعنى، بامكان هذه التطبيقات المساهمة في تغيير الهوية الثقافية لمجتمع ما، خصوصا من خلال فئات الشباب وصغار السن من خلال ضخ معلومات موجهة، وفرض اولويات ثقافية وفكرية مغايرة على مر السنوات، لانتاج جيل مختلف، اكثر اقترابا مثلا الى الثقافة الغربية ومبادئها. 

وهو ليس احتمالا ضئيلا. هيئة الاذاعة البريطانية تحدثت عن اربعة مليارات مستخدم للانترنت في العالم، واكثر من ثلاثة مليارات مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي.

التطبيقات الذكية تساهم في تغيير الهوية الثقافية للمجتمعات

فيسبوك وحده، يستخدمه 2.3 مليار انسان، بينم 2 مليون لبناني، و30 مليون مصري، و8 ملايين اماراتي و13 مليون عراقي.

وعلى “تويتر” هناك 50 مليون اميركي، 40 مليون ياباني، 15 مليون بريطاني، 14 مليون سعودي، 10 ملايين هندي و8 ملايين فرنسي.

اما على موقع “سناب تشات” فانه ينشر اكثر من نصف مليون تغريدة كل دقيقة.

هذا ليس مجرد عالم افتراضي، انه طوفان من الافكار والصور والمعلومات لا يمكن للعقل البشري تخيلها، تتدفق الى هواتف الصغار والكبار، وتتحكم بأمزجتهم وميولهم واهتماماتهم، واحيانا تغذي نزعات ليست فيهم، كالتطرف والاجرام والتعصب والجهل.

لهذا تجد ان مختلف اجهزة الدول حول العالم، تحاول مجاراة هذه التطورات المتسارعة في عالم تكنولوجيا المعلومات، لمراقبتها ومتابعتها ورصدها كلما دعت الضرورة، وكم من جرائم واعمال ارهابية احبطت نتيجة مثل هذه المتابعات.

وفي سياق اخر، حضرت الدولة بوزرائها ووزاراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد لها حسابات على “تويتر” و”فيسبوك” و”انستغرام”.

وفي لبنان على سبيل المثال، تجد حسابات ناشطة تابعة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارات الصحة والاعلام والاقتصاد والتربية وغيرها، بالاضافة الى مديرية الامن العام وقوى الامن الداخلي.

في ظل وباء كورونا، تستهدف تلك الحسابات التواصل مع المواطنين ومخاطبتهم، واحيانا كثيرة التقاط شكاويهم وانتقاداتهم واقتراحاتهم، والمساهمة في التوعية العامة، والحفاظ على الامن الاجتماعي والوطني وتوجيه الارشادات في ما يتعلق بفيروس كورونا.

صار هذا النشاط بمثابة جزء طبيعي من دور هذه الشخصيات والدوائر الحكومية، ادراكا منها انها الوسيلة الامثلة للتواصل والحضور بين الناس المغلقة عليهم ابوابهم بغالبيتهم.

وهو ايضا نشاط لحماية للناس من مخاطر عديدة في عصر كورونا، من بينها نشر الخوف الاشاعات، واستغلال جهل البعض بالترويج لمعلومات مغلوطة، او المتاجرة بهواجسهم وعرض سلع زائفة لاغرائهم مثلا بانها تقي من المرض، او لاي هدف تجاري اخر. 

لقد خلق الفضاء السيبراني ايضا سلالات جديدة من الجرائم من بينها الابتزاز الالكتروني والتشهير والقرصنة والاحتيال والتحرش عبر وسائل التواصل.

وبطبيعة الحال، نشأت في هذه الاجواء، الاف الشركات التي تمتهن الاجرام الالكتروني لاستغلال الخوف من كورونا، وذلك بتسجيل نفسها تحت أسماء نطاقات تشمل كلمات مثل “كوفيد” و”كورونا” و”فيروس”، ويعمل العديد منها على اغراق البريد الالكتروني برسائل عشوائية لاستدراج اصحابها الى عملية احتيال مرتبطة بالفيروس.

اذا، الامن الوطني على المحك، وهو يتأتى من الامن الاجتماعي من خلال استقرار مكونات المجتمع البشرية السياسية الاقتصادية. صحيح ان وسائل التواصل والتطبيقات ساهمت في تخفيف وطاة ضغوطات كورونا وحصاره لنا، لكنها من جانب اخر، ساهمت في نقل المشكلات وتعميمها بما في ذلك الخوف الجماعي والشائعات والقلق والترهيب، واستغلالها.

المس بالاستقرار الاجتماعي مس بالامن الوطني من خلال اثارة الشقاق والفتن والقلاقل داخل الدولة، واحيانا كثيرة ايضا عبر الحدود من خلال جرائم جنائية ومالية وعنصرية وارهابية. 

في خلاصة الامر، التطبيقات الذكية سلاح ذو حدين. 

https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/81-10.pdf

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".