الرئيسية » اراء ودراسات » الواو الكافرة…هل تؤمن اليوم بين سوريا ولبنان؟

الواو الكافرة…هل تؤمن اليوم بين سوريا ولبنان؟

كتب وسام عبدالله

 

لو وقف الكاتب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين في هذه الايام على تلة حليمة قارة التي تفصل بين الحدود السورية واللبنانية، فهل ستكون ” الواو” التي وصفها بالكافرة التي تفصل بين كلمتي سوريا ولبنان، أصبحت حرفاً مؤمناً نتيجة التحولات العسكرية في منطقة القلمون وعلى الحدود المتداخلة والمشتركة بالجغرافيا والدم بين البلدين؟، ربما هناك من آمن قبلا بعدم وجودها، ومنهم الان، وآخرون لم يبدلوا نظرتهم ورأيهم نحو ضرورة أن تكون كل الحروف بين البلدين كافرة وتكفيرية.

العلاقة بين سوريا ولبنان في حالة مد وجزر مستمرة، فالجغرافيا لم تتحول بشكل كامل إلى واقع اجتماعي بالفعل وليس بقوة الطبيعة، فهي علاقة بحسب الحالة السياسية التي تمر بها المنطقة، ومن السهل العودة للندوب التاريخية في اللحظات الحرجة مثل الحروب او الازمات السياسية لكي نعتبرها الحقيقة النهائية. ومع دخول وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل أن يتم تبادل الشتائم بين المستخدمين من البلدين. ودائما ما يسعى الكثيرون لان يردموا هذه الفجوة التي تتوسع وتضيق، بأن يعودوا إلى ان اصل الكثير من العائلات اللبنانية انها من جذور سورية، او الى المشترك في العلاقات الاجتماعية وخاصة في القرى المتداخلة جغرافيا بين البلدين، وللأهمية الاقتصادية التي تجمعهما ليشكلا معا دورة اقتصادية متكاملة. ولكن يبقى السؤال هل سيأتي يوما تنتهي او تتراجع فيه حدة التوتر بينهما؟.

في عصر الارهاب المتنقل بين الحدود، المواجهة تكون ضمن خطين اساسيين، الاول هو الوعي الاجتماعي والثاني هو الدور العسكري، في الوعي الاجتماعي هنا العمل الاطول والاعمق الذي يعتمد على الحوار المتبادل، والحوار ليس بمؤتمرات وندوات حزبية وبرامج تلفزيونية، وإنما بمشاريع اجتماعية حقيقية على الارض تحقق الاستفادة لدى الطرفين، وهذه المشاريع قد تكون ثقافية او اقتصادية لتحقيق المصلحة، المصلحة بالمعنى الايجابي وليس الاستغلال، مصلحة ان نرتقي معنويا وماديا وليس فقط العيش بحبال الهواء في أننا أمة واحدة على الورق. الدور العسكري هو باحترام المؤسسات العسكرية ودورها في مكافحة الارهاب، فإن تفكيك التكفير في بنيته العقائدية يحتاج إلى جهود متكاملة مع مختلف المؤسسات ومنها الدينية، ولكن هل الارهابي يشاهد البرامج والمقابلات الاذاعية؟ هل من يتواجد الان في الرقة او كان في جرود عرسال او اي مكان في العالم، سينزع لباسه التكفيري بمجرد سماعه خطاب المحبة والسلام؟، هنا دور العسكر في المواجهة وتأمين الحاضنة الاجتماعية له، ليس ليكون هناك دكتاتورية عسكرية وإنما طبيعة الانسان تفرض تأمين مؤسسات لتحقيق الامن والامان.

على ابواب المئة عام من تأسيس الدول في المشرق، كل شعوبه أصبحت لاجئة، فالعراقي تهجر إلى سوريا ولبنان، واللبناني تهجر إلى سوريا، والفلسطيني تهجر إلى لبنان وسوريا، والسوري تهجر إلى لبنان والاردن، فقضية اللجوء هي ليس فقط ذات جانب انساني، هي قضية سياسية في عمقها، فاللاجئ مطلوب منه احترام قوانين الدولة التي يتواجد فيها فهو يعتبر ضيفا مؤقتا حتى تنتهي الحرب في بلاده، أما الدول الحاضنة للاجئين فعليها أن تسعى لان يكون وجودهم قانوني وضمن سيادتها وبعيدا عن اي استغلال سياسي من قبل احزابها وتياراتها السياسية، فاللاجئ هو ورقة رابحة اقتصادية لكي يتم الحصول على الاموال وخاصة من الكثير منظمات المجتمع المدني وهو ورقة سياسية ضاغطة ولكنه في الوقت ذاته يمكن ان يتحول إلى قنبلة قد تنفجر داخل المجتمع الذي يتواجد فيه. وخاصة مع استغلال بعض دول الخليج مثل قطر والسعودية لهذا التواجد في لبنان، لكي تدخل بشكل منظمات انسانية وتستغلهم. إن التنسيق بين الحكومتين السورية واللبنانية ضروري من ناحية مهمة توازي أهمية ضبط الحدود واحترام اللاجئين للقوانين، يوما ما سيعود اللاجئين الى بلادهم، ولكن بأي فكر سوف يعودون واي نظرة إلى دولتهم؟ هل هناك ما يمنع انه يتم بناء عقلية من قبل منظمات دولية ومدنية لكي يكون هذا اللاجئ حين يعود لوطنه بعقلية تهديم الدولة؟، عودة السوريين ضرورية لان بيوتهم هي جنتهم وليس الخيام وارضهم اكثر كرما من السلل الغذائية والمعونات الدولية، فالعمل ضروري على تأمين جسر العودة يليق بكرامة البلدين بعيدا عن العنصرية والحقد اتجاه الفقراء منهم وبعيدا عن استغلال الدولة بحجة اللجوء.

الامر يحتاج إلى عمل حقيقي على الارض، ربما يصل إلى تعبير “الثورة” على كل ما سبق، على تلك الاعباء التاريخية التي تعود بنا إلى سنة 1860، والى الفترة التي كان فيها التنسيق في اعلى مستوياته بين المسؤولين في البلدين على تأمين صفقات الفساد الاقتصادي والسياسي، وصولا الى الحرب على سوريا، نحن بحاجة إلى ثورة من اجل المستقبل، العالم يخلق كل يوم وسيلة اقتصادية وتجارية وثقافية لكي يسهل عملية التبادل، اما نحن فالجغرافيا تفتح لنا ابوابها للتكامل والكثير منا يرفع الجدران. علينا أن نعترف بأننا بحاجة لان نعيش مع بعضنا وليس بجانب بعضنا. ربما من الافضل الاستفادة من مواقع التوصل الاجتماعي للتقريب من الناس وليس من اجل التهكم والعنصرية، وهنا الامر بحاجة إلى ضبط وعمل بين الاطراف الواعية من البلدين، فهذه المساحة الواسعة تعطي للكثيرين الحق في الرأي ولكن رأيهم لا يكون صائبا فالديموقراطية في اساسها تحتاج إلى وعي ليس مجرد الحق في الكلام.

لنفترض أننا تعلمنا من الحروب شيئا ما، فهي أننا بحاجة لإيجاد آلية للعمل، الحاجة إلى قوة تخلق التوازن والاستقرار النسبي في ملعب الامم الذي في الافق القريب سيبقى ساحة صراع، نحن لا نعيش في جزيرة منفصلة عن الواقع، الحاجة إلى آلية اجتماعية – اقتصادية – ثقافية تتناسب مع العصر الحالي في طريقة عمل الحكومات والمؤسسات والشركات، وليبقى الانسان هو الفاعل الاساسي والمنتج والهدف، قبل الايديولوجية والعقائد والطوائف. ولو فرضنا أننا لم نتعلم شيئا فالأجيال القادمة ستكمل انتاج افلام تشبه ” لعبة العروش ” تحكي فيها قصة ممالكنا التي تشعل حروبها بوقود الشعوب.

 

وسام عبدالله

 

 

 

 

عن جورنال