الرئيسية » اراء ودراسات » المعارضة البحرينية بين دعوات المسايرة وحمل السلاح
احتجاجات سلمية في البحرين

المعارضة البحرينية بين دعوات المسايرة وحمل السلاح

 

تناشد أطراف عدة الجمعيات المعارضة البحرينية لتغيير نهجها الذي لم يتمكن من تحقيق الأهداف التي رفعتها قبل نحو سبع سنوات من الآن.

ويقول منتقدو المعارضة: إن المطالب الخمسة التي بلورتها الجمعيات السياسية لم يتم تحقيقها:

لم يتم انتخاب الحكومة (المطلب الأول للجمعيات المعارضة)، ومازال رئيس الحكومة في موقعه منذ أكثر من خمسة عقود، واستمر مجلس الوزراء خارج إطار أي رقابة برلمانية أو إعلامية أو شعبية.

ولم يتم مراجعة اختصاصات المؤسسة البرلمانية، ولم يجر منحها الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة (المطلب الثاني)، وتوالى تعبير مجلس النواب والشورى عن وجهة نظر السلطة التنفيذية، لا الناس.

ولم يتم اعتماد نظام انتخابي عادل، يرتكز على مبدأ “صوت لكل مواطن” (المطلب الثالث)، بل ان تقسيم الدوائر الانتخابية صار أكثر خللا، ودور المجنسين يتكرس كرقم انتخابي، وكشجرة خبيثة تثبت جذورها.

ولم ينجز بناء مؤسسة عسكرية وأمنية معبرة عن تنوع شعب البحرين (المطلب الرابع)، بل تضاعفت ميزانية الجيش والأجهزة الأمنية، ويتأكد دورها أكثر انتصارا لعقلية العنف، وصار التمييز فيها حاضرا وفاقعا.

أما المطلب الخامس للمعارضة المتمثل في إعادة هيكلة المنظومة القضائية لتكون أوفر عدالة وشفافية، فردت عليه الحكومة بتحويل المحاكم إلى ترس في ماكينة الجهاز البوليسي.

إزاء ذلك، تتركز النصائح للقوى المعارضة في اتجاهين:

 

الاتجاه الأول

 

يدعو المعارضة إلى الاعتراف بالخلل في موازين القوى في البلاد لصالح السلطة، وقدرة الحكومة على تحقيق إنجازات أمنية مشهودة، بسجنها الآلاف من المواطنين، واغلاقها الجمعيات السياسية، وسجنها القادة الشعبيين، وإصدارها الأحكام المؤبدة والطويلة، وأحكام الإعدام، واسقاط الجنسية عن المئات، وترحيل عشرات المواطنين من البلاد، وتعاظم عمليات التجنيس والتمييز، وتكبيد الحاضنة الرئيسية للمعارضة خسائر بشرية ومالية ضخمة.. كل ذلك يوجب على المعارضة التنازل عن بعض أطروحتها المعلنة، والمشاركة في الانتخابات المرتقبة في العام الحالي.

يرى هذا الاتجاه إن السياسة فن الممكن، والواقعية تقتضي الأخذ بالاعتبار المحيط الخليجي والدولي الداعم للنظام، والذي يفرض حصارا على المعارضة السياسية.

ويعتقد أصحاب هذا الرأي إن مسايرة الأوضاع الراهنة، والدخول في المعترك الانتخابي، قد يؤدي إلى تخفيف الأضرار، وقد يفتح أفقا للحوار.

 

الاتجاه الثاني

 

يدعو هذا الاتجاه قوى المعارضة إلى تبني خيار حمل السلاح، من أجل اجبار السلطات على الرضوخ على الجلوس إلى طاولة حوار متوازنة.

ويرى هؤلاء أن مبالغة الجمعيات المعارضة في رفع شعار السلمية، ورفض أي رد فعل عنيف ضد إرهاب السلطة يشجع الحكومة على المضي في خيارها الأمني.

ويفهم من خطاب الجماعات الحاملة للسلاح إنها لا تدعو إلى عسكرة كاملة للانتفاضة، على الطريقة السورية، وترفض استهداف المدنيين والمنشآت العامة والخاصة، وإنها تنشد القيام بعمليات عسكرية على نطاق ضيق ومحدود، تستهدف أساسا القوى الشرطية “المرتزقة” على حد تعبيرهم، بهدف احداث نزيف في الجسم الأمني، وإجبار السلطة على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.

ويقول هؤلاء: إن لغة الحوار الرومانسية التي تتبناها “الوفاق” و”وعد” وأخواتهما، صبت في صالح النظام، ولم تجلب إلا مزيدا من الأضرار إلى الحركة الوطنية المعارضة.

 

 

 

موقف الوفاق وأخواتها

 

يبدو إن “الوفاق” و”وعد” و”القومي” و”الوحدوي” مازالوا متمسكين بمواقفهم التقليدية الداعية إلى حل سياسي تفاوضي يؤدي إلى إعادة اعتبار للعملية السياسية.

ويفهم من خطابهم إن مسايرة الوضع الراهن، بعد التضحيات الجسام، لن يقلل من الأضرار، بل سيشجع الحكومة على استثمار المشاركة الشعبية في البرلمان لتقييد الحركة السياسية، والمضي في الحل الأمني، واسقاط الجنسيات، وتطبيق الإعدامات، والاستفراد بالقرار بغطاء شعبي.

وبرأي “الوفاق” والقوى القريبة منها، بأن الوضع الإقليمي لا يدفع بحلول سياسية، وإن البحرين ليست استثناء من إقليمي مضطرب.

ويقول هذا الخط إنه يرفع مقولة “الصبر الاستراتيجي”، ويعمل على امتصاص العنف الرسمي، والحفاظ على أرواح الجمهور، عبر تفادي جر الساحة لصدام مباشر.

ويعترف كثير من الوفاقيين والوعديين والقوميين والوحدويين بحاجة المعارضة إلى تفعيل نشاطهم السياسي والحقوقي والإعلامي، وإلى حوار معارض معارض، وإلى تواصل أكبر مع الجمهور والمجتمع الدولي، وشرح مواقفهم من مستجدات الساحة، بيد أنهم لا يرون في مسايرة الحكم والتنكر لاستحقاقات ما يسمونه تضحيات “دوار اللؤلؤة” خيارا ناجعا.

ويدين هذا الاتجاه العمليات العنيفة، من أي طرف أتت، ويرفض ما يسميه القفز نحو المجهول بتبني الخيار العسكري، ويرونه خيارا قصير النفس، مضر، ويجر ويلات عظيمة على البلاد والعباد.

ويردد الوفاقيون إن المسايرة او حمل السلاح خياران يائسان، وان تجديد الفعل المعارض مطلوب، لكنه يجدر ان يتم من بوابة القناعة بحل توافقي سلمي قائم على مبدأ “حكم الشعب لنفسه”، حتى لو استغرق ذلك وقتا أطول.

وتشير الجماعات هذه الى ان التحديات الراهنة، والألم الكبير، وبعض الفشل المعارض، لا يصح ان تدفع المعارضة للتخلي عن نهجها الاخلاقي برفض الظلم، سواء عبر إقرار النموذج الإقصائي الدستوري الراهن، او من خلال تشجيع الجماعات المؤمنة بحمل السلاح لزيادة جرعات عملياتها.

وتقر الجمعيات السياسية المعارضة بأن الحلول السريعة غير متوافرة، لكن خيار “خيمة صفوان” او عسكرة الانتفاضة لن تحققان الاستقرار والرفاه للبلاد.. وهذا لا يمنع من إمعان النظر في إخفاقات الجمعيات السياسية، ومواصلة الجهد لسد ثغرات النشاط المعارض.

 

عباس بوصفوان

(رئيس مركز البحرين للدراسات)

عن جورنال