بيروت – “جورنال”
في مقالته التي لاقت صدى واسعا، في صحيفة “واشنطن بوست” قبل أيام، دعا الكاتب السعودي جمال خاشقجي السعودية الى المبادرة لإنهاء الحرب على اليمن كما فعلت في العام 1965، وانتقد بعض الممارسات التي تقوم بها السلطات السعودية، لكنه حافظ على نقطتين اساسيتين بالنسبة اليه: أولا التهويل من الخطر الإيراني بالتذكير ب”الهلال الشيعي”، وثانيا الدفاع عن جماعة “الاخوان المسلمين” المظلومة بحسب رأيه بتصنيفها كمنظمة إرهابية.
وتوقف كثيرون عند انتقادات خاشقجي للحرب السعودية على اليمن، في الوقت الذي كان حتى وقت قريب، وقبل مغادرته أراضي المملكة، من المدافعين عن السياسات الخارجية للسعودية، بما في ذلك ملف الحرب اليمنية. وهو الان يقول من واشنطن، ما لم يكن مستعدا لقوله من الرياض. ومن المؤكد ان تملص خاشقجي الان من الحرب، صار اكثر يسرا وهو في الخارج، خصوصا ان الحرب صارت تأكل من سمعة المملكة اكثر مما بمقدوره المتابعة في الدفاع عنها، خصوصا انه يصف ما يجري بان اليمن اصبح “على شفا كارثة إنسانية هائلة لدرجة أنه يواجه أخطر مجاعة في العالم منذ القحط الكبير الذي ضرب أفريقيا في تسعينيات القرن الماضي”.
وفي الاتي، نص المقال الذي نشره خاشقجي في “واشنطن بوست” والذي يدعو فيه الرياض الى انهاء الحرب واحراج ايران والحوثيين بالدعوة الى مؤتمر سلام واعمار بقيادة السعودية:
عندما اندلعت حرب السعودية في اليمن في اذار 2015 كانت تحظى بتأييد شعبي سعودي واسع. كنت ممن أيدها لأنني كمواطن سعودي شعرت بالقلق من سياسة إيران الطائفية التوسعية، والتي امتد نفوذها على كامل الشمال السعودي، في ما بات يعرف بالهلال الشيعي الممتد من إيران إلى البحر المتوسط. وصار بإمكان إيران اليوم مد طريق بري من طهران حتى بيروت مرورا بالعراق وسوريا ولبنان. يشكل هذا القوس من الهيمنة تهديداً حقيقياً للملكة العربية السعودية.
كما دعمت بقوة الحرب ضد الحوثيين لأني رأيتهم نقيض الربيع العربي الذي عارضته حكومتي بشدة بينما كنت من أنصاره. اكتسح الحوثيون كل اليمن خلال الشهور التي سبقت الحملة التي تقودها السعودية، حيث رفضوا ترتيبات المشاركة في السلطة التي كان من المفروض أن تنقل اليمن نحو الديمقراطية بعد عقود من الدكتاتورية. وبحلول شهر آذار 2015 أجبر المتمردون الحوثيون الرئيس اليمني الشرعي وحكومته على مغادرة البلاد.
لكني بت أيضا أشعر بالقلق بشكل متزايد لأن حكومة بلادي عجزت عن وقف التقدم الإيراني برغم الإنفاق الهائل على الحرب التي أنهكت الميزانية السعودية، حيث تقدر التكلفة اليومية لها بما يقرب من 200 مليون دولار. لقد فقدت السعودية من احتياطاتها المالية نحو الثلث وانخفضت إلى ما يقرب من 400 مليار دولار. وبات الطلب شديداً على أنظمة صواريخ باتريوت الأميركية الصنع، والتي تبلغ تكلفة كل واحد منها في المعدل ما يقرب من ثلاثة ملايين دولار، حيث صرنا في أمس الحاجة إليها لحماية البنى التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات التحلية على ساحل البحر الأحمر.
وعدا عن العواقب الاقتصادية، تواجه المملكة العربية السعودية تداعيات سياسية أشد سوءاً. حيث يقف اليمن اليوم على شفا كارثة إنسانية هائلة لدرجة أنه يواجه أخطر مجاعة في العالم منذ القحط الكبير الذي ضرب أفريقيا في تسعينيات القرن الماضي. وبحسب ما يقوله برنامج الغذاء العالمي، سيعاني جراء ذلك ما يقرب من سبعة عشر مليون يمني (من أصل ثمانية وعشرين مليون نسمة). قال المستشار السابق في وكالة المخابرات الأميركية بروس ريدل في مداخلة له قدمها مؤخراً في معهد بروكينغز: “بدأ الأمر على شكل عاصفة الحزم، والشيء الوحيد الحازم اليوم هو أننا نشهد في اليمن أسوأ كارثة إنسانية”.
تتحمل المملكة السعودية أكثر من غيرها المسؤولية عن الوضع البائس في اليمن، الذي نجم عنه تشويه صورة بلادي وتآكل مصداقيتنا. وحتى أكثر المدافعين عن المصالح الأمنية السعودية لا يملك إلا أن يعتصر ألماً لصور الأطفال الذين تفتك بهم المجاعة يومياً، ويقف مذهولاً أمام المشهد الذي نبدو فيه للعالم كما لو أننا نتعمد تدمير أفقر بلد في العالم العربي وأكثر الشعوب أمية.
أعلنت المملكة العربية السعودية أنها سترفع الحصار المفروض على ميناء الحديدة حتى تتمكن المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة من الدخول. ولكن في نهاية المطاف، لا سبيل للخروج من هذا المأزق سوى وقف الحرب في اليمن. ولقد حاولت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً ولكنها فشلت. ولا يملك أحد سوى المملكة السعودية إعادة الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات والدخول في محادثات للسلام.
وذلك بالضبط هو ما فعلته في العام 1965 لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن، وبإمكانها اليوم أن تعيد الكرة من جديد – وذلك من خلال الانتقال من مشارك فعلي في الحرب إلى ضامن للسلام. فعلى الرغم من الانحياز إلى جانب على جانب في الحرب الأهلية اليمنية الأولى، إلا أن الملك فيصل تمكن من الانسحاب، ثم قاد مفاوضات السلام، التي تكللت بوقف الحرب. والذي فعله فيصل هو أنه دعا جميع الأطراف إلى قصره في الطائف حيث جلس المشاركون في الاجتماع ورسموا معاً خريطة طريق نحو السلام.
في الصراع الذي تدور رحاه الآن، يتوجب على ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان أن يرى في الماضي سابقة تحتذى، وأن يسعى بالطريقة ذاتها إلى إحلال السلام من خلال التقدم ببادرة عظيمة – تشتمل على وقف التمويل وكل أشكال الدعم للحرب.
وفي نفس الوقت، يحتاج المجتمع الدولي لأن يضغط على الحوثيين – وعلى إيران – للقبول بتسوية عادلة يتم التوصل إليها من خلال التفاوض، ينجم عنها اعتراف المملكة السعودية بالحوثيين كفصيل يمني شرعي على أن يعترف الحوثيون بشرعة الفصائل اليمنية الأخرى، ويقبل الجميع بمبدأ المشاركة في السلطة وبالإجراءات التي تضمن وحدة اليمن وتماسكه.
حينها سوف تكون لمحمد بن سلمان اليد العليا، وسينفضح أمر إيران والحوثيين اذا رفضوا الدخول في عملية تفاوض شامل لإنهاء الحرب المروعة. وسوف يكسب محمد بن سلمان المصداقية التي يحتاجها للتفاوض على وقف لإطلاق النار ثم على بنود السلام. ويمكن بعد ذلك للمملكة السعودية من خلال تسهيل التوصل إلى اتفاق سلام وريادة عملية الاستثمار وإعادة الإعمار في اليمن أن تنهض بهذه الدولة الفاشلة وأن تعزز وضع المملكة الريادي في المنطقة وفي العالم.
لكن حتى يتمكن من إنجاز ذلك، ويفلح كما أفلح من قبل الملك فيصل في العام 1965، فإنه يتوجب على محمد بن سلمان أن يوقف حملته التي يشنها ضد الإسلام السياسي وأن يتخلى عن تشدده الواضح في رفض المبادئ الديمقراطية الأساسية مثل حرية التعبير – داخل المملكة وداخل اليمن على حد سواء.
في وقت مبكر من هذا الشهر، بادر محمد بن سلمان باتخاذ خطوة جريئة حينما اجتمع بقيادات حزب الإصلاح اليمني، والذي يعتبر فرعاً لجماعة “الإخوان المسلمين”، التي تصنف ظلماً وعسفاً من قبل المملكة السعودية، وبما لا يخدم مصالحها الاستراتيجية، كمنظمة إرهابية.
ينبغي أن تشعر المملكة السعودية بالأمان إلى جانب يمن تدير شؤونه حكومة ممثلة للجميع يشارك فيها أنصارها وخصومها على حد سواء. وذلك بالضبط هو ما أنجزته المملكة السعودية في العام 1965، وهي قادرة على إنجازه تارة أخرى.