الرئيسية » العالم والخليج » السعودية » انذار الليل السعودي.. ولبنان

انذار الليل السعودي.. ولبنان

كتب خليل حرب

الدعوة السعودية الصادرة ليل الجمعة للمغادرة “السريعة” لرعاياها من لبنان، اثارت الكثير من القلق بين اللبنانيين، واستغرابهم ايضا ذلك انه باعتقادهم ما شي استثنائي يجري يتطلب هذا الاستدعاء الليلي العاجل، برغم الاجواء المحلية والاقليمية التي تتسبب بالكثير من التوجس.

وبحسب مراقبين، فان امورا كثير تجري في المنطقة وتحتاج الى مراقبة وتدقيق، من تأخر السعوديين في اعادة فتح سفارتيهما في طهران ودمشق، الى توتر ملف حقل الدرة الغازي في الخليج بين الرياض والكويت وطهران، الى اشتباه المسؤولين العراقيين بوجود مخططات لتوتير الوضع الامني العراقي خصوصا بما يتعلق بحوادث حرق القرآن المتكررة، الى الهجمات المفاجئة التي تعرضت لها قوات الامن المصرية قبل ايام ومقتل واصابة العشرات في اعتداءات يعتقد ان تنظيم داعش يقف خلفها، وعودة التوتر الى بعض الجبهات السورية والغارات التي يشنها الروس والسوريون على مواقع لتنظيم جبهة النصرة الارهابي، خصوصا في محافظة ادلب.

وكانت السفارة السعودية في لبنان اصدرت بيانا ليل الجمعة يحذر رعاياها من التواجد والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة في لبنان، مطالبا السعوديين بمغادرة الاراضي اللبنانية بسرعة وأهمية التقيد بقرار منع سفر السعوديين إلى لبنان، ودعتهم الى التواصل معها للحالات الطارئة على رقم هاتفي محدد.

ثم تبعتها السفارة الكويتية في لبنان والتي ناشدت مواطني دولة الكويت المتواجدين في لبنان إلتزام الحيطة والحذر والإبتعاد عن مواقع الإضطرابات الأمنية في بعض المناطق والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة. ولم توجه السفارة الكويتية دعوة لمواطنيها للمغادرة لكنها دعتهم الى التواصل معها في رقم طوارئ خاص.

وفي الوقت نفسه، طلبت السفارة الألمانية من رعاياها في ‫لبنان التواصل معها وتحديث بياناتهم وأماكن تواجدهم والابتعاد عن أي منطقة اشتباكات. كما طلبت السفارة البحرينية اليوم السبت من رعاياها مغادرة لبنان.

ولم تحدد السفارات مواقع الاشتباكات التي تشير اليها، الا انه تدور منذ ايام عدة مواجهات مسلحة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، البعيد عن العاصمة بيروت مسافة حوالى 40 كيلومترا، ومن غير المعتاد ان يزورها السياح من السعوديين او الكويتيين، خصوصا الان في ظل التوتر القائم هناك.

ومن الواضح ان حدة التوتر في المخيم الفلسطيني، وهو الاكبر في لبنان والاخطر تسليحا، تراجعت بقوة خلال اليومين الماضيين، مع دخول وساطات فلسطينية ولبنانية عديدة لتهدئة الموقف، فيما فرض الجيش اللبناني اجراءات امنية مشددة في محيط المخيم الفلسطيني وعند مداخله لمنع امتداد الاشتباكات الى صيدا نفسها. فماذا لدى السعودية لتتحرك قلقلة الان؟

وفي ظل ظهور تكهنات باحتمال قيام الجيش اللبناني بعملية عسكرية داخل المخيم، وهو احتمال مستبعد تماما بحسب العديد من المراقبين، اضطر الجيش الى اصدار بيان اليوم يقول فيها ان “بعض مواقع التواصل الاجتماعي تداولت معلومات نقلًا عن مصدر عسكري حول تحضير الجيش لتنفيذ عملية عسكرية في مخيم عين الحلوة، ويهم قيادة الجيش أن تنفي صحة هذه المعلومات، وتؤكد أنها تتابع بدقة الوضع الأمني في المخيم. كما تشدد على ضرورة العودة إلى بياناتها الرسمية حصرا للحصول على المعلومات”.

ومع ذلك، فان البيان السعودي المباغت ليلا اثار بلبلة واسعة، بتزامنه مع الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت الذي اوقع اكثر من 230 قتيل والاف الجرحى ودمر احياء واسعة في العاصمة، بينما لم تصل التحقيقات في الانفجار الى اي نتيجة واضحة. كما ان البيان التحذيري السعودي جاء في ظل مؤشرات مشجعة على حركة سياحية كبيرة يشهدها لبنان، حيث تضع التقديرات ارقام الواصلين بنحو مليوني شخص، يأمل اللبنانيون ان يساهموا في تحريك العجلة الاقتصادية المنهارة في لبنان.

وبالاجمال، تفاوتت التقديرات والقراءات في البيان السعودي، وتطرح مصادر احتمالات متباينة :

أ- تخوف سعودي من انفجار الوضع في عين-الحلوة

ب- اتهامات للسعودية بتورطها بتوتير الوضع اللبناني

ت- تخوف سعودي من تحركات تركيا وقطر اقليميا لخلط الاوراق بعد فوز اردوغان رئاسيا، وعودة دمشق الى المنظومة العربية والفتور القطري الواضح

ث- احتمالات توتر الوضع جنوبا مع اسرائيل-نتنياهو الذي يجد نفسه امام ازمة داخلية حادة وترت علاقته مع واشنطن، ولا يستبعد معلقون اسرائيلون من احتمال قيامه بالبحث عن “مهرب” خارجي، بعمل عسكري او امني في الساحات المحيطة، من غزة والضفة الغربية، الى لبنان او سوريا، ومن غير المستبعد ان تكون الرياض قد جرى اطلاعها على معلومات حول احتمالات كهذه.

وتتشكل هذه المناخات على اجواء بروز ملف متوتر في علاقات السعودية-والكويت- مع ايران. قبل ايام، اصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا قالت فيه ان “المملكة والكويت تجددان التأكيد على أن ملكية ثروات حقل الدرة الطبيعية مشتركة بين البلدين فقط.. وندعو الى التفاوض على أساس أن المملكة والكويت طرف تفاوضي واحد وإيران طرف آخر وفق القانون الدولي”، بينما ردت طهران على هذا البيان بالتأكيد على ملكيتها للحقل واستعدادها للدفاع عن حقوقها فيه.

وترافق ذلك، مع انباء تتحدث عن تأجيل السعودية عمليات ترميم سفارتها في حي المزة في دمشق في ظل تكهنات بتعثر جهود التطبيع بين الرياض ودمشق، حيث يتداول الاعلام السعودي في الفترة الماضية بان العديد من بنود التطبيع الذي كان متوقعا، منذ عودة سوريا الى حضن الجامعة العربية، لم يتتحقق حتى الان، ومن بينها التصدي لعمليات تهريب المخدرات وتقليص الحضور الايراني في سوريا.

وبرغم استعادة الرياض علاقتها الدبلوماسية مع دمشق الا انها لم تفتتح سفارتها الى الان والتي كان بدأ نشاط ترميمها في اذار/مارس الماضي، فيما كان من المتوقع تعيين السفير السعودي الجديد في العاصمة السورية في حزيران/يونيو الماضي.

وبالاضافة الى ذلك، فانه برغم مجيء وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان الى طهران في حزيران/يونيو الماضي، الا انه لم يفتتح السفارة الايرانية قائلا انه ذلك سيحدث “قريبا”، من دون ان يحدد موعدا لذلك، برغم ان نحو 5 شهور قد مرت على الاتفاق التاريخي الذي جرى برعاية صينية بين السعودية وايران في بكين.

ولبنانيا، فانه من المعلوم ايضا ان السعودية تعتبر لاعبا حاسما في تقرير مصير العملية السياسية في لبنان، وهي شاركت مؤخرا في اجتماع اللجنة الخماسية حول لبنان في العاصمة القطرية الدوحة (تضم الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر ايضا)، ولم يتم التوصل الى حلول او اتفاق حول اسم المرشح الامثل لتولي رئاسة الجمهورية بعد نحو 9 شهور على شغور الموقع الرئاسي الاول في لبنان، بل ان اجتماع الدوحة خرج ببيان تهديد يلوح باجراءات (عقوبات ؟!) ضد من يتم اتهامهم بعرقلة التسوية السياسية في لبنان.

وهناك تقديرات لمراقبين بان السعودية لم تحسم موقفها بالنسبة لانتخابات الرئاسة في لبنان، بانتظار تبلور تداعيات تفاهماتها التاريخية مع ايران اولا، حيث تعتبر الرياض بانها ليست مضطرة الى تقديم “تنازلات” سياسية في لبنان، قبل جني ثمار الوساطة الصينية مع الايرانيين، وخصوصا في الملف الاكثر اهمية وهو ملف الحرب في اليمن.

وفيما يعكس عدم التفهم اللبناني للموقف السعودية المفاجئ ببيان سفارتها في بيروت، اعلن مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم انه تابع مع وزيري الخارجية عبدالله بو حبيب والداخلية بسام مولوي، التطورات المتصلة بالبيانات التحذيرية الصادرة عن سفارات السعودية والكويت والمانيا لرعاياها في لبنان، مضيفا انه “بنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والامنية، افادت المعطيات المتوافرة ان الوضع الامني بالاجمال لا يستدعي القلق والهلع، وان الاتصالات السياسية والامنية لمعالجة احداث مخيم عين الحلوة قطعت اشواطا متقدمة، والامور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الامن او استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والاجانب”.

وبينما طلب ميقاتي من وزير الخارجية التواصل مع الاشقاء العرب لطمأنتهم الى سلامة مواطنيهم في لبنان، فانه طلب من وزير الداخلية دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الامن في كل المناطق اللبنانية.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".