الرئيسية » Uncategorized » سياسيو الكورونا

سياسيو الكورونا

لم يكشف كورونا ضعف مناعتنا أمام الفيروس فحسب، بل انحطاط قيمنا .. والسياسيين في العالم. كورونا اختبار جديد سقطنا فيه سريعا.

المآسي التي خلفها – وما زال – فيروس كورونا في صميم حياة الانسان، لا تحصى، لا بل ان العالم يتحسب لاحتمالات اكثر سوادا في الآتي من الشهور، بعدما تخطى عدد المصابين ثلاثة ملايين انسان من دون ان نبلغ حتى اللحظة، ما يسميه الاخصائيون : “مرحلة الذروة” او الهضبة، التي يفترض ان يبدأ الانحدار بعدها.

يعني ذلك فيما يعنيه، اننا ربما نكون مقبلين على الاسوأ. ويقال هذا الكلام لا بدافع التشاؤم، وانما للحث على اليقظة بينما السلطة السياسية وهي تتابع هذا المشهد المفجع، منشغلة عموما بادارة هذه أزمة بما يحيلها الى مصلحتها وتبديل علاقتها بالناس، لتؤول مآلاتها الى ترتيب مكاسبها والقوى التي ترعاها، او تمثلها.

يمكن للمرء ان يفترض ان الفيروس قد يتسبب على المدى الزمني المتوسط في اثارة قلاقل اجتماعية كبرى هنا وهناك تؤدي الى زعزعة استقرار  بعض الحكومات، وان السلطة في المقابل، ستطور قدراتها وأذرعها الأمنية والاعلامية والدينية والاقتصادية تدريجيا، من أجل الاحتواء والسيطرة.

ادارة السلطة، اي سلطة، لمجتمعاتها، لن تكون مثلما كان عليه الحال قبل كورونا، ومن البداهة التصور انها ستعمد الى تعزيز قبضتها عليها بأساليب وطرق باتت بالنسبة اليها الآن أكثر من مشروعة، ان لم نقل ملحة، بعدما تفاقمت المخاطر وأضرمت نيران النقمة الشعبية.. والهلع.  

وسيكون الاخضاع استراتيجية لا مفر منها، عبر الترهيب والتهويل لاعادة الامساك بمفاصل المجتمع المتفلت، ذعرا او تمردا، أمام الصدمة الوبائية التي ألمت به.

بامكاننا استعادة تجربة الاميركيين في مرحلة ما بعد هجمات 11 سبتمبر/ايلول التي شرعت السلطة بعدها أبواب “الترهيب الأمني”، لا في مواجهة “الارهابيين” فقط، وانما في التعامل مع مواطنين وسياسيين واكاديميين. نبشت خصوصيات الناس ورصدت عبر الاتصالات والتنصت. توج الرئيس الاسبق جورج بوش هذه الهجمة بتأسيس وزارة الامن الداخلي بعد الهجمات بعام واحد فقط.

الفارق هنا ان هجمات نيويورك وواشنطن استخدمت تداعياتها المتمثلة بهلع الاميركيين، لتشريع القبضة الأمنية الحديدية، بينما يدفع فيروس كورونا الاجهزة الامنية حول العالم الى تعديل أولوياتها لا في ما يتعلق بالمخاطر البيولوجية او الوبائية المحتملة، وانما باحكام المراقبة والتحكم بجماهير منكوبة بالذعر، عبر البوابة الصحية. ألا يصب ذلك في صلب “الأمن القومي” لأي دولة؟

صحيفة “الغارديان” البريطانية ذكرت ان 25 دولة تستخدم حاليا برامج واسعة النطاق لمتابعة بيانات هواتف الخلوي وتسجيل المكالمات الخاصة وكاميرات متطورة للتعرف على الوجه وطائرات “درونز” للمراقبة ومتابعة قرارات حظر التجول والتجمعات، وان هناك مخاوف من منظمات وشخصيات حقوقية من سوء استخدام هذه البرامج والبيانات الشخصية، في مرحلة ما بعد كورونا. 

ان تصور ان السلطة، اي سلطة، ستتصرف بخلاف ذلك في مثل هذه الاجواء المتاحة، هي سذاجة مطلقة. الخوف والاضطراب الذي خلقه الفيروس حول العالم، ستلحق به موجة افقار وذعر مضاعف وقلاقل اجتماعية وانتشار السلاح الفردي بفعل الضائقة الاقتصادية فيما لو احكم الفيروس خناقه على مقدراتنا الاقتصادية بشكل أكبر. ففي المقابل، من بامكانه ان يلوم الناس، عموم الناس، وهي ترى حكومات ودول ترتدي ملابس التحضر والمدنية والاخلاق، وهي تستخدم أساليب القرصنة والسطو على معدات واجهزة طبية مخصصة لدول أخرى تحتاجها؟

تقول السلطة بأفعال شديدة الفظاظة، ان البقاء للاقوى، وان القانون والأخلاق أدوات تستخدم في زمن غير هذا الزمن، وفي أوقات غير هذا الوقت. هذه هي الرسالة الارشادية الفعلية التي تصل الى الناس…المنكوبة بالوباء والذعر.

ولعل من بين اشارات الخوف هذه، انكفاء الاحتجاجات الشعبية في العراق وهونغ كونغ وفرنسا وغيرها بينما عادت تتأجج في لبنان حيث تزايدت المخاوف من عمليات الى “Hair Cut “ المالية التي تعمد اليها السلطة للاستيلاء على اموال المودعين في البنوك، تحت مسميات خطة انقاذ اقتصادي. وفي ايطاليا الغارقة في الوباء، تتحدث تقارير عن ازدهار الجريمة المنظمة، ونشاط عصابات المافيا ومخاوف من تحريك مجموعات شبابية مقهورة بنسب بطالة هائلة، للقيام بأعمال شغب واسعة.

هذه كلها مؤشرات. وسيتحتم على السلطة اللجوء الى أذرعها الأمنية لتعزيز مراقبتها للافراد والمجتمعات المختلفة، وتفعيل التجسس على العلماء والمختبرات الطبية في دول أخرى وتحديد التهديدات البيولوجية المحتملة، وكل ذلك في سياق جهودها المفترضة لمواجهة المخاطر الوبائية. يعني ذلك تمويلا أكبر للمجهود الأمني، ولأنشطة المراقبة على الانترنت والهواتف الخلوية وشبكات العملاء على الارض.

صحيح ان الكثير من ذلك يحصل بالفعل، وهناك صراع بين الاجهزة الدولية المختلفة، لكنه الان سيتخذ منحى أكبر بالتأكيد، مع تركيز محلي شديد. ان العديد من دول العالم، وليست فقط الدول المتطورة تكنولوجيا، تعتمد منذ سنوات طويلة، على تقنيات التعرف على هويات الوجوه، ورصد حركة الناس في الشوارع والاحياء والمدن والمطارات والفنادق وغيرها.

لكن ما سيحدث الآن ان ما كان يحصل مجرد لهو، وان الآتي أعظم، بعدما جعلوا من كورونا مسوقا لبضاعة “صناعة الخوف”.

خليل حرب

اقرأ ايضا

اقرأ أيضا عن “ذات مصر”

عن جورنال