الشركات الناجحة هي باختصار تلك القادرة على تحقيق الارباح متحدية عوامل السوق والاضطراب مهما كانت، واقتناص الفرص وحسن استغلالها. التاريخ حافل بشركات حققت ارباحا طائلة في أزمنة الحروب والقلاقل السياسية والاجتماعية، لا في مجال السلاح فحسب، وانما في قطاعات كثيرة بما فيها الاغذية والادوية. زمن فيروس كورونا ليس استثناء، لكن التطور التكنولوجي، وخطر الفيروس الذي أجبر مليارات الناس على الجلوس في منازلهم، خلق رابحين من شكل مختلف قليلا.
يتبادر الى الذهن اولا شركات انتاج العقاقير والمواد المعقمة والاقنعة والقفازات والمعدات الطبية التي اقبل مئات ملايين الناس على شرائها ما ان تفشى الذعر من الفيروس في انحاء العالم.
على سبيل المثال، شركة “ألفا برو – تيك” الاميركية – الكندية، تعلن على موقعها الالكتروني ارتفاعا قويا في طلبيات تصنيع الاقنعة الطبية وملابس الوقاية في الربع الاول من العام 2020. وتتوقع صعودا مستمرا في ايراداتها لبقية العام، وهو مؤشر انعكس سريعا في اسعار أسهمها في البورصة بنسبة 70 في المئة.
مثلها أيضا شركة “3 ام” الاميركية التي تعمل في تصنيع المواد الطبية والتنظيف، اذ ارتفعت قيمتها السوقية بنحو مليار ونصف مليار دولار في الأسابيع الاولى من العام الحالي.
شركة “نوفاسيت” الفرنسية قفزت أسهمها بحوالى 70 في المئة ما ان أعلنت عن اختبار جزيئي لفيروس كورونا. من بين الرابحين ايضا “نوفافاكس” الاميركية – السويدية التي تعتزم في اواسط شهر ايار 2020 اجراء اختبار على مصل مضاد لكورونا.
هناك ايضا شركة “آللايد هلثكير” التي تصنع معدات للتنفس ولها مقرات في الولايات المتحدة، كندا والمكسيك.
شركة “اينوفيو” الاسترالية التي تنشط في الولايات المتحدة أيضا وتعمل في مجال العقاقير لعلاج الامراض المعدية وغيرها، ارتفعت قيمها سهمها بنحو 25 في المئة.
ولا بد من الاعتراف ان البشرية لم تشهد مثل هذا الهوس الجماعي بمواد التنظيف ومطهرات الايدي، من قبل.
فقد حلقت المبيعات الى السماء لشركات تصنع منتجات مثل “بوريل”، “ليسول” ، “ديتول”، بالاضافة الى “كلوروكس” التي بحسب وكالة “بلومبيرغ” الاخبارية الاميركية، ارتفعت مبيعاتها 1400 في المئة من شهر ديسمبر/كانون الاول الى شهر يناير/كانون الثاني الماضيين.
ومع تقديرات الامم المتحدة بوجود نحو ثلاثة مليارات انسان تحت الحجر الالزامي، واحتمالات تفشي الوباء، فان ذلك يعني مستوى اعلى من الخوف يترجم اقبالا لا سابق له على هذه المنتجات والعقاقير والمعدات، اي اننا نتحدث هنا عن أرباح بمليارات الدولارات، على اقل تقدير، لهذه الشركات.
تكنولوجيا وترفيه
ومع اغلاق دور السينما والمسارح في اغلب دول العالم، كان طبيعيا ان تلتحق شركة “نتفليكس” للإنتاج الفني بقوافل الرابحين اذ ارتفعت اسهمها في ظل ظاهرة احتجاز الناس في منازلهم والزيادة التلقائية لنسبة المشاهدة واعداد المشتركين.
شركة “زووم” في كاليفورنيا، ازدهرت بقوة ايضا بارتفاع اسهمها نحو 70 في المئة، لانها وفرت للمحرومين من الاجتماع والمؤتمرات، تطبيقا يسمح لهم باللقاء والنقاش والتحاور عبر الانترنت.
ومثلها فعلت شركة “بيلوتون” الاميركية التي توفر منذ العام 2012 فكرة اللياقة البدنية الرقمية، وتقدر قيمة اسهمها منذ ما قبل كورونا، بأكثر من 8 مليارات دولار، فما بالك بعد التزام الناس منازلهم الان ولجوئهم الى الرياضة من خلال دورات تدريب حية عن بعد توفرها شاشات الدراجات الرياضية؟
وبالاجمال، مع امتناع ملايين الناس عن الالتقاء والحركة خارج منازلهم، ازداد استخدام تطبيقات التجارة الالكترونية لتيسير امورهم، فعززت “علي بابا” و “أمازون” خدماتهما للشراء الالكتروني.
كما تصاعد هوس تواصل الناس عبر تطبيقات الرسائل والاتصالات مثل “دروب بوكس” الذي يتيح لمستخدميه تخزين ومشاركة الملفات والصور ومقاطع الفيديو والاغاني، وذلك تعويضا عن غياب الزيارات الاجتماعية والمهنية وغيرها.
ازدهرت أيضا تطبيقات التعلم عن بعد على غرار تطبيق “ديولينغو” الذي يعلم اللغات العالمية. ونشطت أيضا الشركات التي تقدم دورات متقدمة في كل الميادين تقريبا، في المحاسبة، القانون، الهندسة، تكنولوجيا المعلومات وحتى اليوغا.
أما المدربون الرياضيون فقد خرج العديد منهم حول العالم في بث حي عبر تطبيقات مثل “انستغرام” لحث المطوقين داخل بيوتهم على مشاركتهم في ممارسة التمارين الرياضة.
وبطبيعة الحال، نشأت في هذه الاجواء، الاف الشركات التي تمتهن الاجرام الالكتروني لاستغلال الخوف من كورونا، وذلك بتسجيل نفسها تحت أسماء نطاقات تشمل كلمات مثل “كوفيد” و”كورونا” و”فيروس”، ويعمل العديد منها على اغراق البريد الالكتروني برسائل عشوائية لاستدراج اصحابها الى عملية احتيال مرتبطة بالفيروس، وذلك بحسب هيئة “آيكان” التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها.
أخيرا وليس آخرا، شركات المعلبات الغذائية ووالأطعمة المحفوظة ازدهرت بشكل كبير حول العالم. فهذه السلع قابلة للتخزين فيما تراجعت القدرة على شراء المنتجات الطبيعية من الخضار والفواكه والحبوب واللحوم على انواعها. والى جانب مبيعاتها العالية، كانت الظاهرة في مختلف انحاء العالم أيضا، ارتفاع أسعارها، استغلالا أولا لحاجات الناس وتعثر دورات الحياة الاقتصادية في مختلف المجتمعات، وثانيا استغلالا لخوفهم!
وقديما قال بونابرت ان “قوام الحرب ثلاث : المال و المال و المال”…
خليل حرب