قتلها زوجها بخمس عشرة رصاصة في مخيم برج البراجنة.. أم في بيروت تلد طفلها في المستشفى وتتركه وتغادر.. قاما بتكبيل المغدور وخنقه بواسطة ملابسه، ومن ثم سرقة ما توفّر في منزله الكائن بقرية ميفدون.. قتل 4 أشخاص وجرح 10 آخرون في إطلاق نار خلال جنازة بمنطقة خلدة.. عملية بيع طفل في مدينة جونية، هذه نماذج من جرائم وقعت في الأيام الماضية بلبنان، ويخشى خبراء من أن تكون مؤشرا على انفجار وشيك للأمن الاجتماعي.
في بلد يعاني من انهيار اقتصادي هو بين الأسوأ على مستوى العالم خلال أكثر من قرن، بحسب توصيف البنك الدولي، فإن تزايد الجريمة في المدن ومناطق الأرياف اللبنانية، مؤشر على تعطل دور الدولة وتلاشي هيبتها، حيث ولدت الأزمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة، انعداما للإحساس بالأمن الفردي والمجتمعي.
وفعليا، ترافق تنامي هذه المظاهر المقلقة مع طول انتظار اللبنانيين لتشكيل حكومة جديدة تأخرت 13 شهرا في ظل خلافات وصراع سياسي في صفوف الطبقة السياسية، حيث مثلت الحكومة الجديدة التي شكلها نجيب ميقاتي أمام البرلمان، لنيل الثقة.
وأمام الحكومة الجديدة لائحة طويلة من المصاعب الاقتصادية التي يتحتم عليها ايلائها الأولوية للمعالجة كأزمات الغلاء وانهيار قيمة الليرة وشح الدواء والوقود والكهرباء، والتي تقول أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة أديبة حمدان إن أزمات “تخلق أسبابا مباشرة تزيد من معدلات الجريمة”.
ويكاد لا يمر يوم من دون أن تضج وسائل الإعلام اللبنانية بجريمة قتل أو سرقة أو سطو أو حتى إطلاق نار في مشاجرات فردية كما يجري على محطات الوقود بمختلف المناطق في ظل أزمة البنزين القائمة منذ شهور، أو مثلما جرى عندما انتشرت مشاهد مصورة لعمليات إطلاق نار من أسلحة فردية وقاذفة “آر بي جي” احتفالا بدخول قافلة صهاريج المازوت الإيرانية من الأراضي السورية إلى بلدات في البقاع اللبناني.
ولا تساهم هذه الأخبار والمشاهد سوى في خوف اللبنانيين من أن أمنهم الشخصي قد يكون عرضة للخطر في وقت تشير بيانات رسمية إلى أن معدلات الجريمة خلال الشهور الماضية، بلغت حدا غير مسبوق فيما بعد نهاية الحرب الأهلية، وخصوصا في عامي الانهيار الاقتصادي-المعيشي القائم حاليا.
وقالت أديبة حمدان “عندما أفقد الطبابة (الدواء) وراتبي وأموالي في البنك والخبز، وهذه كلها مؤشرات على ازدياد الفقر، يكون هناك تهديد أكبر لحياة الإنسان وأمنه”.
وتشير شركة “الدولية للمعلومات” المتخصصة بالدراسات الاحصائية إلى زيادات كبيرة في حوادث السرقة، وخاصة سرقة السيارات، وجرائم القتل، مستندة إلى بيانات حكومية جمعتها، حيث سجلت المؤشرات الأمنية خلال الربع الأول من العام 2021، ارتفاعا كبيرا مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020، فسرقة السيارات زادت بنسبة 8.8 بالمائة، والسرقات زادت 162 بالمائة، وجرائم القتل زادت 2.4 بالمائة. وكانت الجرائم سجلت في العام 2020 الذي مثل بداية التدهور الاقتصادي والمالي، زيادات كبيرة أيضا مقارنة بالعام الذي سبق، فسرقة السيارات زادت بنسبة 117 بالمائة، وجرائم القتل زادت 93 بالمائة والسرقة زادت 56.5 بالمائة.
وإلى هذا، قال مصدر أمني، والذي لم يكشف اسمه لأنه غير مخول الإدلاء بتصريحات رسمية، إن “المشكلة ليست أمنية، وإنما سياسية-اقتصادية، تحولت إلى اجتماعية ثم إلى أمنية، وإذا تحقق استقرار سياسي واقتصادي، سوف تتلاشى المشكلة الأمنية فورا”.
لكن أديبة حمدان قالت “عندما يكون الإنسان محروما من أبسط حقوقه بدءا من رغيف الخبز وصولا إلى حرية التعبير أو المصير، سيكون ذلك سببا مباشرا لانفجار اجتماعي، وظهور آفات وانحرافات اجتماعية، من العنف ضد الذات كالإدمان والانتحار، وضد الآخر كالسرقة والقتل”.
وتحذر أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية من أن هذه الجذور وترسخ الطائفية في مؤسسات الدولة قادت، من بين أسباب أخرى، اللبنانيين إلى الحرب الأهلية في العام 1975 لأن “الدولة تعطلت” على حد قولها، وهو ما يشبه الوضع القائم حاليا حيث يفتقر البلد إلى سياسيات وخطط وطنية للمعالجة.
وأضافت “يقود ذلك إلى الفوضى وإلى حرمان وأزمات تولد الانفجار. ضعف الدولة في خدماتها للمواطنين يؤدي إلى التلاشي في هيبتها وقدرتها على بسط الأمن، خاصة مع انهيار رواتب القوى الأمنية”، مشيرة بذلك إلى فقد العملة الوطنية لأكثر من 90 بالمائة خلال شهور قليلة.
إلا أن المصدر الأمني أكد أن “المؤسسات الأمنية تطور قدراتها وإمكاناتها، ونحن فاعلون على الأرض ونستبق أحيانا وقوع الجريمة، برغم الضغوط المعيشية على القوى الأمنية”، مشيرا إلى أنه برغم ذلك، فإن “العصابات تخاف من دورنا، وبنسبة 80 في المائة يتم التعامل مع الجرائم والمجرمين، ولا يمر يوم إلا ويتم توقيف عصابة أو مرتكبي جريمة ما”.
لكن الجرائم والآفات الاجتماعية تتخذ أشكالا لم يألفها اللبنانيون كثيرا من قبل.
وفي السياق، قالت الناشطة في مجال العمل النفسي والاجتماعي بالقطاع العام جنان جانا، إن ظاهرة تخلي الأهل عن الأطفال حديثي الولادة تتزايد.
ولفتت إلى حالات عديدة لأطفال تم رميهم عند مكبات القمامة، لكن المثير للقلق أكثر الآن أنها على اطلاع على حالات تخلت في إحداها الأم عن طفلها بتركه في أحد مستشفيات بيروت بعد ولادته وتعذر بعدها الاتصال بالأب والأم، لسبب أساسي هو عدم قدرتهما على رعاية طفلهما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة أديبة حمدان إن “أزمة الدولة تخلق أزمة مواطن”، محذرة من أن لبنان “يمكن أن يصل إلى نموذج فنزويلا آخر. أو إلى نموذج الدولة الفاشلة”.
خليل حرب (وكالة اسوشيتدبرس)