الرئيسية » العالم والخليج » ترامب وكيم .. حرب ال70 سنة أتبددها مصافحة ال12 ثانية؟

ترامب وكيم .. حرب ال70 سنة أتبددها مصافحة ال12 ثانية؟

 

آخر الاخبار الواردة حول كوريا الشمالية والزعيم كيم جونغ أون، ان ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب برغم عدم رضاها عن مسار ما بعد قمتهما في سنغافورة في 12 حزيران/يونيو الماضي، قررت اعتماد سياسة “الصبر” مع بيونغ يانغ. يحدث هذا فيما وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو يؤكد ان كوريا الشمالية لا تزال تنتج المواد اللازمة لصنع قنابل نووية، ويسبقه ترامب نفسه بالقول انه ما من مهلة زمنية امامها لنزع سلاحها النووي!

 

في قمتها التاريخية في سنغافور، وقع ترامب وكيم جونغ اون، وثيقة وصفت بانها “شاملة”، اثارت الكثير من الامال والتفاؤل، وفي الوقت ذاته، طرحت الشكوك والتساؤلات عن طبيعة ما جرى، وحقائق التسوية الفعلية، وتداعياتها الفعلية التي قد لا تظهر مفاعيلها قبل سنوات على افضل تقدير، خصوصا في هدفها المعلن، اي نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.

 

++++++++++++++++++++++++++

 

واذا كان من حق المتفائلين ان يتأملوا خيرا من قمة سنغافورة لانها على اقل تقدير، بددت الكثير من المخاوف من مواجهة نووية بدت قبل بضعة شهور كانها حتمية، فان من حق المشككين ان يطرحوا الكثير من الاسئلة خصوصا ان الاتفاق والتصريحات التي ادلى بها ترامب او صدرت من واشنطن، لم تقدم اجابات شافية حول الكثير من المسائل.

الانتقال السريع من تبادل التهديدات بين ترامب وكيم باستخدام “الزر النووي” قبل شهور قليلة مضت، الى الحديث عن احتمالات القمة بحد ذاتها، كان مفاجئا بالنسبة الى كثيرين. ومازال يتعين الانتظار قليلا، لمعرفة المدى الذي ستذهب اليه تداعيات قمة سنغافورة بين الرجلين.

هناك حالة حرب قائمة رسميا منذ 70 سنة. ولهذا، فان مجرد مصافحة الرجلين ل12 ثانية متواصلة امام عدسات كاميرات الاعلام العالمي، في جزيرة سينتوسا، المنتجع، التي كانت معقلا للقراصنة في القرن التاسع عشر، وسجنا كبيرا اقامته القوات اليابانية لاسرى الحرب خلال الحرب العالمية الثانية، شكلت حدثا تاريخيا بحد ذاتها.

والثابت حتى الان، ان الاعلان المشترك الذي تحدث عن اخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، لم يرق الى العبارة السحرية التي اعتمدها الاميركيون طويلا : “نزع اسلحة نووية كامل، ويمكن التحقق منه، ولا عودة عنه”.

غير ان المواقف التي اطلقها ترامب بمجرد انتهاء القمة، تشي بان الرئيس الاميركي راض بالمصافحة، وبالمبادئ العامة التي اتفق عليها مع الزعيم الكوري الشمالي، من دون توقعات كبرى او سريعة.

 

 

لكن ذلك لا يعني ان شيئا ما لم ينكسر في جدار اخر جبهات الحرب الباردة، وان تقاربا سيشهده العالم في الاسابيع والشهور المقبلة، بما في ذلك زيارة محتملة الى البيت الابيض من كيم جونغ اون، كما اعلن ترامب بنفسه… او حتى بداية انشاء منتجعات فندقية على شواطئ كوريا الشمالية الخلابة كما وصفها الرئيس الاميركي، كمؤشر على “الانفتاح”، واغراء الاستثمارات، والذي تراهن عليه واشنطن في هذه الدولة الشيوعية المغلقة.

كما قد يشهد العالم انهاء “رسميا” للحرب الكورية، اذ ان ما هو قائم منذ عشرات السنين، هدنة معلنة منذ نهاية الحرب التي حصدت ارواح خمسة ملايين انسان ما بين عامي 1950 و1953. https://journal-lb.com/article/972 ، الا ان “انهاء الحرب”، لن يكون بين ترامب وكيم وحدهما. على الصين ان تكون حاضرة، وكوريا الجنوبية ايضا وربما اليابان.

وعلى الرغم من اجواء التشكيك التي اثارها كثيرون حول قمة سنغافورة، الا المتفائلين شددوا على ان اختراقا كبيرا لا يمكن تحقيقه من مجرد عقد لقاء واحد. حتى ترامب نفسه حاول ان يكون متواضعا في طرح تناول توقعاته من القمة، عندما اشار الى ان عملية التخلص من السلاح النووي، ستتطلب سنوات عديدة.

ولخصت مسؤولة اميركية سابقة المشهد في الجزيرة السنغافورية، بانه “لقاء تعارف + انهاء الحرب الكورية”.

ان المعادلة دقيقة للغاية في شبه الجزيرة الكورية. كثيرون يعتقدون ان التخلي للاميركيين، او غيرهم، عن السلاح النووي، يعني انتحارا جماعيا بالنسبة الى الكوريين الشماليين. لكن على كثيرين ان يتذكروا ايضا ان مئات ملايين البشر يعيشون في جنوب شرق اسيا تحت ظلال المخاوف الدائمة فيما الصواريخ تتطاير في سمائهم.

ومن الملاحظ ان تباينا ما بدا يظهر في ما يصدر من واشنطن وبيونغ يانغ. وسائل اعلام رسمية في كوريا الشمالية تحدثت غداة القمة، عن ان ترامب وافق على رفع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وتقديم ضمانات امنية. اما ترامب نفسه، فقد اعلن بعد القمة مباشرة انه سيوقف المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية.

وكانت بيونغ يانغ تطالب واشنطن منذ سنوات بازالة “المظلة النووية” الاميركية التي تحمي بها كوريا الجنوبية، وسحب الجنود الاميركيين ال30 الفا المتمركزين في الجنوب، ووقف المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية والتي تعتبرها بمثابة استفزاز.

في تصريحاته اللاحقة بعيد القمة، لم يشر ترامب سوى الى مسالة وقف المناورات العسكرية “المستفزة”. ولم يتحدث عن النقطيتن الاخريين. الانه المح الى ان هدفه النهائي اعادة الجنود من هناك الى وطنهم. كما حرص الرئيس الاميركي على الاشارة بعد القمة الى ان العقوبات لن ترفع عن كوريا الشمالية، قبل تخلصها من السلاح النووي، وهو موقف فضفاض يحتاج الى كثير من التدقيق والمتابعة.

وفي ظل ضبابية المشهد، قال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ان واشنطن تامل ان يتم نزع “القسم الاكبر” من السلاح النووي لكوريا الشمالية في نهاية العام 2020، اي بحلول نهاية الولاية الرئاسية لترامب، وهو ما يبدو تنازلا اميركيا كبيرا اقله بالشكل العام، اذ اعتادت الادارات الاميركية المتعاقبة على التمسك حرفيا، بعبارة “النزع الكامل والتحقق منع ولا عوده عنه”.

فلماذا؟ حاول خبراء ومحللون الاجابة عن ذلك، وعن اسباب عدم عودة ادارة ترامب الى اتفاقات سابقة وموقعة ابرمت مع كوريا الشمالية، ولم تستمر، وبالتاكيد لم تتضمن عبارة “القسم الاكبر” من الترسانة النووية.

ويذهب هؤلاء الى خلاصات لعل من ابرزها، ان ترامب بدا حتى اثناء وجوده في قمة الدول السبع الكبرى في كندا، عشية قمة سنغافورة، متعجلا للذهاب للقاء كيم جونغ اون، والسعي الى ابرام صفقة. قال الرئيس الاميركي خلال وجوده في كندا، “لن اضيع الوقت.. لا اريد ان اضيع وقته (كيم جون اون). ساعرف منذ الدقيقة الاولى ما اذا كان بالامكان ابرام صفقة”.

وبحسب صحيفة “نيويوركر” الاميركية، فان ترامب كان بحاجة الى نجاح ما في قمة سنغافورة، اكثر مما يحتاجه كيم جونغ اون. الفشل المدوي الذي ضرب قمة مجموعة السبع الكبرى في كندا، جعل ترامب يبدو بحاجة الى نجاح ديبلوماسي كبير، يغطي به على الاخفاق في التفاهم مع ابرز حلفاء الولايات المتحدة، اي بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، اليابان وكندا.

الصورة الشهيرة لترامب مكتف اليدين امام المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ويقف الى جانبه مستشاره للامن القومي جون بولتون بوجهه العبوس، فيما زعماء القمة يتحلقون حوله بوجوه مرتبكة، https://journal-lb.com/article/2440 تعني، من بين ما تعنيه، ان العالم بالنسبة الى دونالد ترامب قد تغير. في نفس هذه القمة طالب الرئيس الاميركي حلفاءه الغربيين بالسماح بعودة روسيا الى المجموعة.. لكنهم رفضوا.

ترامب يحاول ترسيخ صورة رجل الانجازات، ولو على طريقة الصفقات. وهو اذ يقوم بذلك، يعيد صياغة شكل العالم ولو عبر “تويتر” وعلى متن الطائرة الرئاسية “اير فورس وان”، ليهاجم الدولة الاقرب الى الولايات المتحدة، اي كندا، لان رئيس الوزراء جاستين ترودو انتقد التعريفات الجمركية الاميركية معتبرا انها “اهانة”.

في الطريق للقاء كيم جونغ أون، كان ترامب يدرك ان ما جرى في قمة السبع، يمثل اسوأ نهاية لقمم هذه المجموعة التي تتحكم بنصف الاقتصاد العالمي، منذ تاسيسها في العام 1975، ولهذا فان عليه ان يعود بانجاز ما، ولو كان مبهما، من سنغافورة.

في بال ترامب ايضا سلسلة النكسات التي الحقها بالعلاقات مع الاصدقاء والحلفاء والدول الاخرى. في ايار 2018، انسحب من الاتفاق النووي الدولي مع ايران، متخليا حتى عن حلفائه الاخرين من رعاة الاتفاق، بريطانيا وفرنسا والمانيا، بالاضافة الى روسيا والصين. يقول خبراء الان ان ترامب يريد اتفاقا ايرانيا جديدا خاصا به، يحمل اسمه وبصماته السياسية كانجاز لادارته. https://journal-lb.com/article/2233

النائب الاميركي السابق بيل ريتشاردسون الذي سافر 8 مرات الى بيونغ يانغ خلال عشرين سنة، قال ان “ترامب يحتاج الى نصر اكثر مما يحتاجه كيم جون اون، بالنظر الى الازمة الاخيرة مع حلفائنا في كندا، والحرب التجارية التي تلوح، والتحقيقات الاميركية في الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الاميركية، وفشل الكونغرس في الاتفاق حول قضايا الرعاية الصحية والهجرة.. الزعيم الكوري الشمالي في المقابل، حصل بالفعل على ما يريده.. الاجتماع بالرئيس الاميركي يعزز هيبة حكمه في الداخل، ويجعله لاعبا دوليا”.

 

http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/58/18.pdf

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".