الرئيسية » اراء ودراسات » كيم جونغ أون.. ايرانياً

كيم جونغ أون.. ايرانياً

 

حسنا، اذا كان حسن روحاني يقول ان 40 عاما من الشكوك الايرانية برهنت على صحتها الان، فماذا سيقول كيم جونغ أون، الذي تحمل بلاده 70 عاما من ارث الريبة والشك في الاميركيين؟

من المهم فهم هذه المفارقة غداة اعلان دونالد ترامب الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي مع ايران. فبأي عقلية سيذهب كيم جونغ أون الى القمة المقررة خلال ايام مع الرئيس الاميركي، وهو شاهده للتو ينقض الاتفاق المبرم مع ايران، حول برنامجها النووي (السلمي، بحسب التأكيدات الجديدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم)؟

لمن سيسلم كيم جونغ أون صواريخه النووية؟ “الوريث العظيم” للحكم في كوريا الشمالية، هل بامكانه ان يستدير بسهولة ليسلم ظهره لخائن المعاهدات الدولية المتعددة مع كافة انحاء الكرة الاراضية.. ترامب ؟

“يونغميونغ هان تونجي” (الرفيق الرائع)، قد يكون راغبا فعلا بانهاء حالة الحرب في شبه الجزيرة الكورية، مع الجار الجنوبي، في أرض شطرها الاستعماران الياباني والاميركي. ديبلوماسيان اميركيان صغيران رسما “خط العرض 38” في العام 1945 ليقسما الشعب الكوري، بعدما عاش سنوات طويلة تحت الاحتلال الياباني.

الانشطار الكوري كان شرارة الحرب التي اندلعت بعد ذلك بخمسة اعوام فقط. اكثر من خمسة ملايين انسان دفعوا حياتهم ثمنا للعجرفة الاميركية.

اعطى كيم جونغ أون اشارت انفتاح لا مثيل لها خلال الاسابيع الاخيرة. زار الجنوب واعلن نيته انهاء الحرب “رسميا”، وتواصل مع الاميركيين، وقال ترامب انه حصل على تعهدات عن طريق الصين، بأن كيم جونغ أون يعتزم التخلي عن ترسانته النووية..

لكن بأي ثمن؟ وكيف سيجلس كيم جونغ أون امام ترامب ويسلمه ترسانة نووية لادارة اميركية، قد تأتي بعد عام، لتقول ان كوريا الشمالية تخالف تعهداتها والتزامتها، وسنعاود معاقبتها وحصارها؟

اي حضن اقليمي سيحميه، اذا نزلت السطوة الاميركية على الجارين الياباني والكوري الجنوبي، كما نزلت بالامس على الاوروبيين، منذرة اياهم بضرورة الانسحاب سريعا من كل العلاقات الاقتصادية والمالية التي نسجت مع الايرانيين منذ الاتفاق النووي مع باراك اوباما، والاوروبيين والروس (ثم مجلس الامن الدولي) في العام 2015!.

الفكرة ليست ضربا في الرمال. قبل اسابيع، عندما اعلن ترامب نيته الذهاب للقاء كيم جونغ أون، ثارت ثائرة الدائرة المتشددة حول الرئيس الاميركي في مجلس الامن القومي ووزارة الدفاع، وكأنها استهولت فكرة انهاء صراع مستمر في شبه الجيزرة الكورية منذ الايام الاولى للحرب الباردة، ب”شحطة قلم” ، وكيف نطوي صفحة نزاع ننجح في استغلاله في مسألتين اساسيتين:

  • حلب الابقار الاسيوية في اطار المعاهدات الاقتصادية الثنائية وصفقات السلاح الكبيرة.
  • ابقاء بؤرة تؤرق العملاق الصيني (الخصم الاستراتيجي الاول لواشنطن المعلن في كافة تقديرات اجهزة الاستخبارات والامن الاميركية).

 

الا يتشابه المشهدان آسيويا وخليجيا؟ ربما. هناك فارق مهم، ان الجيران الاسيويين، تواقون لانهاء القلق والخوف ومعالم الحرب، بينما يبتهل البعض في الخليج، للتصعيد والتوتر ويصفقون لترامب وكأنهم يهتفون: تعال يا ترامب .. تعال ابتزنا .. تعال اشعل النار في ديارنا !

بالامس حط كيم جونغ أون فجأة في الصين، في ثاني زيارة خلال اسابيع قليلة. هذا غير مألوف. صحيح ان وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، عاد من بيونغ يانغ، مظفرا، مستعيدا ثلاثة سجناء اميركيين، لكن من الصعب التكهن من اين سيأتي ترامب بحنكة ودهاء كافيين، عندما يجلس وجها لوجه مع كيم جونغ أون، لاقناعه بالتنازل عن ورقة قوته الوحيدة.

يراهن ترامب، وبعض الخليجيين واسرائيل، على تداعيات كورية في الصراع مع ايران؟ بالتأكيد. لكن لا ارث الدم الكوري، ولا “السمسرات” التي تحكم عقلية سيد البيت الابيض، ستمنح اطمئنانا حقيقيا واكيدا لهم.

هناك ايران نفسها، وهناك روسيا والصين، ولتتأرجح السعودية بشكل غريب بين الترحيب بالاتفاق النووي قبل ثلاث سنوات، ثم التهليل الان للتراجع عنه. ليست هذه معادلة قيمة في هذا المشهد، تماما كأوروبا التابعة، التي “تمسكت” بالاتفاق، على امل القيام بدور وسيط لتعديل بنوده، كما ترغب ادارة ترامب.

وختاما، طالما لن يذهب ترامب الى حرب اقليميا، لا هنا ولا هناك، فان اسرائيل ستلعب “تحت الحزام”، فلا تفتح حربا شاملة، وفي الوقت ذاته تقتنص فرص الغدر تحت جنح الظلام.

وهنا، مكمن الخطر الدائم.

 

خليل حرب

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".