الرئيسية » العراق » مقتدى الصدر .. اشكاليات بغداد وطهران والرياض

مقتدى الصدر .. اشكاليات بغداد وطهران والرياض

 

بغداد- “جورنال”

 

عندما تحول مقتدى الصدر في وسائل الاعلام السعودية من زعيم مليشياوي الى السيد العروبي الذي سينقذ العراق من الهيمنة الايرانية، كان “تحالف سائرون” يشكل نواته الاساسية لخوض غمار الانتخابات النيابية في العراق، فحصد ما حصد من مقاعدة جعلت منه الكتلة الاكبر برلمانيا ( ٥٤ مقعد) ، لكن من دون القدرة على الانفراد بتشكيل حكومة تخلف حكومة حيدر العبادي.

وبعيدا عن الارث العائلي الكبير الذي يستمد منه الصدر شعبيته بين الفئات المهمشة من الشعب العراقي، إلا انه كثيرا ما أضاعت بوصلة خطواته السياسية الطريق نحو الوصول الى نهج والده كرمز ثوري جابه منفردا في الكثير من الاحيان طغيان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

ويفسر كثيرون هذا الامر بتأخر تحول الصدر الابن من نهج المعارضة الى شريك في صنع القرار، خصوصا في فترة احتلال القوات الاميركية العراق بعد العام ٢٠٠٣، بخلاف منافسيه السياسيين كحزب الدعوة الذي كان اكثر تنظيما، فآل منصب رئاسة الوزراء اليه في الانتخابات التي جرت منذ تحرير العراق.

وبالنظر الى التجربة السياسيية منذ العام ٢٠٠٣ والى الان، فإن الكتل العراقية تعي جيدا ان التيار الصدري وزعيمه حلفاء لا يمكن الوثوق بالهم للسير الى نهاية المطاف، لكن الثقة التي كان يحصدوها طوال العمليات الانتخابية هي من تجبر الخصوم ومن قبلهم الحلفاء على الجلوس مع الرجل المتقلب المزاج. فخلال فترات الحكومات العراقية المشكلة كان وزراء الصدر هم الاكثر استقالة، وكان نوابه في البرلمان هم الاكثر فوضى من بين جميع الكتل النيابية، متأثرين بشكل كبير بزعيمهم مقتدى الذي تخبطت قراراته ليس بين دعم جناحه العسكري في اوقات سابقة وحله، بل في اصدراه لقرار شهير بحل تنظيمه بشكل كامل من نواب ووزراء واعلان تنظيم سياسي جديد، ولعل هذا ما فسر فقدان الصدر لأي بعد اقليمي يعزز من حظوظه في كل الانتخابات الماضية لنيل مقاعد اكثر في البرلمان، كما كان يحدث مع قوى سياسية اخرى كحزبي الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية “تيار ال الحكيم” المدعوم من ايران ومن سوريا على فترات متقطعة، وكذلك حزب اياد علوي المدعوم خليجيا.

نجح مقتدى الصدر في زي المعارضة المطلقة من دون شراكة حكومية في الفترة السابقة، نال اكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية بعد ان شمل تياره الجديد “سائرون” قوى اخرى غير الشخصيات الشيعية كالشيوعيين والقوميين وبعض الشخصيات المستقلة. اختار قبل الانتخابات ايران عدوا غير معلن، زار السعودية التي كان يتهمها بتصدير الارهاب الى العراق في وقت سابق، التقطت له صورة تذكارية مع ولي العهد محمد بن سلمان، ولم يغض الاعلام الخليجي خلال ذلك نظره عن العمامة السوداء التي يلبسها بعد وصفه بمنقذ العراق من الغزو الايراني الناعم.

لكن بعد نحو شهرين من الانتخابات العراقية وكل ما صاحبها من شكوك في التلاعب بالنتائج لم يخطو الصدر خطوة تحقق تشكيل الحكومة العراقية. صحيح ان غالبية تشكيل الحكومات العراقية السابقة احتاجت لوقت اكبر من هذا، لكن مقدرة الرجل على التحول من المعارضة الى الحكم هي ما تثير الشكوك حول ما اذا كان سيحتاج الى وقت اكبر من هذا بكثير في سبيل اعلان ولادة الحكومة، هو الان لم يعد “وليد جنبلاط الشيعة” في العراق، اي ان لا حكومة تشكل من دون موافقته كما كان يحدث سابقا، بل تحول الان بعد تقاربه مع السعودية الى “اتفاق طائف” عراقي شبيه بالاتفاق بين الافرقاء اللبنانيين بعد انتهاء الحرب الاهلية قبل نحو اربعة عقود من الان والذي لازال يتم العمل به في الانتخابات البرلمانية والتشكيلات الحكومية.

الصدر يعلم قبل غيره ان لا حكومة ستشكل من دون مباركة ايرانية شاء بذلك ام أبى، فالوجود الايراني سياسيا واقتصاديا وعسكريا ومن قبل ذلك البعد العقائدي لايمكن اغفاله ولو كان ذلك على حساب انفتاح غير مسبوق مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، لذلك حاول الرجل موازنة الامور نوعا ما بإعلان اكبر من تفاهم واقل من تحالف مع تيار الفتح  (٤٧ مقعدا)  المدعوم ايرانيا صاحب المركز الثاني في النتائج الانتخابية.

بين ايران والسعودية تكمن المسافة بالضبط بين مقتدى الصدر وتشكيله للحكومة العراقية، فالحديث عن استقلالية في القرار العراقي لولادة الحكومة أمر سطحي جدا. يقول المراقبون هي معادلات معقدة وتفاصيل دقيقة فتح من خلالها الصدر الباب امام دخول لاعبين جددا في المشهد العراقي، لاعبين لن تتوانى مكائنهم الاعلامية عن اعادة الصدر الى عمامته الطائفية وزعامته “المليشياوية” متى ما اخرجهم من باب بغداد الضيق، كي لا يتحول العراق الى… لبنان أخر.

 

 

 

عن جورنال