ليس مفاجئا تزامن الهجوم من جانب “معهد واشنطن” الاميركي، وصحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية، على هدف واحد: الحشد الشعبي في العراق.
فالمعهد الاميركي، اليميني المعروف بانحيازه الى مصالح اسرائيل واللوبي الموالي لها داخل الادارات الاميركية، نشر للتو تقريرا يلقي الشبهات على مهمة الحشد الشعبي الانسانية الاغاثية في سوريا، معتبرا انه يتم الان تسريع العديد من الانشطة القتالية عبر الحدود تحت غطاء انشطة الاغاثة من الزلزال.
اما الصحيفة الاسرائيلية، فانها في انتقادها لتصريحات قائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي خلال لقائه بوزير الدفاع العراقي ثابت محمد سعيد رضا، والتي اعرب فيها عن استعداد ايران لدعم وتدريب القوات المسلحة العراقية، والتي وصفتها الصحيفة بانها “تثير الدهشة في جميع انحاء الشرق الاوسط”، وذكرت ان هذا التعاون الايراني-العراقي يشكل تهديدا للولايات المتحدة واسرائيل، وان التدريب المحتمل للجيش الرسمي العراقي سيكون خطوة جديدة، مذكرة بان دمج الحشد في القوات شبه العسكرية الرسمية العراقية خلال الحرب على داعش، كان بحد ذاته “مثيرا للجدل بالفعل”.
تحذر “جيروزاليم بوست” من رغبة إيران في الاقتراب من قوات الأمن العراقية هي جزء من هدف إيران الإقليمي لتوسيع نفوذها بالفعل في العراق، لافتة إلى تصريحات الحرس الثوري التي توضح هدفه في طرد الولايات المتحدة من المنطقة، ومنع أي تطور للعلاقات بين العراق وإسرائيل، وان ايران تنظر الى دورها في العراق على أنه وسيلة لمواجهة علاقات إسرائيل في المنطقة ومواجهة الولايات المتحدة، وقد يكون لذلك تداعيات سلبية محتملة على الدور الاميركي والأوروبي.
يذهب “معهد واشنطن” الى حد القاء الاتهامات جزافا، ويقول ان الزلزال أتاح فرصاً كثيرة أمام الحشد الشعبي للانتشار في المناطق السورية المتضررة، وذلك بموافقة الحكومة العراقية بعد أن كان تواجد هذه القوات في سوريا يتم في السابق دون أوامر قانونية من القائد العام للقوات المسلحة العراقية، كما يقتضي “الدستور العراقي”، وتسلسل القيادة، ومدونة الانضباط العسكري. ويتابع ان الزلزال فتح اليوم فرصة كبيرة أمام الحشد الشعبي للعمل بشكل علني في سوريا من جهة، وأمام إيران من جهة أخرى، لنقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان داخل قوافل المساعدات.
ومن الواضح ان لا الولايات المتحدة ولا اسرائيل تشعران بالارتياح ازاء “الفزعة العراقية” الطبيعية التي تحركت لاغاثة السوريين المنكوبين والتخفيف من معاناتهم. وقد سبق لمدير الاعلام في هيئة الحشد الشعبي مهند العقابي ان حذر مع بداية تدفق قوافل الاغاثة من العراق الى سوريا، من ان الاميركيين حركوا طائراتهم، مضيفا “ليس لدينا امان من ناحية الاميركي”.
وليس غريبا ان مثل هذه الجهات الاميركية والاسرائيلية، لم تكف منذ الايام الاولى لانطلاق الحشد الشعبي للتصدي لخطر المد الداعشي في العام 2014، عن التشكيك والتشويه بحق الحشد، وطبيعة دوره، والذي للمفارقة ما يزال مستمرا الى الان، ويقدم الشهداء في ملاحقة اوكار الارهابيين وفلولهم حتى الساعة.
كما ان الوقائع على الارض، تقول بوضوح ان جهدا انسانيا كبيرا يجري من جانب الحشد الشعبي منذ اكثر من 20 يوما، وما يزال مستمرا حتى الان، حيث يعمل الحشد ليلا نهارا منذ زلزال 6 شباط/فبراير باندفاعة مثيرة لمساعدة عشرات الاف العائلات السورية.
وحتى الان، دخلت المئات من شاحنات الاغاثة وما تزال تتدفق عبر الحدود الى حلب وريفها واللاذقية، وحملت+آلاف الاطنان من الادوية والطعام والملابس والمعدات، بينما يقوم مهندسو الحشد برفع الانقاض وفتح الطرقات في حلب، وتوزيع الحصص الغذائية يوميا على الاف العائلاتوحليب الاطفال، واقامة مستشفيات ثابتة ومجهزة، واخرى متنقلة ما بين حلب واللاذقية ، فيما قال مصدر خاص ل”جورنال” ان نحو 25 الف مواطن سوري إستفادوا من مستشفيات الحشد حتى الان.
وليس سرا ان رئيس هية الحشد فالح الفياض ولا رئيس بعثة الاغاثة العراقية رئيس اركان هيئة الحشد الشعبي السيد عبد العزيز المحمداوي، قد قاما بزيارة سوريا لمتابعة جهود الاغاثة وتفعيلها، بل وظهرا امام الاعلام. ولهذا فانه من المثير للريبة ان معهدا بحثيا في واشنطن، يتناول هذه الحركة في سياق مريب، ويضعها في سياق ما يقول انه استغلال من جانب الحشد والمقاومة للكارثة بهدف “التأثير على الحملات الدعائية في وسائل الإعلام العراقية والإيرانية على حدٍّ سواء”، مضيفا انه “في حلب، عُثر على لافتة تشكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والحشد الشعبي وأبو فدك على دعمهم الشجاع للشعب السوري”.
لا بل ان “معهد واشنطن” يكتفي بوصف قيادات الحشد الشعبي بانها مؤلفة من “إرهابيين ومنتهكين لحقوق الإنسان مدرجين على قائمة العقوبات الاميركية، وان شركائهم الإيرانيين يستخدمون على الأرجح الزلزال لتحسين تنسيقهم عبر الحدود بشكل كبير مع الأسد وحزب الله اللبناني، وإضفاء الشرعية على أنفسهم داخل العراق”.
يتجاهل الباحثون الاميركيون في تقاريرهم دائما، ان الحَشد الشعبي قوة نظامية عراقية تشكلت في حزيران/يونيو 2014، وأقر قانونها في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وذلك في ضوء فتوى المرجعية الدينية العليا للسيد علي السيستاني، وهي بالتالي عراقية المنشأ، والهوية والاصل، والاهداف، والتضحيات ايضا.
ومهما يكن، فان الحشد الشعبي يؤكد ان حملته الاغاثية لاغاثة منكوبي سوريا مستمرة الى حين انتهاء معاناتهم، ويتعامل معها الحشد وابناء الحشد بشكل طبيعي، ذلك ان هذه “الفزعة الانسانية” والانشغال بهموم الناس، مرتبطة بمشاعر الاخوة والجوار، والدين، بالاضافة الى ان الشهيدين ابومهدي المهندس وقاسم سليماني عملا على ترسيخها سوية، سواء في عملهما الميداني معا لحماية القرى والمدن من اجرام الدواعش وفظائعهم، او كما عملا جنبا الى جنب في العام 2018 لمواجهة آثار كارثة السيول التي ضربت مناطق حدودية عراقية-إيرانية ،وحشدا سوية كل الجهود لإغاثة المنكوبين.
عندما التقى الرئيس بشار الاسد بعبدالعزيز المحمداوي الذي كان في طليعة المتقدمين لاغاثة المنكوبين في الزلزال، اثناء وجودهما في حلب، قال له الرئيس السوري “أنتم قدمتم دماءكم (من أجل سوريا) وليس غريبا ان تقدموا عرقكم، وخلال المعركة مع الارهاب كنتم (الحشد) الجناح الأيمن لنا”.
مداوة جروح المنكوبين واغاثتهم مستمرة الى الان منذ الساعات الاولى التي تلت الزلزال، وابواب التبرعات العراقية مفتوحة في مختلف المدن، فيما لا يزال الحشد يعلن عن ارتقاء شهداء له في تصديهم للارهابيين كما جرى بالنسبة للشهداء الاربعة في الاشتباك الاخير في هيت في محافظة الانبار.
ويقول مصدر عراقي ل”جورنال” ان “طريقا عبدها الالاف من ابناء الحشد بدمائهم، لن تثني الحشد، لا عن المضي في طريق الدفاع عن العراق، ولا عن حماية الاشقاء واغاثتهم”.