بغداد – “جورنال”
عاشت المدن الجنوبية في العراق موجة احتجاجات شعبية عارمة بسبب نقص الخدمات المقدمة لهم وبالتحديد في قطاعي الكهرباء والماء، ولم تفلح التطمينات الحكومية عبر توفير اصلاحات عاجلة للمحافظات الجنوبية في تهدئة الاجواء المشحونة في صفوف المتظاهرين والتي طالت العديد من مقرات الدولة والاحزاب السياسية.
الاحتجاجات قد تكون بمثابة الضربة القاضية نحو طموح رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في الحصولة على ولاية جديدة بعد الانتخابات التي جرت مؤخرا، لكنها في الوقت ذاته لا تعطي اي افضلية لاي قوى سياسية اخرى https://journal-lb.com/article/2576 باعتبار ان جميعها كانت مشاركة في ادارة الحكومات منذ نهاية حكم النظام السابق في العام 2003، لكنها شكلت في الوقت ذاته فرصة لدحرجة كرة انهيار العراق نحو ايران خصوصا ان هذه المظاهرات جاءت بعد قطع امدادت الكهرباء الايرانية عن المدن الجنوبية ،القطع الذي أكدت طهران وبغداد اكثر من مرة على انه فني وليس سياسيا.
وتجد الحكومة العراقية نفسها عاجزة عن توجيه اي اتهامات مباشرة للمحتجين رغم اقتحامهم لأماكن حيوية مثل مطار النجف والمصافي النفطية، خصوصا ان شعار :الكهرباء والماء هو ما رفعه المحتجون خلال تظاهرهم ،وهو ما يؤكد فشلا حكوميا مستمرا منذ العام ٢٠٠٥ لحل هذه المشكلة.
وكان من المستغرب ان تندلع هذه الاحتجاجت التي شهدت مقتل عدد من المتظاهرين حتى الان بعد اقل شهرين فقط على اجراء الانتخابات البرلمانية وما صاحبها من تشكيك واسع النطاق في صحة النتائج المعلن عنها من قبل احزاب عراقية كثيرة، وإلا كيف للشعب العراقي وخصوصا في المحافظات الجنوبية ان يختار لغة الاحتجاجت في الشارع لتحسين اوضاعه الخدماتيه تاركا الفرصة الاهم وهي اخيتار ممثليه في البرلمان فيما الحكومة لم تتشكل حتى الان؟
لا إجابة قطعية على هذا السؤال، لكن من خلال التدقيق في عدد من النقاط المهمة قد يتكشف الاتي:
اولا:عدم ثقة الشارع العراقي في مجمل العملية الانتخابية لتحسين الاوضاع المعيشية وذلك بالنظر الى تدني نسبة المشاركة الى ٤٤% بعد ان كانت ٦٦% في انتخابات العام ٢٠١٤ و٦٢% في انتخابات العام ٢٠١٠. ولعل التراجع بالنسبة الى هذا الحد في الانتخابات الاخيرة ليس بسبب الحرب على الارهاب وعلميات النزوح كما روج لها الاعلام، بل هي بسبب عدم الثقة .
ثانيا :اشعال فتيل هذه الاحتجاجات جاء للتغطية على عمليات التزوير في الانتخابات الاخيرة، كما قال العديد من المراقبين، خصوصا بعد ان تم اصدار قرار اعادة الفرز اليدوي وما تلاه من حرق متعمد للصناديق الانتخابية المخزنة في بغداد.
ثالثا :يشهد العراق احتجاجت مماثلة منذ سنوات عديدة لكن تطورها بهذا الشكل المفاجئ والواسع، يشير الى احتمال ان تكون ايادي خارجية تقف خلفه في مسعى ، اما لاعادة خلط الاوراق في العراق وعدم استقراره خصوصا بعد تحرير اراضيه من ارهابي “داعش”. وكان من اللافت ان بعض وسائل الاعلام السعودية، تعاملت مع التظاهرات كأنها انتفاضة ضد الدور الايراني في العراق، وضد القوى التي ترتبط بعلاقات جيدة مع طهران.
رابعا: هذه الاحتجاجت وما شهدته من حرق لمقارات الاحزاب السياسية هي بفعل تحريك بعض القوى السياسية لانتزاع تنازلات من اجل تشكيل الحكومة المقبلة.
ويتذمر ابناء الجنوب العراقي من ما وصفوه بعملية تهميش ليس من قبل نظام صدام حسين وحسب، بل حتى من الحكومات المتعاقبة بعد سقوطه، وذلك رغم تواجد العديد من الموارد الاقتصادية الحيوية في الجنوب بالاضافة الى انه كان الركيزة الاسياسية للتطوع في “الحشد الشعبي “والجيش العراقي خلال حرب تحرير نينوى من الجماعات الارهابية.