الرئيسية » Uncategorized » هذا بعض ما فعلته الفيروسات بالبشرية على مر القرون

هذا بعض ما فعلته الفيروسات بالبشرية على مر القرون

اثار فيروس كورونا الجديد هلعا واسعا حول العالم في الاسابيع الماضية، بعدما اوقع الاف الضحايا من قتلى ومصابين. الا ان شواهد التاريخ تقول لنا انه حتى الان، يبدو محدود الخطر مقارنة بفيروسات اخرى قهرت البشرية عبر التاريخ وذهب ضحيتها ملايين الناس والحقت خرابا هائلا بمجتمعات وشعوب، وغيرت مصائرها..

خليل حرب

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

وصلت الى مئة الف حالات الاصابة بفيروس الكورونا حول العالم، خصوصا في الصين. بدات الحكاية عندما تلقت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الاول 2019، انذارا بوجود حالات التهاب رئوي متعددة في مدينة ووهان الواقعة في اقليم هوباي في الصين، وتبين ان سمات الفيروس لا تتطابق مع فيروسات اخرى معروفة للاطباء حتى الان.

كان على العالم ان ينتظر حتى 7 كانون الثاني 2020، لتؤكد بكين انها تواجه فيروسا جديدا سمي فيروس كورونا المستجد، وانه ينتمي الى فصيلة فيروسات تسبب نزلات البرد المتعارف عليها ومتلازمة سارس ومتلازمة الشرق الاوسط التنفسية، وانه ينتقل من طريق الجو في حالات التنفس والعطس والسعال، ما دفع منظمة الصحة العالمية الى اعلان حالة الطوارئ العالمية بعد ثبوت تسلله الى عدد من دول العالم.

مهما يكن، فان كورونا المستجد يبدو كانه فيروس وديع مقارنة بفيروسات تسببت بأوبئة على مر التاريخ، وغيرت مسار البشرية وقدرتها على الاستمرار احيانا ليست قليلة. لعل من اكثر الامثلة بشاعة التي يمكن التوقف عندها، ما جرى مع السكان الاصليين للاميركيتين بعدما وصلت طلائع المستوطنين الاوروبيين لغزو اراضيهم حيث جلبوا معهم فيروسات لم تألفها اجساد السكان الاصليين، وانتشر بينهم الجدري والحصبة والحمى والتيفوئيد وغيرها من الاوبئة التي حصدت ملايين الارواح، وسهلت استيلاء الاوروبيين على اراضيهم الشاسعة، واضمحلال ثقافات ومجتمعات الهنود الاصليين بعدما راحت اعدادهم تتناقص منذ بدايات القرن السادس عشر بفعل الامراض القاتلة. هناك بالفعل تقديرات غير مؤكدة تتحدث عن فناء نحو 80 في المئة من السكان الاصليين بسبب هذه الاوبئة، اي ما يقدر بعشرات الملايين من البشر.

لعل وباء الموت الاسود من بين الاكثر شهرة على مستوى العالم، وقد ضرب مناطق عدة وشاسعة في القرن الرابع عشر، وهو طاعون تسببت به بكتيريا اليرسينيان وخلال سنواته الطويلة اودى بارواح 75 مليون انسان، غالبيتهم في اوروبا، بعدما انطلق من الصين او آسيا الوسطى وانتقل مع التجار والمحاربين على طول طرق التجارة الدولية وقتها الى شبه جزيرة القرم والقسطنطينية وغرب اوروبا وشمال افريقيا، ودمر خلال اجتياحه مدنا عدة، وظل يعصف باوروبا عبر موجات من الطاعون بلغت اكثر من مئة وصولا الى القرن الثامن عشر.

يرصد العلماء العديد من الاوبئة التي ضربت انحاء العالم حتى قبل سنوات طويلة من الميلاد. في مصر الفرعونية مثلا، اصابها في العام 1650 قبل الميلاد طاعون دبلي وانفلونزا النزلة الوافدة التي اودت بارواح كثيرين. هناك ايضا طاعون اثينا الذي سببته الحمى التيفية وضربت المدينة في العام 430 قبل الميلاد،. يعتقد بعض المؤرخين انه اثر في الحرب التي كانت دائرة بين اثينا وحلفائها الذين كانوا على وشك الانتصار، وبين اسبارطة وحلفائها، ومهد لسيطرة المقدونيين لاحقا على اليونان.

يستعاد ايضا في هذا الاطار وباء عرف باسم الطاعون الانطوني الذي ظهر في العام 165 ميلادية، واشتق اسمه من عائلة الامبراطور الروماني ماركوس اوريليوس انطونينوس الذي مات بالمرض كسلفه الامبراطور لوسيوس، ويعتقد انه تفش للجدري او الحصبة التي حملها الجنود الرومان العائدين من حملات الغزو في الشرق الادنى. وكان نحو الفي شخص يموتون يوميا بسببه، وبالاجمال اودى بارواح خمسة ملايين انسان، اذ تفشى مجددا بعد تسعة اعوام، وحصد ارواح ثلث سكان مناطق الامبراطورية، ودمر الجيش الروماني نفسه.

ثمة موجات لا تحصى من الفيروسات والاوبئة التي اجتاحت حياة البشر. في العام 1770 ضربت موسكو بالطاعون، وتسبب بالاضافة الى فناء كثيرين، الى اعمال شغب وقلاقل اجتماعية لكثرة ما احدث من خسائر وموت.  وفي العام 1852، انتشر وباء الكوليرا الثالث والذي وصف بانه الاكبر في العالم، ويعتقد انه نشأ في الهند ومنها انتشر الى العالم. وفي العام 1855، ظهر وباء الطاعون الثالث في احدى مقاطعات الصين، وتواصل لعشرات السنين وعبر موانئها انتقل الى انحاء مختلفة من العالم عبر الفئران المعدية، ويعتقد انه تسبب في موت عشرة ملايين انسان في الصين والهند فقط حتى خمسينات القرن العشرين.

لا يقف الامر هنا. قتل طاعون ميلان العظيم في العام 1629، نحو 280 الف شخص في مدينتي لومباردي والبندقية التي خسرت الكثير من حضورها ودورها الاقليمي الواسع. اما في مدينة فيرونا، فقد فقدت 33 الفا من اهلها، اي نحو 60% في سكانها. اما في مدينة ميلان، فقد توفي فيها 60 الف شخص من سكانها الذين كان عددهم 130 الف نسمة.

يعتقد ان طاعون لندن العظيم قتل 100 الف من اهلها في العام 1665، اي ما يعادل خمس سكانها في ذلك الوقت، وذلك بسبب بكتيريا اليرسينيا الطاعونية والتي تنتقل عن طريق البراغيث. وقبل ذلك، بكثير، وتحديدا في العام 541، اصيبت القسطنطينية بوباء الطاعون، وقد كان شديد التدمير لدرجة انه توسع الى وسط وجنوب اسيا واوروبا وصولا الى الشمال نحو الدنمارك وغربا الى ايرلندا. بسببه، كان خمسة الاف انسان يموتون يوميا في القسطنطينية، في حصيلة وصلت الى 40 في المئة من سكان عاصمة الامبراطورية البيزنطية، وربع سكان مناطق شرق البحر الابيض المتوسط.

ان النظرة السابقة على بعض الاوبئة التي اصابت الانسان، تجعل المرء يعتبر ان فيروس كورونا الجديد مجرد نزهة بسيطة. تعزز هذه الفكرة نظرة سريعة ايضا على اوبئة الانفلونزا التي اصابت البشرية خلال القرن العشرين. وباء الانفلونزا العظيم في العام 1918، وصف بانه الاكثر تدميرا في التاريخ، حيث يعتقد ان ضحاياه وصلوا الى نحو 40 مليون انسان. ثم في العام 1957، جاءت الانفلونزا الاسيوية المنتقلة من الطيور التي اودت بحياة مليوني شخص. ثم جاءت موجة جديدة من الانفلونزا في العام 1968، انطلقت من هونغ كونغ، وتسببت في موت نحو اربعة ملايين انسان، بعدما امتدت الى الهند والفلبين واستراليا وبريطانيا واليابان وشرق اوروبا وجنوب القارة الاميركية وافريقيا، بالاضافة الى الولايات المتحدة التي انتقل اليها الفيروس من خلال الجنود الاميركيين العائدين من حرب فيتنام.

http://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/78-4.pdf

يمكن القول في الختام، انه عبر الاف السنين، ما زالت الفيروسات السبب الاكبر لوفاة الانسان، وتتخطى حصيلتها ضحايا الحروب وكل اسباب الوفاة الاخرى، لكن الانسان وان كان في حالة صراع معها، فانها جزء من التكوين الطبيعي للحياة واستمرارها، فهي تسمح بالنقل الطبيعي للجينات والتنوع الجيني، وتساعد في مجال علم الوراثة لفهم الجينات والحمص النووي، وفي قتل البكتيريا، وتساعد في التوازن السليم في النظم الايكولوجية المائية، بينما يامل العلماء في النجاح باستخدام الفيروسات في علاج الكثير من الامراض الوراثية بالاضافة الى السرطان. 

لكن كل ذلك لن يبدل حقيقة ان الفيروسات، جارنا الضئيل جدا في هذه الحياة، لا يؤتمن جانبه، فالتاريخ علمنا هذه الحقيقة بكثير من الضحايا.

عن جورنال