علينا ان نعترف بأن عدونا منحنا ما يكفي من الوقت لنحاربه بكفاءة، لكننا لم نفعل.
وعلينا أن نقر بأن عدونا يتربص بنا منذ زمن طويل، لكننا أحيانا كثيرة، كنا نشيح بوجوهنا جانبا كأننا لا نراه ونصلي ألا يرانا.
عدونا يرانا ويعرف دواخلنا وعيوبنا ونواقصنا، ويتوغل فيها وفينا، باحثا عن ثغراتنا وأوجاعنا وأمراضنا الكامنة.
عدونا قديم، قدم هذه الحياة، ويلبس في كل عصر، زيا يلائم الأزمنة والأمكنة التي يتحين الفرصة ليظهر فيها.
علاقتنا بعدونا جدلية ومعقدة. يضمر لنا الشر ونريد نحن – بالتأكيد – الموت له. فاذا غزا، لم يميز بين ليل ونهار، ولا بين صبح ومساء، ولا بين صيف وشتاء. يغزو هكذا كما يفترض بأصول الغزو ان تكون.
ثم يهادننا أحيانا ونحن نتصارع معه، لان الهدنة تناسبه في هذه اللحظة بالذات، وليتحايل على مقاومتنا، ويهيئ نفسه لغزو جديد.
عدونا ليس جاهلا. محنك حد الدهشة، ولقد برهن على ذلك من خلال ضحايانا وموتانا وخرابنا الاقتصادي وعجز عقولنا.
ومحنك هو بدرجة تتيح له التحالف مع خصومنا الآخرين، ليعزز حربه علينا، وقهرنا بجبروته.
تعلمنا ان عدونا لا يمكننا التعايش معه. انه يقول بالفم الملآن :” أنا أو أنتم”. لا يعرف دينا ولا عقيدة.
ما ضيع فرصة للنيل منا ومن حياتنا، ولم يرأف بنا، حتى عندما نادينا بالصلح معه، تحور وتبدل ليكون أكثر قسوة في الغزوات المقبلة.
ولقد هزمنا. علينا ان نعترف الآن اننا أعجز منه وأكثر ضعفا، وانه أكثر جرأة وبطشا، وأننا كلما حاربناه يستولد ابناء أكثر حقدا وشيطنة.
هو صاحب أنفاس طويلة، ونحن من أصحاب النفس القصير. وكلما إشتد عوده، تعبت أنفاسنا أكثر.
هو من أصحاب “صبر أيوب”، ونحن “كعب أخيلنا” مكشوف أمامه كورقة بيضاء. هنا في هذه البقعة يميتنا اذا شاء.
أما دفاعاتنا، فلا تصمد ولو كانت لها اسوار حلب والقدس والقاهرة وقرطاجة.
وما زلنا نلهث خلف سلاح لنقهره، فلا نجد الى ذلك سبيلا، وقد فرقتنا أنانياتنا واهواؤنا وغرائزنا، وكأننا في العراء أمامه.
لم نتفق على فكرة أوعقيدة ولا على وسيلة او أداة نرد بها أذيته عنا. اختلفنا على كيفية الموت أمامه، وهو يرمقنا بسخرية.
ويقال الان انه آت هذه المرة بهجوم كبير. سيستغل ضباب الشتاء وبرده، وسيتفنن في إصطيادنا واحدا تلو الاخر متفرقين كتفرقنا الذي أضعفنا وأنهكنا امامه.
لقد هزمنا. وعلينا ان نعترف ونقر بذلك مرة واحدة الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا. والصراع غير متكافئ ولا أمل بخلاص وشيك، ونحن غارقون في طوفان التساؤلات والخوف ومعاني الحياة.
مليون انسان ماتوا. ثلاثون مليون انسان تحت الخطر في هذه اللحظة بالذات. لسنا الكائنات الاقوى على الارض.
فيروس ضئيل حطم ثقتنا بأنفسنا وعنجهيتنا.
متوحشون نحن، وعدونا هو الذي فضحنا، وما من حل أمامنا سوى التطبيع.
سنسير بانكسارنا في طوابير التعايش معه… لا مفر.
عائدون الى الحياة .. والفيروس