الرئيسية » العالم والخليج » كورونا : ايطاليا اليتيمة ومبدأ التضامن الأوروبي

كورونا : ايطاليا اليتيمة ومبدأ التضامن الأوروبي

كتب محمد فوزي :

مثلت إيطاليا حالة استثنائية وملفتة ومأساوية في خارطة انتشار فيروس كورونا عالميا، سواء من حيث انتشار الوباء المهول بها وتحولها لبؤرة له، أو من حيث المعدل المرتفع والمتزايد للوفيات فيها، فقد سجلت البلاد حتى اليوم ما يزيد على 92 ألف إصابة وفقد الإيطاليون أكثر من 10 آلاف من أبناء وطنهم وأحبائهم بسبب هذا الوباء اللعين.

الحقيقة أن إيطاليا قد شعرت باليتم وأحست أن رفاقها الأوروبيون قد خذلوها وقاموا بخيانتها في خضم هذه الكارثة.

ففي الووقت الذي تفشى فيه الفيروس في ايطاليا وتضخمت معدلات انتشاره وخرجت الأمور عن السيطرة لم تر إيطاليا أي نوع من أنواع الدعم من حلفائها وشركائها الأوروبيين بل على العكس قام عدد من دول الاتحاد الأوروبي بغلق حدوده معها خوفا من انتشار الفيروس، وصرح آخرون بأن هذه مشكلة إيطاليا ويجب عليها حلها.

ومع معاناة إيطاليا من أزمة مرتبطة بنقص المستلزمات الطبية الوقائية وضعت ألمانيا ( التي ساعدت على مضض ) قيودا على تصدير هذه المستلزمات للخارج لان النظام الصحي في المانيا يحتاج اليها، وهي الأمور التي أفضت في محصلتها حتى اليوم إلى طرح تساؤلات مثل:

أين دول الجوار؟! أين شركائنا الأوروبيين؟! أين هي مقتضيات مبدأ التضامن الأوروبي؟! أين هو الحليف الأمريكي؟!

كانت المفاجاة بالنسبة لإيطاليا شعبا وسياسيين على حد سواء هي بروز الدور الانساني والدعم من قبل الصين، وروسيا، وكوبا، في الوقت الذي غاب فيه شركاؤها الرئيسيون حتى اليوم ولم يكن لهم أي دور واضح تجاه الأوضاع المأساوية في عاصمة الفن والجمال والعمارة والحضارة والثقافة، تلك العاصمة التي انطلقت على أرضها مسيرة الاتحاد الأوروبي عبر معاهدة روما 1957.

والحقيقة أن هذا الدور والدعم الذي قدمته الصين ومن خلفها روسيا وكوبا يأتي في إطار ما يطلق عليه أساتذة وباحثوا العلوم السياسية “هيكل الفرص” حيث السعي لتوظيف هذه الأزمة واستغلال الفرصة والظهور بمظهر الدول المساندة التي تعلي من القيم الانسانية في مواجهة أنانية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والحاصل أن هذه التحركات الصينية كان لها بعض الآثار التي ترتبت عليها والتي تحمل في طياتها دلالات مهمة.

ولننظر مثلا إلى الواقعة التي تداولتها المواقع الصحفية والإعلامية عن قيام بعض المدن والبلدات الإيطالية بإنزال علم الاتحاد الأوروبي من على السواري ورفع علم الصين بدلا منه تقديرا لها على الدعم الذي قدمته وتقدمه لإيطاليا، هذا فضلا عن التداعيات السلبية الناتجة عن الموقف الأوروبي في الشارع الإيطالي والأوساط السياسية وهو ما عبرت عنه مقاطع الفيديو التي تم تداولها لإيطاليين والتي عبرت عن لسان حال الشارع الإيطالي وحملت رسائل تعبر عن سخط الشعب تجاه الموقف الأوروبي مما تعاني منه إيطاليا، ووصولا إلى تصريحات المسؤولين الإيطاليين التي هاجمت واستتكرت هذا الموقف.

كان الكثيرون يرون في دول الاتحاد الأوروبي أنهم دولة عظيمة واحدة مبنية على أساس أفكار “التنوع في إطار الوحدة” والتضامن والتعاون ووحدة المصير، لكن الحاصل أن دول الاتحاد الأوروبي في تعاطيها مع هذه الأزمة التي لم تفرق بين أحد قد انكفئت كل منها على نفسها واهتمت بمواطنيها الذين يقيمون داخل حدودها الوطنية ولم تبد أي تضامن أو دعم لدول الجوار كإيطاليا والتي تخلت عن حدودها الوطنية لمصلحة الحدود الأوروبية المفتوحة، وهو الأمر الذي كشف عن وجود خلل واهتراء في بنية مبدأ التضامن الذي قامت عليه فكرة الاتحاد الأوروبي.

كل ما سبق وحجم التفاعلات السريعة اليومية المرتبطة بكورونا والموقف السلبي لدول الاتحاد الأوروبي من الأزمة، بالتزامن مع الدعم الصيني والروسي وإمكانية تعميق العلاقات بينهم وبين الجانب الإيطالي، يطرح تساؤلات كثيرة مرتبطة بمآلات الوضع بين الحلفاء الأوروبيين بعد انقضاء الأزمة، وإمكانية نشوء تحالفات جديدة وتبدد تحالفات أخرى قديمة أو حتى كون هذه التطورات تدفع في إتجاه عمل مراجعات وإصلاحات متعلقة بالاتحاد الأوروبي وغيرها من التساؤلات المرتبطة بالتفاعلات الدولية في هذا السياق.

والحقيقة أن إبداء تصور في هذا الشأن في هذا التوقيت لهو أمر صعب لكن المؤكد أن العالم ما بعد أزمة كورونا على الأرجح سيكون مختلفا تماما عن عالم ما قبل كورونا.

محمد فوزي

صحافي مصري في “القاهرة24”

https://www.cairo24.com/2020/03/29/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%88%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A/?fbclid=IwAR29qv1IuHQWwYnftNFhcs9XAZS3cuVVYFh7hglAmNchJHwxOjWdVCJPc4M

عن جورنال