في المسار السياسي لكل دولة ثمّة مراحل معيّنة تفرض اجتراح استراتيجيّات إنقاذيّة لإحداث تغييرات بعيدا من أتون الاحتراب السياسي، في لبنان، من جهة تتضخّم الأزمات المعيشيّة والاقتصاديّة، ومن جهة ثانية تتعرّى “أنا السّاسة” بسبب إخفاقاتهم المتلاحقة في البحث عن حلول جدية لملفّات الفساد.
آن الأوان للتّخلي عن مصطلحات جوفاء لا تشبه- ولم تشبه -الواقع اللبناني في وجه من وجوهه، لا اليوم ولا في أيّ مرحلة من المراحل السابقة، ولا سيّما تلك المصطلحات المتّصلة بالرفعة والمجد والسّؤدد والقوّة. عن أيّ دولة قويّة يتحدّثون، وبأي وحدة وطنيّة يتغنّون والبلد مقسوم من أقصاه إلى أدناه على توزيع الحقائب والحصص؟
يحقّ للمواطن، أيّ مواطن، أن يسأل السّلطة عن إنجازاتها، وهو الممنوعة عنه أبسط مقوّمات العيش، والمطلوب منه، في كلّ آن، أن يجوع ليدفع الضّرائب للقطاعين العام والخاص، “وإلّا” شُرّد كما غريب في الصحراء.
الدولة، كل دولة، تكون قويّة عندما تحترم مواطنيها، وتحافظ على كرامتهم، وتمنع إذلالهم.
والدولة، كل دولة، تكون قوية عندما تدعم مراكز الأبحاث والمصانع، وتشجّع الزّراعة وأصحاب المشاريع الصغيرة والكبيرة على حدّ سواء.
كيف تلصق دولة صفة” قوية” بنفسها وهي على حافة الانهيار، أين يبرز مكمن قوّتها؟
ما يظهر على السّطح من تفكّك وتكاثر جرائم وانكسارات ليس سوى انعكاس لخلل في بنية الدولة ومختلف أجهزتها، ما ينذر بحتميّة السّقوط إذا لم تتداعَ القوى الممسكة بزمام الحكم إلى التّخلّي عن أطماعها الشّخصيّة ونبذ التعاطي مع البلد المؤتمنين على ما تبقّى من ثرواته، كما لو كان إرثًا يحقّ لهم أن يتقاسموه ويتنعمّوا به، مضيفين إلى أسلافهم المزيد من الانتهاكات بحق المواطن الذي لا يزداد إلّا جوعًا ومهانة وفقرًا…
أين هم أصحاب السّلطة من الجرأة في اتّخاذ القرارات المصيريّة؟ متى الشروع في العمل الجادّ على خدمة الوطن بدلًا من المصالح الخاصّة، وبحث سبل التعاون لا الفتنة، وترجمة حقّ المواطن بالعيش الكريم فعلًا لا قولًا؟ إلى متى يستمرّ التِّلاعب بأرواح المواطنين والمتاجرة بهم؟
غياب أجهزة الرقابة وعدم فاعليّة أجهزة التفتيش والمحاسبة في مفاصل الدولة لا يعني إباحة المال العامّ. ما يتم هدره وسرقته يعيد البلد سنوات ضوئية إلى الوراء، ويُغرِق المواطن في مستنقعات العتمة والنفايات والجهل. ولكن ذلك كلّه يتمّ على عزف دخان نرجيلة خدّر بها المواطنُ عقله وارتضى أن يكون عبد أصنام تعيقه عن التفكير في مستقبل يرقى به إلى مصافّ الإنسانيّة الحقّة.
نازك بدير
اقرأ أيضا https://journal-lb.com/article/2589