الرئيسية » منوعات و رياضة » أجراس روسيا… لها حكايات من التاريخ

أجراس روسيا… لها حكايات من التاريخ

 

للأجراس الكنيسية أهمية كبرى في التقليد الشعبي والديني الروسي. لها وظائف عدّة، تتفاوت بين دعوة الناس إلى الصلاة، كما هي الحال في معظم الكنائس الشرقية والغربية، وبين التحذير من حريق، أو هجوم للأعداء،  علاوة على كونها وسيلة للتواصل الاجتماعي في أفراح الناس وأتراحهم… كما أنها أداة أساسية لدراسة علم خاص في علوم “الصوتيات”.

 

تتميّز الأجراس الكنسية الروسية في طابعها الفريد، الذي يجد جذوره في التقليد الارثوذكسي الشرقي، وهي سلكت طريقها إلى بلاد الروس، بعد تبنّي المسيحية في القرن السادس عشر، لتتخذ بعد ذلك، خصوصية روسية خالصة، لا سيّما مع انتشارها بالآلاف على امتداد الأراضي الروسية.

 

في مختلف الكنائس الروسية، لا سيما في الكاتدرائيات، يتّسم قرع الأجراس بلمسة فنية عالية، فثمة «مايسترو» يتسلق الجرس ليعزف ألحاناً موسيقية للحي بأكمله. وبالرغم من أن مهارة قرع الأجراس لم تكن تتطلب دراسة موسيقية، إلا أن كثيرين يتعمّقون في هذا المجال، من خلال حلقات تدريب، غالباً ما تتم في أماكن خاصة، تحوي على مجموعة أجراس صغيرة، يناهز عددها السبعة، وتحاكي الأجراس الضخمة للكنائس والكاتدرائيات، وقد تحوّلت تلك الحلقات التدريبية إلى قبلة للأجانب الراغبين في تعلّم مهارات قرع الأجراس.

 

وفي السابق، كانت الأجراس في روسيا تسبك باستخدام المعادن التي يجمعها الناس، سواء كانت الملاعق وأواني الطهي المعدنية، أو مخلّفات الحروب، كما حدث حين تمّ ترميم أحد أبرز الأجراس المعروفة في موسكو من بقايا القذائف والمدافع خلال الحرب الوطنية التي خاضها الروس أمام الجيوش الفرنسية بقيادة نابوليون بونابرت.

 

ولكن بحلول نهاية القرن التاسع عشر، تحسّنت نوعية المعدن المستخدم وجودته، وبات من الممكن سبك اجراس فاخرة، باستخدام تقنيات ومهارات متوارثة جيلاً بعد جيل، وإن كانت ثمة قاعدة واحدة ثابتة منذ القدم، وهي سبك الجرس بنسبة 80 في المئة من النحاس و20 في المئة من القصدير.

 

كما أن ثمة تقليداً متوارثاً لا يزال الحرفيون متمسكين به، ويتمثل في إطلاق شائعة مضحكة وسخيفة قبل الشروع في صناعة الجرس، وكلّما انتشرت هذه الشائعة بشكل أكبر بين الناس، كان الجرس أفضل وأعلى صوتاً.

 

وثمة أجراس في روسيا تتخذ شهرتها من الوقائع التاريخية التي ارتبطت بها، وفي الآتي نستعرض  أهمها:

 

“جرس القيصر”

تمّ تصميمه ليوضع في برج أجراس القيصر إيفان الكبير، وهو يعود إلى عهد سلفه بوريس غودونوف. تعرّض الجرس للتلف مرّتين، وفي كل مرّة كان يتم ترميمه مجدداً، كان يزداد وزناً، ضعفاً أو اثنين. وفي عهد آنّا يوانوفنا، كان الجرس يزن حوالي المئتي طن.

 

أما الأعمال الخاصة بـ«جرس القيصر» فجرت في الساحة الكبرى في الكرملين، بعد سنة ونصف السنة من التحضيرات، وقد استغرق صهر المعدن وصبّه في القالب الخشبي الخاص  36 ساعة.

 

في العام 1737، تعرّض الجدار الخارجي للجرس للتلف، ما أدّى إلى تشققه، وسقوط جزء منه، يقدّر وزنه بـ11.5 طنّاً. وبعد مئة عام، وضع الجرس على قاعدة تمثال صممها المهندس أوغوست مونفيرّان، وتحوّل إلى نصب تذكاري يجسّد براعة العمال والحرفيين الروس.

 

“جرس أوسبنسكي الكبير”

 

تعود تسمية «جرس أوسبنسكي» أو «جرس الانتقال» إلى التقليد الارثوذكسي الخاص بانتقال السيّدة العذراء بالجسد إلى السماء. ويعد هذا الجرس الأكبر ضمن مجموعة أجراس برج إيفان الكبير. تمّ تصنيع الجرس بصهر المعادن التي كانت تعود إلى أجراس قديمة، تمّ تدميرها خلال الحرب الوطنية (1812)، وهي تعود إلى أحد الأبراج الملحقة ببرج إيفان الكبير، التي قام جنود نابوليون بتفجيرها. ولتخليد الانتصار على الجيوش الفرنسية، أضيفت إلى هذا الجرس معادن من مخلّفات مدافع الغزاة المهزومين. وأشرف على تنفيذ «جرس أوسبنسكي الكبير» المعلّم ياكوف زافيالوف، الذي كان في التسعين من عمره، والذي سبق أن شارك، قبل ذلك بستين عاماً، في تنفيذ جرس «أوسبينسكي» السابق.

 

قبل «الثورة البلشفية» كان الجرس يقرع بأنغام احتفالية في عيد الفصح، ولكنّ هذا التقليد توقف خلال الحقبة السوفياتية، إلى أن استعيد مجدداً في العام 1993.

 

“جرس الثالوث الأقدس”

 

يقع هذا الجرس في دير الثالوث الأقدس المعروف باسم «لافرا الثالوث الأقدس – القديس سرجيوس» في مدينة سيرغي بوساد، وهو يتميّز بنغماته الميلودية المصمّمة بدقّة فائقة.

 

تمّ تصنيع هذا الجرس بمرسوم صادر عن الامبراطورة اليزابيت بتروفنا في العام 1748، ويبلغ وزنه 65 طنّاً، وقد رفعه على البرج حشد من 300 رجل.

 

خلال الحقبة السوفياتية، وفي إطار الحملة المناهضة للدين، في عهد ستالين، تمّ إسقاط 20 جرساً عن برج الدير، بما فيها «جرس الثالوث الأقدس”.

 

وفي العام 2003، أعيد ترميم الجرس، بالتقنية القديمة ذاتها، القائمة على صهر القصدير والنحاس، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع وزنه إلى 72 طنّاً.

 

جرى تزيين الجرس بصور قدّيسين، واستغرق رفعه على البرج قرابة الساعة، ظلت خلالها أجراس كنائس الدير تقرع من دون توقّف.

 

“الجرس الاحتفالي الكبير”

 

هو الجرس الرئيسي في كنيسة المسيح المخلص، وثالث أكبر جرس موسكوفي من حيث الوزن (أكثر من 26 طنّاً). أصابه ما أصاب الكنيسة، حين هدمت في الثلاثينيات من القرن المنصرم. الجدير بالذكر أنه من بين الأجراس الأصلية لكنيسة المسيح المخلص، تمّ حفظ جرس واحد في «دير الثالثوث الأقدس – القديس سيرجيوس»، أما بقية الأجراس فأعيد تصنيعها، انطلاقاً من الصور الفوتوغرافية القديمة، وذلك بمشاركة من المختصين في الموسيقى الروسية القديمة، الذين استندوا بدورهم إلى الكتب والنوطات الموسيقية التراثية.

 

وتمّ تصميم الجرس، الذي رُفع للمرّة الاولى في العام 1812، احتفاءاً بالانتصار على الجيوش الفرنسية في الحرب الوطنية، ليكون صوته وفق السلّم الموسيقي الصغير «مينور». وقد عاد ليقرع، إلى جانب الأجراس أخرى في كنيسة المسيح المخلص، في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم.

 

“أجراس برج روستوف”

 

هي عبارة عن مجموعة فريدة من نوعها، تمّ رفعها على برج كاتدرائية الصعود في كرملين روستوف.

 

كان أسقف روستون يوان (1607-1690) يحب قرع تلك الأجراس بنفسه، وقد تحدّث عنها قائلاً «في منزلهم أجراس تثير دهشة الناس».

 

أشهر أجراس برج روستوف السبعة عشرة هي «جرس سوزوي»، الذي يزن 38 طناً، و«جرس بوليليني» الذي يزن 16 طناً، و«جرس سوان» الذي ينتهي به السلم الموسيقي للمجموعة الكاملة، والتي أثارت أصواتها إعجاب القيصر نيكولا الثاني، ما جعله يقيم في أحد المنازل الصيفية القريبة من المكان.

 

“جرس أوغليتش المنفي”

 

 

 

لهذا الجرس قصة مثيرة، جعلته أحد أشهر نواقيس الإنذار في تاريخ روسيا، فهو الذي أنبأ أهالي أوغليتش بمقتل القيصر الصغير دميتري، ابن القيصير إيفان الكبير، في العام 1591.

 

ويُقال أن الملكة ماريا ناغا، هي من أمرت بقرعه، حيث تجمّع الناس، وبدأت تتوالى أخبار عن ملابسات الجريمة، فانفجرت الحشود الغاضبة للقصاص من المتهمين بقتل القيصر الطفل دميتري، الذي كان يبلغ من العمر ثمانية أعوام.

 

وتعود أسباب تلك الإضطرابات إلى الصراع على العرش بعد وفاة ايفان الرابع (الملقب بإيفان الرهيب)، فقد كان للقيصر ثلاثة أبناء، هم إيفان وفيودر ودميتري، وكان الأكبر هو وريث العرش، ولكن ايفان قتل على يد أبيه، الذي كان في حالة غضب، فانتقلت العرش إلى فيودور، الذي توفي غروزني، من دون أن يترك أولاداً، ما يعني أن دميتري، أي الطفل القتيل، قد أصبح ولي العهد. وفي نهاية المطاف انتقل العرش إلى بوريس غودونوف، لينتهي بذلك حكم سلالة روريك.

 

نتيجة لتلك الأحداث، تمّ إنزال الجرس عن البرج، وجرى «نفيه» إلى توبولسك، حيث «خدم» في عدّة كنائس، قبل أن يتعرض للتلف بسبب حريق.

 

وفي عام 1890، تمّ شراء الجرس من قبل متحف توبولسك، وبعد ذلك بعامين، أعيد رسمياً إلى أوغليتش، وتحديداً إلى إلى «كنيسة الأمير ديمتري المراق دمه».

 

“جرس خيرسونيسوس”

 

 

يعود تاريخ هذا الجرس إلى العام 1778، وقد صنع بصهر المدافع التي خلّفها الاتراك، ليوضع في كنيسة القديس نيكولاي في مدينة خيرسونيسوس في شبه جزيرة القرم، تخليداً لبطولات الجنود والبحارة الروس.

 

في بداية القرن التاسع عشر، تمّ نقله إلى سيفاستوبول، قبل أن يجد طريقه إلى كنيسة نوتردام في باريس، غداة حرب القرم بين الأمبرطورية الروسية والأمبراطورية العثمانية.

 

في العام 1913، ونتيجة لجهود الدبلوماسيين، أعيد الجرس إلى دير خيرسونيسوس، كرمز لـ«الاتحاد والصداقة» بين روسيا وفرنسا.

 

وبرغم تحوّل مباني الدير إلى مجرّد متحف، خلال العهد السوفياتي، إلا أن الجرس ظل يقرع، بعدما بات «منارة صوتية» للسفن المبحرة باتجاه سيفاستوبول في حالة وجود ضباب.

 

“جرس دير سولوفتسكي”

 

يعد هذا الجرس نصباً للبسالة العسكرية، وهو هدية قدّمها الأمبراطور الكسندر الثاني، تخليداً لذكرى الدفاع البطولي عن دير سولوفتسكي في العام 1854، حين أوقفت مدفعيتان ساحليتان، وثمانية مدافع أخرى كانت منصوبة على جدران الدير، هجوم الفرقاطتين البريطانيتين «بريسك» و«ميراندا».

 

وبالرغم من أن الفرقاطتين البريطانيتين أطلقتا حوالي 1800 قذيفة وقنبلة، خلال تلك المعركة، إلا أن الدير لم يصب بأذى، ولم تستسلم حاميته.

 

ويبلغ وزن هذا الجرس 1.2 طن، وهو يحوي رسوماً بانورامية لدير سولوفتسكي، وصوراً تجسّد معركة الدفاع عن المدينة.

 

وبالرغم من تهدّم الكنيسة الصغيرة التي رفع فيها الجرس، إلا أن الأخير نجا بمعجزة.

 

“جرس دير سافينو – ستوروجيفسكي”

 

 

هو شعار مدينة زفينيغوراد. يبلغ وزنه 35 طناً، وهو ينتصب في ساحة الكاتدرائية الرئيسية في وسط دير سافينو ستوروجيفسكي، وعليه تسعة صفوف من النقوش، ثلاث منها، في الأسفل، تحمل كلمات مشفّرة، يقول الباحثون إنها ترمز إلى القيصر اليكسي ميخائيلوفيتش.

 

كان صوت الجرس يعد أجمل الأصوات في العالم: رخيم، كثيف، ومتناغم بشكل مدهش.

 

في العام 1941، خلال الهجوم الألماني على موسكو، فشلت محاولة لإنقاذ الجرس، إذ تحطّم، خلال محاولة إزالته من برجه، واستخدم المعدن لأغراض عسكرية.

 

“جرس كاتدرائية نيجني نوفغوراد”

 

 

نُصب هذا الجرس في كاتدرائية مدينة نيجني نوفوغوراد عند التقاء نهري أوكا وفولغا. وهو يعد واحداً من أكبر أجراس روسيا، ويبلغ وزنه 64 طناً، وقد تمّ صنعه في العام 2012، تخليداً للذكرى الأربعمئة لتأسيس قوات نيجني نوفوغوراد الشعبية على يد البطلين الروسيين كوزما مينين والأمير دميتري بوزارسكي. تمّ تزيين الجرس بالرموز المنحوتة، والتي تصوّر قدّيسي نيجني نوفوغوراد، الكسندر نيفسكي، ومؤسس المدينة الأمير يوري فسيفولودوفيتش.

 

(عن موقع المسكوبية)

تعرّف على أشهر 10 أجراس في تاريخ روسيا

عن جورنال