على مرّ العصور، كانت الدمى، ولا تزال، حاضرة بقوّة في الثقافة الشعبية الروسية، بما يتصل بها من عادات وتقاليد وطقوس، يعود الكثير منها إلى الأزمنة الوثنية.
وللدمى في الثقافة الشعبية وظائف عدّة، معظمها مرتبط بالغيبيات، إذ كان يُعتقد أنها تساعد في اللحظات الحرجة من حياة الناس، فهي «تحصّن» الطفل من الأمراض، و«تحمي» الأسرة من الروح الشريرة والعين الحاسدة… إلى آخر تلك المعتقدات الفطرية، التي يتشارك فيها الروس مع شعوب أخرى، بما في ذلك شعوب منطقتنا العربية.
ولهذا السبب، كانت ثمة قواعد عدّة متّبعة في تشكيل الدمية نفسها، إذ كان ضرورياً أن تصنعها النساء حصراً، وأن تستخدم في صنعها خرق القماش من الملابس القديمة، وألا تستعمل في ذلك المقصّات والإبر، فيما كان محظوراً أن تُرسم لها أوجه، لكي لا تستقر “الروح الشريرة فيها”.
تمائم الزواج
كانت الدمى تستخدم كـ«تمائم» في مناسبات عدّة، أبرزها الزواج.
ومن أشهر الدمى المخصصة لهذه المناسبة، دمية مزدوجة تعرف باسم «روكي» (الأيدي)، وهي تحاك حول عود خشبي، وتجسّد العريس وعروسه. وفي الغالب، كان جسد الدمية العروس يتكوّن من لفائف من الخرق البيضاء، فيما ينبغي أن تكون تنورتها من القماش الأحمر، ورقبتها محاطة بمنديل بألوان زاهدة. وأمّا الدمية «العريس»، فكان يرتدي سروالاً وحذاءاً وقميصاً أحمر اللون. وللون الأحمر أهميته في الثقافة الشعبية الروسية، إذ يرمز إلى الرغبة في الثروة والصحة والسعادة.
وفي الغالب، كانت تلك الدمية تعلّق على قوس يمرّ العروسان من تحته، ومن ثم توضع في مكان بارز في المنزل.
وثمة دمية مشابهة لـ«روكي»، ولكنها أصغر حجماً، تعرف باسم «روشا»، وهي تستخدم لتزيين كعكة أو فطيرة الزواج، وهي تجسّد عروسين تمّ ربطهما حول غصن صغير، كإشارة إلى اندماج الرجل والمرأة في جسد واحد.
وفي كثير من الأحيان، كانت تقدّم للعروس دمية خاصة تعرف باسم «بيليناشكا»، وهي تتكوّن من قماش مأخوذ من لباس طفل. وكان ينبغي أن تقوم الأم بتصنيعها، وإن تعذّر ذلك، فيكون ذلك من قبل إحدى القريبات الأكبر سنّاً، مع شرط أساسي، وهو أن يكون لديها أطفال. وكانت هذه الدمية تُحفظ بعناية، لتوضع عند ولادة الطفل في سريره، وذلك لكي تحميه من الأرواح الشريرة والأمراض.
كذلك، كانت تقدّم للعروس في يوم زفافها دمية «دسياتيروتشكو» (ذات الأيادي العشر)، والهدف منها، بحسب المعتقدات الشعبية، هو مؤازرة الزوجة الشابة لكي تقوم بالأعمال المنزلية بشكل سريع وسهل. وهذه الدمية، بحسب ما يدل عليها اسمها، تتكوّن من عشر أيادي، مصنوعة من الخيوط، وتلف حول مكنسة صغيرة من القش، يكسى جسمها بقماش قديم وزاهي الألوان.
وهناك أيضاً دمية «الأم المباركة»، المكوّنة من ثلاث شخصيات، واحدة كبيرة، ترمز إلى الأم، واثنتان صغيرتان، ترمزان إلى العريس والعروس. وفي حفل الزفاف، كانت الأم تنتزع الدمية الكبيرة، وتحتفظ بها لنفسها، وتعطي الدميتان الأخريان إلى العروسين، في طقسٍ يرمز إلى انتقال الفتاة إلى عائلة جديدة.
دمى لحماية المرأة الحامل
خلال فترة الحمل ، كانت المرأة تعتبر حساسة بشكل كبير تجاه «العين الشريرة»، ولذلك كانت تحتفظ، طوال فترة الحمل، بالكثير من التمائم، وأشهرها دمية «فوتليار»، والمسمّاة كذلك «الأم المنتظرة»، وهي كانت تصنع من قبل أقرباء للمرأة الحامل، من كبار السن. وكان ينبغي أن تتخذ هذه الدمية أشكالاً رائعة، فكلّما ازداد جمالها، تمتعت الأم بوفرة في الحليب لإرضاع طفلها. وفي حال تعذّر ذلك، فإنّ المرأة الحامل كانت تصنع تلك الدمية بنفسها، قبل أسبوعين من الولادة، وتضعها في سرير الطفل، لكي لا يكون فارغاً وقت الولادة.
وبعد ولادة الطفل، كانت تلك الدمية تستبدل بدمية أخرى، مصنوعة من خيوط الصوف، وتعرف باسم «مارتينتشيكي»، وتكون على شكل ولد وبنت.
دمى الاطفال
على غرار النسوة الحوامل، كان ينظر إلى الأطفال على أنهم أكثر الفئات ضعفاً، تجاه الروح الشريرة والعين الحاسدة، ولهذا السبب كان من الضروري إيجاد «مدافعين» عنهم.
وكانت دميتا «بيليناشكا» و«كوفادكا» من أشهر التمائم المخصصة للأطفال حديثي الولادة. وكانت هاتان الدميتان تصنعان بواسطة خيوط الصوف، وذلك مباشرة قبل ولادة الطفل، حيث كان يُعتقد أنهما تشوّشان على الأرواح الشريرة، وتبعدانها عن الأم وطفلها. وكانت دمية «كوفادكو» بداية تُحرق بعد أن يبصر الطفل النور، ولكن في وقت لاحق، صارت تعلق فوق سريره لحراسته. وفي كثير من الأحيان لم يكن يُكتفى بدمية واحدة، بل بعدد وافر، لرفع القدرة “الدفاعية”.
وأمّا الطفل غير الهادئ، فكانت تُصنع له على الفور «دمية النوم»، وهي تتكوّن من فرشاة محاطة بوشاح، مع رأس ويدين مطويتين. وكان يعتقد أن هذه التميمة تساعد على تهدئة الطفل، ولذلك فإنها توضع في سريره أثناء نومه.
وعلاوة على ما سبق، كانت هناك دمية أخرى، تجسّد امرأة وطفلاً يمسك بيدها. وتمثل تلك الدمية الأم أو الجدة أو المربية أو الأخت الأكبر سنا التي تقود الطفل خلال مراحل حياته، وتوجهه إلى الطريق الصحيح، ولا تسمح له بارتكاب الأخطاء.
دمى لحماية الاسرة
كانت الدمى تستخدم كتمائم للوقاية من مشاكل الحياة اليومية، و لحماية الأسرة في الشدائد المختلفة، وتأمين الوفرة والازدهار في المنزل.
وعند مدخل المنزل، كان بالإمكان وضع دعامة، يُعتقد أنها تحمي الاسرة من المشاكل، وتقيهم من شر الضيوف الحاسدين، وكانت تعلّق عليها دمية «فيليبس» الشبيهة بدمية «ديسياتيروتكشا»، ولكنها بست أيادي، ورأسها مغطى بمنديل ، مثل المرأة المتزوجة. في بعض الأحيان كان توضع فيها عملة معدنية. وكان يعتقد أيضاً أن هذه الدمية تحمي الزوجة من شر حماتها.
وأمّا دميتا «زيرنوفوشكا» و«كروبينتشكا»، فكانت وظيفتهما تحقيق الشبع والنجاح، وتأمين محصول زراعي جيد، ودخل كبير من منتجات المواشي، ولهذه الغاية، كانتا تحويان في داخلهما كيساً من الحبوب.
من أجل تحقيق السلام داخل الأسرة، ثمة دمية أخرى، تعرف باسم «بلاغابولوتشنيتي»، يُعتقد أنها تساعد على تخفيف المشاجرات بين أفراد العائلة، أو تجلب لهم الحظ، خصوصاً إذا ما وضعت في داخلها عملة معدنية. وهذه التميمة تقدّم غالباً إلى الأصدقاء والأقارب.
وهناك كذلك دمية «الليل والنهار» التي تتألف من نصفين – الظلام والضوء. وفي الصباح تم ابراز الجانب المشرق، فيما يتم إبراز الجانب المظلم عند المساء. وكان يعتقد أن الجانب المشرق يساعد في الشؤون الاقتصادية للمنزل، فيما الجانب المظلم يوفر لأفراد الأسرة نوماً مريحاً وصحياً.
أمّا إذا تزايدت المشاكل داخل المنزل، أو عانى الأطفال من المرض بشكل متكرر، فالمهمة توكل للدمية «ميتلوشكو»، التي تُكسى بثياب زاهية، وتحمّل مكنسة صغيرة من القش. ولاستخدام هذه الدمية طقوس معيّنة، إذ تبدأ ربة المنزل بتمريرها من زوايا المنزل إلى وسطه، وذلك بعد تنظيفه بشكل دقيق، ثم تقوم بعملية «كنس» وهمية، على ورقة أو قماشة، على أن يتم حرق «الأوساخ» التي ترمز إلى «الروح الشريرة». وبعد انجاز المهمّة، تخبأ الدمية والمكنسة في مكان آمن، بانتظار جولة أخرى.
(عن موقع “المسكوبية”)