في تموز/يوليو العام 2012 أعلنت المجموعات المسلحة في ريف دمشق بدء عملية “بركان دمشق” الهادفة إلى السيطرة على العاصمة السورية، ليتشكل طوق من نار حول أحياء العاصمة، وليكون التهديد المباشر للدولة السورية، لتبدأ المواجهات العسكرية، وليتغير الواقع الميداني في مراحل متلاحقة، لتستعيد الدولة بالتدريج المناطق الخارجة عن سيطرتها، وتصبح الغوطة الشرقية المرحلة الاخيرة من المعارك في ريف دمشق.
تقاس أهمية كل جبهة عسكرية في سوريا في بعدين، داخلي وخارجي، فالغوطة الشرقية في بعدها الداخلي تشكل خاصرة دمشق الشرقية في امتدادها على الطريق الدولي (دمشق – حمص ) وعمق البادية إلى الحدود الاردنية في اتصال شمالا مع القلمون، وتداخلها مع أحياء شرق العاصمة. فخطوط التماس بين المجموعات المسلحة في حي جوبر وعين ترما مع الجيش السوري تقاس بالكتل السكنية والاحياء الضيقة. وهي مركز ثقل مجموعات رئيسية مثل “جيش الاسلام” و “فيلق الرحمن “و “جبهة النصرة”. فالسيطرة عليها من الدولة السورية تعني إنهاء التهديد المباشر للعاصمة والسيطرة على كامل المنطقة الجغرافية، كما أنها تشكل لدى المجموعات المسلحة آخر معاقلهم في ريف دمشق وإحدى الجبهات المتبقية لهم في المحافظات السورية.
أما على المستوى الخارجي، فهي مواجهة مع السعودية الداعمة ل”جيش الاسلام”، وقطر وتركيا الداعمة ل”جبهة النصرة” و”فيلق الرحمن”. فهي مواجهة من صاحب القرار بين هذه المجموعات الذي يعكس من صاحب القرار من الدول السابقة؟، وخسارة المجموعات للغوطة الشرقية هو خسارة الداعمين لها لإحدى أوراق المفاوضات السياسية.
خلال السنوات الخمس الماضية أعلن عن عدة معارك باتجاه الغوطة الشرقية وخاصة من جهة حي جوبر، ولكنها كانت تصل إلى حدود معينة وتقف، لترتسم خطوط تماس محددة تتبدل بخطوات بسيطة ولكنها ثابتة، فلا ساحة العباسيين سقطت ولا جوبر تحررت. ويعود هذا الامر إلى أولويات الجيش السوري العسكرية لتحديده الجبهات التي يجب إنهائها بشكل فوري أو يتم المحافظة على الجبهات منعا لحدوث أي اختراق لحين يتم وضعها في الاولويات في مرحلة لاحقة، وهو ما يتم ربطه بشكل دائم مع مشهد المفاوضات الاقليمية والدولية التي يبنى جزء محوريا منها على وقع الميدان.
كثر الحديث على أن مصير الغوطة الشرقية يشبه مصير أحياء شرق حلب، حين خرج المسلحون منها باتجاه ادلب بعد معارك مع وحدات الجيش السوري والقوات الحليفة والرديفة، ولكن الاساس في هذه المعارك هو التقدم الذي تم تحقيقه في أرياف حلب والذي مهد لتحقيق سرعة في إنهاء وجود المسلحين في حلب، وانعكس في اتفاق اقليمي حين خسر التركي المجموعات الداعم لها.
فالسيناريو إن كان مشابها في الحالة الدمشقية، فالوصول إلى إنهاء وجود المسلحين في عمق الغوطة هو مرتبط بتحقيق تقدم في الاطراف، مثل جوبر وعين ترما والنشابية وغيرها من المناطق التي تشكل المداخل الاساسية لطرق الامداد ومراكز الدفاع الاولى عن باقي المناطق وخاصة دوما، وكسر خطوط الدفاع هي المعارك الاقسى، فالجزء الاساسي هو تحت الأرض، اي في الانفاق المتشابكة، وهو ما يجعل من تقدم الوحدات البرية دقيقا خوفا من عمليات تفجير تحت الارض.
تنتظر المجموعات المسلحة إلى الخطوات التي ستتخذها كل مجموعة منها بخوف وحذر، فتبقى “جبهة النصرة” في حالة تخوف من تخلي “جيش الإسلام” عنها، ليتم القضاء عليها مع “فيلق الرحمن” ويصبح هو المفاوض الاساسي في دوما، وهي تعني سيطرة السعودية وحدها على القرار، وخسارة التركي لورقة جديدة، وهذا الحذر مبني على تجارب سابقة من اتهام المجموعات لبعضها بالخيانة والانسحاب كما حدث في المليحة وداريا، وحتى الوصول إلى الاقتتال الداخلي بين “فيلق الرحمن” و”جيش الإسلام” في حرستا.
ترتسم خطوط النار من جديد من عفرين إلى الغوطة الشرقية، في إعادة تموضع الدول الاقليمية والدولية على الارض السورية، وبين سيناريو أن طريق المفاوضات انطلق بخطوات بطيئة ويلزمه تغيرات ميدانية حتى يكتمل المشهد بين الدول، أو هي إعادة فتح معارك من جديد ستمد من عمر الحرب السورية في خلافات دولية متجددة، ليكون سيناريو المواجهة المباشرة في شرقي الفرات مع الولايات المتحدة يلوح في الافق. وبين كافة التكهنات، سيبقى الشعب السوري هو المتضرر من التأخر في عملية إنهاء الحرب على أرضه وهو على أبواب السنة الثامنة من عمر التحول والمخاض القاسي في تاريخه.
وسام عبدالله