تعرف الكثيرون على ممالك الخليج العربي من خلال خماسية عبد الرحمن منيف ” مدن الملح “، في رواية عن بداية اكتشاف النفط وتبدل الاحوال اجتماعيا واقتصاديا في شبه الجزيرة العربية. في هذه الايام تتسارع الاحداث في “مدن الملح”، والرواية لم تعد موجودة لكي تقرأ قبل النوم أو توضع في مكتبة، إنما هي قرارات سياسية وقانونية وتغييرات اقتصادية وتبدلات ثقافية، لتنضج أسئلة كثيرة عن شبه جزيرة ليست منعزلة عنا، وإنما لها ولنا تأثيرٌ متبادل.
لا يمكن النظر إلى الخليج العربي بعيون شاخصة إلى المدن والأبنية الحديثة والأضواء المبهرة فقط، فحينها نكون كالسائرين في الصحراء ناظرين إلى واحات ندرك كلما اقتربنا منها بأنها مجرد سراب. فجذور ممالك الخليج العربي عميقة في رمالها، ولا يمكن التعامل معها بسذاجة في القراءة، بأنها مجرد شعوب كانت قبائل. هذه المنطقة، في شمالها امتدادٌ نحو بلاد الشام والعراق في البادية المشتركة والقبائل المتفاعلة فيما بينها، ولا يقابلها غير وجه إيراني في شرقها على خليج “عربي” أو “فارسي” في ضفتيه، ونحو الجنوب أساطيل البحارة المكتشفين الاوروبيين مرت منه وأدركت أهميته نحو افريقيا وجنوب غرب آسيا، وفي الغرب مضائق البحر الاحمر وضفته الافريقية عامة والمصرية خاصة، هنا على هذه الأرض النفط والغاز ليسا سراباً، فهي من غيرت أحوال القبائل واصبحت ممالك ودول تغذي جزء أساسي من العالم بالوقود، لتكون تحت أعين بريطانيا ويدها ومن ثم الولايات المتحدة. هنا أصبحت الخيمة تراثاً حين اجتاحتها ناطحات السحاب، في مدن أقرب ما تكون إلى مختبرٍ لكافة الشركات والمؤسسات التي تهتم بالعمارة والتكنولوجيا والتعليم.
إن ممالك الخليج العربي تسير على قدمين، القدم الاولى داخلية وتشمل الدين وعلاقة الشعوب مع أميرها أو ملكها وكيفية توزيع الثروة على المواطنين وجذب الاستثمارات الغربية والعمالة الأجنبية وغيرها، والقدم الثانية خارجية تشمل الاستثمارات والقواعد العسكرية والجامعات والمؤسسات الثقافية الغربية والعلاقة السياسية بشكل أساسي مع أميركا وغيرها.
على هاتين القدمين تسير الممالك بتفاصيلها الكثيرة التي تعود بعضها بالزمن إلى أكثر من مئة عام حتى يومنا هذا، ولفهم طبيعة الجسم الخليجي من الضروري التعرف على هذه التفاصيل. ولكن هاتين القدمين تسيران على رمال متحركة، داخليا بالتساؤلات حول مستقبل اليد العاملة الاجنبية والبطالة وتوزيع الثروات والصراعات داخل الاسر الحاكمة وفي كيفية ردم الفجوة بين الاجيال الخليجية وفي خطر تناقص الثروات الباطنية، وخارجيا مع ازدياد الضغوط الخارجية لإحاكم السيطرة على الممالك بشكل أكبر والعلاقة والصراع مع ايران والكيان الاسرائيلي ومستقبل العلاقة مع الدول العربية والتدخل في شؤونها وحماية نفسها من وصول “الربيع العربي ” إلى رمالها.
المراقب للشؤون الداخلية يدرك أن الامور تتجه نحو التغيير، فلم تعد تلك الممالك قادرة على الاستمرار في صيغتها التي نشأت عليها، وهي تسارع لأن تضبط الأمور حتى لا تخرج عن السيطرة، إما بإحداث تغييرات في القوانين أو تبديل في الاشخاص، وإما في خلق مشاريع اقتصادية كبرى في مناطق أخرى مثل أفريقيا أو شراء أندية رياضية ودعم مؤسسات ثقافية في اوروبا، ويبقى الاساس هي صفقات الاسلحة من مختلف دول العالم وبخاصة الولايات المتحدة.
الممالك الخليجية تسعى للبقاء في استمرارها واستقرارها ضمن منطقة لا يمكن للهيب النار أن يبقى في مكان واحد من دون أن يصل إلى كافة الأطراف، إن كانت حيادية منها أو داخلة في إضرام أولى شراراتها.
وسام عبدالله