الرئيسية » العالم والخليج » إنقلاب نتنياهو: معركة إصلاح أم نهاية “دولة”؟

إنقلاب نتنياهو: معركة إصلاح أم نهاية “دولة”؟

بين “اصلاحات” و”انقلاب على الديمقراطية”، تتباين مصطلحات الصراع ويتكامل مشهد الانقسام السياسي-الاجتماعي في اسرائيل، ما يطرح لدى العديد من المحللين والمراقبين اسئلة حول مصير “الدولة” في ظل العاصفة التي تضربها منذ شهور، وتحديدا بعد 6 ايام فقط على تنصيب بنيامين نتنياهو على راس الحكومة ال37 في اسرائيل.

خليل حرب

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

وليس ادل على مستوى المخاوف التي وصلت اليها اسرائيل، سوى التصريحات التي تكاثرت خلال الشهور الماضية، ومن بينها ما قاله نتنياهو نفسه في في مقابلة مع شبكة “سي ان ان” الاميركية في الاول من اب الماضي، عندما رفض التكهنات حول احتمال اندلاع “حرب اهلية” في اسرائيل، قائلا “لن تكون هناك حرب اهلية، انا اضمن ذلك”، مضيفا انه “عندما يهدا الغبار، سيرى الناس ان ديمقراطية اسرائيل قد تعززت ولم تضعف… اعتقد ان مخاوف الناس التي اثيرت ستهدا، وسوف يرون ان اسرائيل ديمقراطية كما كانت من قبل واكثر ديمقراطية”.

لكن الاسرائيليين متشائمون ازاء ما يجري بحسب استطلاع للراي اجرته صحيفة “معاريف” اظهر ان اكثر من نصفهم، يخشون وقوع الحرب الاهلية، بما في ذلك رئيس الوزراء الاسبق ايهود باراك، وذلك في وقت اقر الكنيست مشاريع قوانين تتعلق بالتعديلات القضائية، بينها البند المتعلق بما يسمى “الحد من المعقولية”، وهي تعديلات يعتبرها نتنياهو “اصلاحات”، ويعتبرها خصومه بمثابة “انقلاب على الديمقراطية”.

لكن نتنياهو يقول ان التعديلات القضائية التي يسير فيها، “تصحح عدم التوازن في ديمقراطية اسرائيل، حيث انتحل القضاء اساسا لنفسه تقريبا جميع سلطات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية”.

ومع ذلك، فان المعركة لم تنتهي بعد، في ظل واحدة من اكبر حركات الاحتجاج في تاريخ اسرائيل، فمن المقرر ان تبدا المحكمة العليا، وهي اعلى هيئة قضائية في اسرائيل، في 12 ايلول الحالي، النظر في التماسات لشطب قانون “الحد من المعقولية” الذي تبناه الكنيست في 24 تموز الماضي، وينص على الحد من تدخل المحكمة العليا في قرارات الحكومة والمسؤولين المنتخبين.

لكن التعديلات لا تتعلق فقط بقانون “الحد من المعقولية”، اذ انها تشمل 7 مشاريع قوانين طرحتها حكومة نتنياهو في 3 كانون الثاني 2023، بعد 6 ايام على تنصيبها، في اطار ما تصفه بانه “خلق التوازن بين السلطات والتشريعية والتنفيذية والقضائية”، لكنها اشعلت تظاهرات مستمرة معارضة لها منذ ذلك الوقت.

وستتيح التعديلات للكنيست سلطة التفوق على سلطات المحكمة العليا من خلال اغلبية بسيطة تتمثل ب61 نائبا في الكنيست، بعدما كانت المحكمة العليا هي التي تتمتع بصلاحيات الغاء اي تشريع تعتبره متعارضا مع الدستور الاسرائيلي، سواء من جانب الحكومة او الكنيست.

وباختصار، فان معارضي “اصلاحات” نتنياهو، يقولون ان ما يجري يمثل تدخلا من جانب الحكومة (السلطة التنفيذية) للتلاعب بتركيبة القضاء والصلاحيات البديهية الممنوحه له، بما يصب في مصلحة نتنياهو وائتلافه اليميني الحاكم، بل ان كثيرين ذهبوا الى حد وصف هذه التحركات بانها “انقلاب سياسي” سيقود الى تغيير جذري في نظام الحكم في اسرائيل. ويشير محللون اسرائيليون ان نتيناهو قد يستفيد بشكل مباشر من هذه التعديلات، خاصة انه يحاكم منذ اعوام بتهم تتعلق بالفساد وخيانة الامانة، وانه من خلال عرقلة عمل القضاء والحد من صلاحياته، سيكون بامكانه التهرب من عواقب محاكمته، مستندا على دعم حلفائه في الكنيست (السلطة التشريعية).

وفعليا، فان “الاصلاحات” تستهدف بذلك تغيير قانون الحصانة النيابية لاعضاء الكنيست والوزراء ورئيس الوزراء، وحمايتهم من تحقيقات او ملاحقات قضائية.

ويخشى معارضو “التعديلات” الذي نزلوا بتظاهرات اسبوعية حشدت احيانا كثيرة مئات الاف الاشخاص، من انها ستمنح الحكومة والكنيست، صلاحية سن قوانين قد تمس العديد من الحقوق كحرية التعبير والاقليات والملكية والخصوصية والتنقل والتظاهر.

وبالاضافة الى ذلك، يقول معارضون للخطة ان التشريعات ستحد من قدرة المحكمة العليا على مراجعة ممارسات وقرارات الجيش الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، ما يعني اطلاق قدرة اسرائيل على البطش بالفلسطينيين بلا اي رادع او ضوابط قانونية، والمساهمة في اطلاق يد الحكومة مدعومة من الكنيست، باقتلاع الفلسطينيين من اراضيهم تدريجيا، باجراءات تغير واقعهم الديموغرافي، او تعزيز التنكيل بهم، وبسط الهيمنة اليهودية الكامل على اراضي فلسطين التاريخية.

ومن المهم في هذا السياق، فهم الخطوة التي اقدم عليها وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، المعروف بمواقف العنصرية من العرب والفلسطينيين، وايضا بتاييده “اصلاحات” نتنياهو، عندما قرر تجميد الاموال المخصصة للبلدات العربية وبرامج التعليم الفلسطينية في القدس الشرقية، متذرعا بمخاوف من الجريمة ومخاوف تتعلق بالسلامة، معتبرا ان بعض اموال الميزانية المخصصة للمجالس المحلية العربية كانت بمثابة رشوة سياسية من الحكومة السابقة وقد ينتهي بها الامر في ايدي “المجرمين والارهابيين”.

وفيما يعكس نظرة سموتريتش، وهو رئيس حزب الصهيونية الدينية، والائتلاف الحاكم في اسرائيل حاليا، قال ان “اولويات حكومتنا القومي، مختلفة عن اولويات الحكومة اليسارية السابقة وينبغي الا نعتذر عن ذلك”.

وذكرت وكالة “رويترز” ان هيئة البث العام الاسرائيلية (راديو كان) كانت اول من اورد الاخبار بشان تجميد هذه الاموال عندما نشرت رسالة من وزير الداخلية موشيه اربيل موجهة الى سموتريتش، يحثه فيها على الإفراج عن 200 مليون شيقل (54 مليون دولار) من الاموال المخصّصة للادارة و100 مليون أخرى للتنمية الاقتصادية.

ويشكل الفلسطينيون ممن بقوا في الاراضي التي احتلتها اسرائيل منذ العام 1948، نحو 20 % من السكان. وقال رئيس القائمة العربية الموحدة النائب منصور عباس “ان هذه الاموال استحقاق بالمجتمع العربي وجاءت تحت عنوان غلق الفجوات بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي” حيث من الثابت حتى اسرائيليا، ان المجتمعات العربية تعاني منذ عقود من تردي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بالمجتمعات اليهودية.

لكن الاخطر، كما يقول محللون اسرائيليون وغيرهم، ان من نتائج خطة “الاصلاح” وحركة الاعتراض الواسع عليها، نشوء ظاهرة الرافضين للخدمة العسكرية بما في ذلك في صفوف سلاح الجو والطيارين العسكريين والاف العناصر من الوحدات العسكرية المختلفة.

ويكتب المحلل العسكري البارز الون بن ديفيد في صحيفة “معاريف” الاسرائيلية قائلا انه “من المناسب ان نعرف جميعا الحقائق، مع وجود مئات المراكز الرئيسية في سلاح الجو الاسرائيلي والتي توقف فيها الافراد عن التطوع للخدمة، بانه سيكون من الصعب على اسرائيل اطلاق تحرك عسكري استباقي وواسع النطاق ضد ايران او لبنان”.

وذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” ان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي” هرتسي هاليفي نشر النقاط الرئيسية لخطة الجيش للسنوات المقبلة تحت مسمى “معلوت”، والتي يكشف فيها عن قلقه العميق بشأن “التعديلات القضائية” و تاثيرها على الجيش بالاضافة الى تسرب الافراد من اصحاب الكفاءات العالية داخل المؤسسة العسكرية، وتراجع دوافع الشباب للتجنيد واضعاف نظام الاحتياط الذي بدا حتى قبل “التعديلات القضائية”.

ومهما يكن، فان التئام المحكمة العليا في 12 ايلول الحالي للنظر في الالتماسات المقدمة من اجل شطب قانون “الحد من المعقولية”، يعني ان هذه المعركة المتعلقة باستقرار النظام الاسرائيلي، وتماسك مجتمعه وتعايش مكوناته، ما تزال مستمرة، وقد تكون تداعياتها بعيدة المدى. 

قطع المساعدات؟

في ظل ما يجري في اسرائيل وانتقادات ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن ل”اصلاحات” نتنياهو، كتبت صحيفة “نويويرك تايمز” داعية واشنطن الى قطع تدريجي للمساعدات السنوية التي تقدمها واشنطن لاسرائيل،ة متسائلا هل من المنطقي أن تستمر اميركا في منح مبلغ هائل قدره 3.8 مليارات دولار سنويا لبلد اخر ثري؟ وقال الكاتب نيكولاس كريتسوف ان قضية قطع المساعدات ينبغي الا يحدث فجاة او بطريقة تعرض امن اسرائيل للخطر، لكن على الادارة الاميركية ان تتعامل على نحو اكثر صرامة مع رئيس الوزراء نتنياهو، الذي يقضي على اي امل يضمن حل الدولتين.

بايدن ونتنياهو

ليست المرة الاولى التي يعلق فيها الرئيس الاميركي جو بايدن على “الاصلاحات” القضائية في اسرائيل في ظل تزتر في العلاقات بين الطرفين، لكنه في 24 تموز الماضي قال انه “من غير المنطقي ان يستعجل القادة الاسرائيليون هذا الامر، وان التركيز يجب ان يكون على جمع الناس وايجاد اجماع”. واضاف “يبدو ان اقتراح الاصلاح القضائي الحالي اصبح اكثر اثارة للانقسام وليس اقل”.

“وكان بادين قال في اذار الماضي ان الاسرائيليين “لا يمكنهم مواصلة هذا المسار”، مضيفا “امل ان يتصرف رئيس الوزراء (نتانياهو) على نحو يحاول فيه التوصل الى تسوية حقيقية”، مشيرا من جهة اخرى الى انه لا يعتزم “في المدى القريب” دعوة نتانياهو لزيارة البيت الابيض. لكن صحيفة “يديعوت احرونوت” ذكرت في 13 اب الماضي، ان بايدن يعتزم توجيه دعوة لنتنياهو لزيارة واشنطن في ايلول الحالي.

قالوا

-قال زعيم المعارضة الوسطي يائير لبيد الذي تولى سابقا منصب رئيس الوزراء، ان “الاصلاحات” القضائية، “تعرض النظام القانوني باكمله في اسرائيل للخطر”.

-قال زير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت ان الاصلاحات “تهديد واضح وداهم وملموس لامن اسرائيل”.

-قال زير العدل الاسرائيلي ياريف ليفين، الذي يوصف بانه “مهندس خطة الاصلاح”، ان تمرير مشروع القانون “الخطوة الاولى لتحرك تاريخي مهم من اجل اصلاح النظام القضائي واستعادة السلطة” الخاصة بالحكومة والكنيست.

-قال المحلل السياسي والباحث المختص في الشؤون الاسرائيلية، ايهاب جبارين ان هناك خطين احمرين في الداخل الاسرائيلي في حال تم تجاوزهما فلن يكون من المستبعد حدوث حرب اهلية، وهما وقوع اغتيالات سياسية، وحدوث حالة تمرد داخل الجيش الاسرائيلي.

– قال رئيس الوزراء السابق ايهود باراك مشيرا الى نتنياهو بانه “مصمم على تحويل اسرائيل الى دولة دكتاتورية فاسدة وعنصرية، مما قد يتسبب في انهيار المجتمع”.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".