الرئيسية » اراء ودراسات » “المرمغة” القطرية

“المرمغة” القطرية

تميم بن حمد يبدو في هذه الايام كأنه اليتيم الوحيد الذي يحلق خارج سرب المشهد المتشكل في اجواء الزلزال المدمر، وما بعده.

حتى الوقاحة الاميركية المتمثلة ب”قانون قيصر”، “خجلت” قليلا من نفسها، واعلنت الاستثناء المحدود ل180 يوما، بعدما تعالت الانتقادات والاصوات المنددة، لتسببه بعرقلة تدفقات الاغاثة في الايام الاولى من الكارثة والتي تعتبر حيوية لاحتواء الناجين، وربما انقاذ العالقين تحت الركام.

وحدها الدوحة التي ترسم لنفسها خلال العقدين الماضيين، صورة العاصمة الحيوية المستشعرة والفاهمة للاحداث والتحولات الاقليمية والعالمية وتوازناتها، بدت كأنها في حسابات سياسية واعلامية قاصرة. والدوحة هنا بمعنى السلطة التي تمثلها، وليس المبادرات الاهلية والشعبية العفوية التي تعمل ليل نهار لجمع المساعدات الى المنكوبين في تركيا وسوريا.

نظام تميم الذي سارع الى توجيه رسائل التعزية الى حكومة رجب طيب اردوغان، باسم الامير نفسه والحكومة ووزارة الخارجية منذ الساعات الاولى لصباح الكارثة التي ضربت جانبي الحدود التركية-السورية، معلنة التضامن الكامل مع أنقرة، تجاهلت كلها ذكر الكارثة التي نزلت بالسوريين، وانتظرت حتى الثامنة من مساء ذلك اليوم المشؤوم، ليعلن تميم نفسه “تعازينا لذوي ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا ونسأل الله الشفاء العاجل للمصابين، ونعبر عن تضامننا مع أهالي المناطق المتضررة، ونؤكد وقوف دولة قطر مع شعبي تركيا وسوريا الشقيقين”.

الساعة الثامنة مساء في يوم الزلزال

استدراك زمني بدا مفضوحا، بالنسبة الى هذه الامارة الخليجية الصغيرة المتوجة ملكة بخزائن اموال الطاقة، وبهيمنتها الاعلامية الكاسحة، وباخبارها العاجلة الشهيرة منذ التسعينات من القرن الماضي، واذ بها في لحظة مصيرية وانسانية موجعة كهذه، تجد نفسها متأخرة..بمعنى متخلفة.  

مفارقة عجيبة هذه التي تجعل القطريين هنا مترددين ومتلعثمين وكأنهم “يتمرمغون” وفق التعبير الشائع، ما بين المنطق واللامنطق في خطاب يفترض ان يكون طابعه انساني، ان لم نقل أكثر. “يتمرغ” الحكم القطري وماكيناته الاعلامية، جناحه العسكري الاهم، ما بين المبدئية الانسانية البديهية، وبين ديبلوماسية “الحقد” ان صح التعبير، والتي تحكم مواقف الدوحة من الاحداث السورية منذ 12 سنة حتى الان.

تحط طائرات الاغاثة السعودية في حلب على مدى 3 ايام، وتفضح الموقف القطري فعليا. لم تتواصل القيادة السعودية مع حكومة الرئيس بشار الاسد في دمشق، او ربما لم يتم اعلان ذلك، لكن الانباء تتحدث عن احتمال زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان الى دمشق خلال ايام.

يذهب تميم الى انقرة للوقوف الى جانب اردوغان. لم يرسل تميم مسؤولا الى دمشق، ولا طائرة او قافلة اغاثة بالتنسيق مع الدولة السورية، وانما موه مبادرته الانسانية، بارسالها الى تركيا، ومنها لتدخل، كما فعلت اليوم الخميس، بالعبور من خلال معبر الحمام، نحو مناطق ريف حلب الشمالي حيت تتسيد الفصائل الممولة والمسلحة من جانب “الحليف التركي”، والى جوار المناطق التي يحتلها زعيم النصرة محمد الجولاني المبيضة صفحته منذ سنوات في ماكينات الاعلام القطري نفسه.

ولم يكن السعوديون وحدهم في “مناطق النظام” وفق المصطلح المعتمد من جانب اعلاميي قطر، فقد جاء الاماراتيون، وبكثافة، وجاء العمانيون والكويتيون والبحرينيون، وجاء ايضا العراقيون والجزائريون والايرانيون والروس وغيرهم، بينما حافظ القطريون على “مرمغتهم” ذاتها.

وكأنما تميم اليتيم الوحيد في سياسة النكد تجاه دمشق، والاهم تجاه اهالي الساحل السوري المنكوبين هم ايضا الان بالزلزال.

تميم كان أرخى عليهم، وعلى غيرهم، “خيراته” البائسة عندما فتح خزائنه لتكفيري العالم المتدفقين من تركيا نحو مدنهم وقراهم قبل نحو 10 سنوات، ليمعنوا فيهم قتلا وذبحا وتهجيرا، كرمى ل”الصيدة” التي “تهاوشوا” عليها لاحقا بحسب اعترافات وزير الخارجية الشهير حمد بن اسم بن جبر، لكنه الان- أي تميم نفسه- لا يقتنص فرصة الزلزال، لعلها “تكفر” له عن سيئاته…التي ربما لن تغتفر.

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".