الرئيسية » Uncategorized » الدوحة .. و”ترياق الفوضى”

الدوحة .. و”ترياق الفوضى”

الدوحة – فراس خليفة

 

لا تتوقّف حركةُ العمران والإنشاءات في الدّوحة. تبدو المدينة كأنّها ورشة دائمة لا حُدود لها. كانت كذلك قبل عقدَيْن من الزمن ولا تزال. يُقال إنّ وتيرة العمل و”الإنتاج” تضاعفت خلال أشهر “الحصار” الستّة.

في فيلم “أصوات العمران الحديث” للشابَّة القطرية شيماء التميمي يظهرُ عدد من المواطنين القطريين متحدّثاً عن العاصمة “التي تتطوّر سريعاً”. يقولون: “إنهم يبنون بسرعة”، “أفقدوا البلد الإحساس بالهداوة”، “يبنون مدينة جديدة بالكامل”، “بعد الانتهاء من المشاريع ستصبح قطر جميلة…”. بعد أقلَّ من خمس سنوات ستكون المدينة محطَّ أنظار العالم. سيكون العالم كلُّه في الدوحة. ستغيّر بطولة كأس العالم بكرة القدم وجه المدينة فعلاً. سيسمع بها مَن لا يعرف أصلاً موقع دولة قطر على الخريطة. لكنَّ السؤال الذي يطرحه أصحاب الرأي على ضوء الأزمة الراهنة، هو أين تنتهي “حدود” الدوحة في الجغرافيا كما في السياسة والإقتصاد و”الأدوار المُنفلِشَة” هنا وهناك؟

 

“لكُم العالم ولنا تميم”

 

تحتفلُ الدوحة بعد أيام قليلة بـ”اليوم الوطنيّ” لقطر. تُزيّن أعلام الدولة الطرقات والشوارع الرئيسية، فيما المنصّة الرئيسية لـ”العرض الإحتفالي” شُيّدت قبل أسابيع من المناسبة العزيزة على قلوب القطريين. سيُشارك أمير البلاد “اليوم الوطني” مع أبناء شعبه أو قُل “شعوبه المؤتلفة في تركيبة إجتماعية غير متكافئة” (يُشكّل القطريون أقل من ثلث السكان المقيمين في البلاد). قبل أيّام حضَر”الأمير” بعض فعاليّات “مهرجان أجيال السينمائي” الذي يَعرض في جانب منه أعمالاً فنيّة تُحاكي مرحلة “الحصار” المفروض على قطر. “تميمُ المجد”. هكذا تقول الصُورة، بل الصُوَر والجداريّات المنتشرة في كلّ مكان. في الأماكن العامة وعلى زجاج السيّارات وعلى الأبراج الشاهقة. في “سوق واقف” الشهير تظهرُ صورة الأمير الشاب في كل تفصيل تقريباً حتى على الكؤوس والفناجين المعروضة للبيع. في بهو الفندق الباذخ الذي شُيّد قبل سنوات قليلة وُضعت أيضاً صورة لـ”تميم” وفوقها عبارة “إقرأ” بخطّ عربي جميل. لا علاقة بين الصورة والكلمة. لكنّ روّاد الفندق وقّعوا كلماتهم الخاصة على الصورة. تقول إحداها: “لكم العالم ولنا تميم”، وأُخرى كتبها لبنانيٌّ على الأرجح تقول “ياريتك أمير لبنان”!

بعيداً من ذلك، فإنّ الإقامة في الفندق الذي يملكه رجُل أعمال قطري معروف، تُشكّل فرصة جيدة لإجراء تمارين على الإبتسامة الدائمة. لا يُفوِّت موظّفو الإستقبال والخدمات أيّ لحظة دون إظهار ابتسامتهم الودودة لنزلاء الفندق.”عدّة الشغل”؟ لم لا. وحده مجسّم حيوان “المهى” العملاق عند مدخل الفندق لا يبدو مبتسماً كفاية !

 

“كتارا” الحيّ الثقافي و”أجيال” القرية الكونيّة  

 

 

 

تلمعُ “فلاشّات” العدسات على وجوه ضيوف المهرجان. كأنّ الإبتسامات هنا للكاميرات فقط. على السجّادة الحمراء في المسرح المكشوف في “كتارا” يتنافس الأطفال في الحصول على تواقيع ضيوف المهرجان الذين جاؤوا من دول عديدة. يقول المنظّمون إنّ “أجيال” هو “إحتفالٌ بالسينما يستهدف جميع فئات وشرائح المجتمع”. برأيهم فإن “إنطلاقة المهرجان في العام 2013 شكّلت الخطوة الأولى في رحلة طويلة بدأت بمشاركة 300 حكم لتصل اليوم إلى مشاركة واسعة من أكثر من 550 حكماً من 45 بلداً”. تقول إحدى المشاركات من الولايات المتحدة إنها تزور دولة قطر للمرة الأولى. “كنتُ أتخيّل الامر مختلفاً واعترتني الرهبة بدايةً، لكن اكتشفتُ سريعاً إنه يمكن الحديث مع الجميع”! يحتاج بعض صنّاع الأفلام أنفسهم إلى كسر الصورة التي لا تزال عالقة في أذهانهم عن “العالم العربي”.

تعلو موسيقى مهرجان “أجيال” في الباحات الخارجية  لـ”كتارا” بينما يبدأ في الداخل على مسرح الدراما عرض “البحث عن أم كلثوم” للمخرجة الإيرانية شيرين نشأت. أمّا القطرية فاطمة الرّميحي تنقّل خطواتها بين “الداخل” تارة و”الخارج” تارة أخرى. الرئيسة التنفيذية لـ”مؤسّسة الدوحة للأفلام” و مديرة مهرجان “أجيال” تقول “نحنُ هنا لنقدّم الصورة المشرّفة للأمانة التي بين أيدينا في ظرف فُرِضَ علينا”. ترى المرأة “إن تنظيم المهرجان الآن يمثّل أحد أشكال مواجهة الحصار، مع ذلك فإننا نمدّ يدنا للجميع ونستقبل طلبات الأفلام من كل الدول بما فيها دول الحصار”.

 

 

 

في ندوة ضمن فعاليّات المهرجان، عبَّر المشاركون عن آرائهم حول مواجهة الأزمات عبر الفن. “بعد الحصار شفنا إنو الفن هو القوة الناعمة اللي تغيّر شعب كامل”، يقول الممثل القطري صلاح الملّا. وبينما ترى المخرجة الشابة شوق شاهين “أنّ الفن قرَّب القطريين من بعضهم ووحّدهم”، يشير رسّام الكاريكاتير عبد العزيز يوسف إلى أن نسبة أعماله الفنية ورسوماته زادت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية.

في احدى قاعات “كتارا” يعرض المنظمون في جناح “لبلوكيد” لوحاتٍ وصوراً تحاكي “مرحلة الحصار” وتسخر من الخطاب السياسي والإعلامي لدوله. تأسّس الحيّ الثقافي “كتارا” في العام ألفّيْن وعشرة ويُعتبَر اليوم المركز الرئيسي للثقافة في الدوحة كونه يضم العديد من المرافق الثقافية البارزة وهو المقر الرئيسي لمكاتب “مؤسسة الدوحة للافلام”. في “مقهى الجزيرة الإعلامي” يناقش صحافيون غربيون وعرب بعض الأفلام التي عُرضت في المهرجان. يُشيدون بـ”الإستثمار الواعد” لقطر في مجال صناعة السينما بينما يرى آخرون “إن الأمر لا يعدو كونه ترفاً بالنسبة للمخرجين القطريين”. لطيفة وإكرام وجمال وإياد وبانا صحافيون من دول عربية عديدة يقرّرون “جسَّ نبض” المدينة من ناحية الواجهة البحرية لـ”كتارا” ليلاً. كانت المدينة تعلن، بكل لغات العالم، عن فرحها غير المكتمل!

 

 

الطريق إلى  الـ”2022″ سالكة؟

 

يُشبِّه أحد ضيوف المهرجان أبراج المدينة بلعبة “مكعَّبات” بأحجام وأشكال مختلفة. تفنَّنَتْ الدوحة خلال الأعوام الماضية في بناء الأبراج حتى كادت تنافس إمارة دُبي. يُعتبر “برج البدع” واحداً من أجمل مباني العاصمة القطرية (“البدع” هو الإسم القديم للدوحة الحالية) و فيه تتّخذ “اللجنة العليا للمشاريع والإرث” المعنيّة بالبنية التحتيّة لبطولة كأس العالم 2022 مقرّاً لها. تشرح الفتاة لضيوفها عن “تاريخ قطر الحافل باستضافة المناسبات والبطولات الرياضية”. تُطلعهم على مجسَّمات الأستادات الثمانية التي “يفترض أن ينتهي العمل بها خلال سنة أو أكثر”، وأخيراً عرض البانوراما عن “البطولة التي ستكون الأفضل في تاريخ البطولات نظراً لمساحة قطر الصغيرة وقرب المسافة بين الملاعب المضيفة إضافة إلى عامل الأمان” كما جاء في نصّ العرض الترويجي. لكنّ قطر اليوم تواجه أزمةَ ما تقول إنه “حصار سياسي ودبلوماسي وتجاري”. لا أحد يستطيع التكهّن بمستقبل “الصراع” في منطقة تشهد تحوّلات كبيرة وسريعة.

يقول الناس هناك إن تأثير الحصار لا يظهر كثيراً في الحياة اليومية باستثناء الإرتفاع  في أسعار بعض السّلع ومواد البناء وتراجع حركة بعض “الأسواق” ونسبة الإشغال في الفنادق مثلاً. يقدّم “أهل البيت” القطري البدائل لمواجهة الظروف الراهنة لكنهم لا يريدون لدولتهم أن تتكيّف طويلاً مع ما يعتبرونه “حصاراً جائراً” ويكرّرون الترحيب بالحوار دون شروط مسبقة.

يتعثّر محمود بأغراضه الكثيرة التي جمعها على عجَل قبل المرور على “الجوازات”. يُبدي الرّجُل المصريّ الجنسية تذمُّرَه الكبير من إدارة الشركة التي كان يعمل فيها لعشر سنوات خلَت، و”الأسباب غير المقنعة” التي دفعتها لإتخاذ قرار بفصله عن العمل ومن ثم ترحيله إلى بلاده. أما عُمر وهشام فكان عليهما أن يقطعا مسافة طويلة قبل أن يصلا إلى البوابة “D 27” في “مطار حمد الدولي” الذي يعدُّ اليوم واحداً من أكبر مطارات العالم. إلى بيروت؟. لكن السّماء فوق السعودية مقفلة أمام الطيران القطري. لابدّ من “الأجواء الإيرانية ” أولاً وبعدها التركية فمشارف قبرص وأخيراً بيروت. تبدو صورة المشهد العربي من الجَو إنعكاساً للمشهد المفكّك من “تحت”!

 

 

عن جورنال