قمة ابو ظبي السداسية : “اخوية” وملفات غامضة

اثارت القمة السداسية المفاجئة التي عقدت في ابوظبي في 18 كانون الثاني 2022، اهتماما اعلاميا وشعبيا استثنائيا، والاهم طرحها لتساؤلات تتعلق بتوقيتها واهدافها واطرافها والغائبين عنها، وخصوصا السعودية والكويت، بالاضافة الى المخاوف التي حتمت إنعقادها بهذا الشكل.

كانت قمة ابوظبي انعقدت بضيافة الرئيس الاماراتي الشيخ محمد بن زايد، وشارك فيها سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق، وامير قطر الشيح تميم بن حمد، وملك الاردن عبدالله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى، بالاضافة الى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

ومن الواضح ان هذه القمة السداسية لا علاقة لها بمتابعة مقررات القمة العربية التي عقدت في الجزائر مؤخرا، وتحديدا في تشرين الثاني الماضي، ومن غير الواضح بالنسبة للعديد من المراقبين ما الذي استجد اقليميا او دوليا، ليحتم التئام 6 من الزعماء العرب في ابوظبي بهذه العجالة.

وانعقدت القمة السداسية بعد 4 ايام على تصريح لافت للنظر، اطلقه وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر عبر “تويتر” قال فيه “الوضع في منطقتنا الخليجية بات محفوفا بالمخاطر ويستدعي من الجميع الانتباه الدائم تحسبا لاي احتمالات. فالغرب بقيادة الولايات المتحدة لم يتوصل حتى الان الى اتفاق يعيد الاتفاق النووي مع ايران الى الحياة”. وقال المسؤول القطري السابق انه “اذا لم تتوصل الاطراف الى اتفاق نووي جديد مع ايران، وزودت الولايات المتحدة اسرائيل بما تحتاجه من سلاح سيكون هناك، لا سمح الله عمل عسكري قد يهز الامن والاستقرار في منطقتنا، وستكون له عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية وخيمة”. ولفت في تغريدته الى ان الطرف الاميركي ما زال حتى الان مترددا حيال تزويد اسرائيل باسلحة تمكنها من قصف اهداف ايرانية تعتبرها بمثابة تهديد لها. وحث الوزير القطري السابق دول الخليج على ان تقوم بتحذير الولايات المتحدة والغرب من “خطورة اي تصعيد عسكري وضرورة معاجلة المشاكل القائمة معالجة سلمية، لاننا سنكون اول الخاسرين”.

وعلى الرغم من ذلك، فان اي مؤشر لم يظهر ليؤكد او ينفي ارتباط تصريح اجتماع ابوظبي بمعلومات كالتي تحدث عنها حمد بن جاسم، الا انه من الواضح ان مسار العودة المحتملة الى خطة تطبيق الاتفاق النووي، ما زال مجمدا، ان لم يكن “ميتا” بحسب تصريح للرئيس الاميركي جو بايدن نفسه في كانون الاول الماضي.

الا انه من المعروف ايضا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتيناهو، بعد عودته الى الحكم مجددا، وضع نصب عينيه خلال مفاوضات تشكيل حكومته، انه سيسعى خلال ولايته الحكومية، المهددة بانقسامات داخلية عديدة وبحراك غاضب في الشارع، الى العمل بكل الوسائل من اجل ايقاف البرنامج النووي الايراني، وهو خيار، قد يكون عسكريا، وقد يراه بمثابة مخرج مؤات سياسيا له في هذه المرحلة العصيبة، اذا كانت تداعياته الاقليمية مضبوطة بحريق محدود.

لكن اللافت ان قمة ابوظبي في البيان الصادر عنها، لم تتناول قضية بعينها، وتطرقت الى عناوين عريضة وعامة على غرار اهمية الالتزام بقواعد حسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واعلان رؤيتهم المشتركة لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة وايمانهم الراسخ باهمية التواصل لاجل البناء والتنمية والازدهار، مشددين على ان التعاون وبناء الشراكات الاقتصادية والتنموية بين دولهم وعلى المستوى العربي عامة هو المدخل الاساسي لتحقيق التنمية وصنع مستقبل افضل للشعوب في ظل عالم يموج بالتحولات في مختلف المجالات.

وتناول القادة الستة العلاقات الاخوية بين دولهم ومختلف مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات التي تخدم تطلعات شعوبهم الى مستقبل تنعم فيه بمزيد من التنمية والتقدم والرخاء. كما استعرضوا عددا من القضايا والتطورات الاقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك والتحديات التي تشهدها المنطقة سياسيا وامنيا واقتصادياً، واهمية تنسيق المواقف وتعزيز العمل العربي المشترك في التعامل مع هذه التحديات بما يكفل بناء مستقبل اكثر استقرارا وازدهارا لشعوب المنطقة كافة.

وغالب الظن ان هذه العمومية مقصودة، وخاصة تجنب الاشارة الى قضية بعينها، علما بان قمة ابوظبي انعقدت بعد يوم واحد من انعقاد قمة ثلاثة في القاهرة جمعت مصر والاردن وفلسطين والتي شددت على الحقوق الفلسطينة المشروعة واستمرار جهود السلام على اساس خطة حل الدولتين. وبحسب المعلومات المتداولة، فان الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل للزعيمين المصري والاردني المخاوف من سياسات حكومة نتنياهو، بما في ذلك الاستفزازات التي تسمح بها في المسجد الاقصى، والاهم ربما انتهاك الوصاية الاردنية على المقدسات الاسلامية في القدس المحتلة.

ومع ذلك، فان اي موقف لم يصدر لا في القاهرة ولا في ابوظبي، يتحدث عن انعقاد القمة السداسية كنتيجة حتمية لما طرح خلال قمة القاهرة، لانه لو كان الامر كذلك، لكان محمود عباس قد دعي اليها على اقل تقدير.

وبكل الاحوال، فان المراقبين يحددون مجموعة من القضايا والتحولات التي تجري في الوقت الحالي ابرزها:

-تشكيل نتنياهو حكومته المطعمة بعناصر يمينية متطرفة قبل اقل من شهر

-المخاوف من عمل عسكري اسرائيلي ما، يهز استقرار المنطقة، بما في ذلك امن الخليج

-احتمالات التصعيد- او التهدئة النهائية- في حرب اليمن، وجهود الوساطة العمانية

-تقارب خليجي مع دمشق (خاصة من جانب الامارات، واستشراف سعودي هادىء)

-تزايد الحديث والمؤشرات على احتمال حدوث انفتاح تركي اوسع على سوريا

بعد لقاءات وزيري الدفاع، واحتمال حدوث لقاء على مستوى وزيري الخارجية

-اوضاع اقتصادية تزداد تأزما في مصر مع انهيار قيمة الجنيه امام الدولار والشكوى المصرية من توقف المساعدات الخليجية

-غياب المؤشرات على قرب انتهاء الحرب الاوكرانية وتداعيات ذلك على اقتصاد المنطقة واستقرارها الامني والغذائي

الا ان هذه القضايا الساخنة والمحتملة، ولا البيان الختامي، قدمت تفسيرات باي شكل، لغياب السعودية والملك سلمان بن عبدالعزيز، وتحديدا ولي العهد محمد بن سلمان عن قمة ابوظبي، علما بان غياب الكويت فسر في بعض الاوساط الاعلامية، بانه سببه اعتلال صحة الامير نواف الاحمد الجابر الصباح، بينما لم تتسرب اية معلومات او حتى تقديرات يعتد بها، تفسر الغياب السعودي اللافت.

ومع ذلك، فان هناك من لاحظ ان الرئيس الاماراتي محمد بن زايد، كان قد تغيب عن القمة العربية-الصينية التي نظمها الامير محمد بن سلمان في الرياض في كانون الثاني الماضي، ما اثار تكهنات حول وجود توترات في العلاقة السعودية-الاماراتية، لم تتبناها لا الرياض ولا ابوظبي، خصوصا ان العلاقات بين الطرفين شهدت خلال الاعوام القليلة الماضية تحسنا لافتا، ان على صعيد التنسيق والتناغم السياسي، او على صعيد التعاون الاقتصادي الذي يوصف بانها الاكبر بين دولتين خليجيتين.

الا ان ذلك لم يمنع ظهور العديد من المؤشرات والتكهنات حول وجود خلافات بين السعودية والامارات، خاصة بالنظر الى ان عدم مجيء الامير محمد بن سلمان الى قمة كهذه، ليس خبرا عاديا. وترجح هذه التكهنات ان الخلافات تتعلق بحرب اليمن وبالموقف منها وتباين مصالح الطرفين حولها، في وقت يزداد الاستياء في دوائر الادارة الاميركية والكونغرس، من موقف السعودية حول نقطتين اساسيتين: انفتاحها العميق على الصين، وعدم تجاوبها مع طلب ادارة بايدن المساهمة في ضبط اسعار النفط عالميا.

وبرغم ذلك، كتب الاكاديمي الاماراتي عبدالخالق عبدالله، المعروف بقربه من دوائر الحكم في الامارات، ان العديد من المقالات “تناولت غياب السعودية عن قمة ابوظبي وحملت هذا الغياب اكثر مما يحتمل من تاويل واظهرت جهلا بقوة ومتانة التنسيق السعودي الاماراتي”.

الامارات وصفت القمة التي استضافتها بانها “اخوية وتشاورية”، الا ان ذلك لم يخفف من ثقل غياب جارتها السعودية. وهناك انباء تحدثت عن ان الشكوى المصرية من غياب الدعم الخليجي، واستطرادا السعودي، للاقتصاد المصري مع ترنح الجنيه، ترافقت ايضا مع الحديث المتزايد في وسائل اعلامية مصرية عن موقف مصري يؤخر نقل السيطرة المصرية الى السعودية على جزيرتي تيران وصنافير، وهو الملف الذي اثار ضجة كبيرة في الشارع المصري قبل سنوات، وفتح الابواب بعد قرار القاهرة بنقل السيطرة على الجزيرتين، للمساعدات والاستثمارات الخليجية للتدفق على مصر.

وقد تكون الايام المقبلة وحدها من يحمل الاجابة عما جرى بحثه بالفعل في قمة ابو ظبي التي استغرقت ساعات قليلة، استنادا ربما الى ما قد تشهد المنطقة من احداث، وتفك بالتالي غموض التحولات التي قد تجري.

https://www.general-security.gov.lb/uploads/articles/14113.pdf