في المشهد اللبناني العام، ما الذي يجري فعليا ؟
هناك محاكاة لتجارب جرت في دول اخرى. الدولة التي كانت يوغوسلافيا سابقا، جورجيا، اوكرانيا، بالاضافة الى سوريا. وهناك دول اخرى بالطبع، لكن أوجه التشابه كثيرة وهي ليست مجرد مصادفات تاريخية.
أولا، تدمير سلطة الدولة وتهشيمها. السخرية من الرئيس عون، كموقع للرئاسة الاولى، يؤكد ذلك منذ خطابه الاول، وعزله ومنع اي حوار معه مثلما دعا.
يندرج في السياق ايضا محاصرة مجلس النواب ومنعه من القيام باي عمل تشريعي (للمفارقة حتى لو كانت مقرراته تخدم في السياق الظرفي العام مطالب للمحتجين انفسهم). وربما في سياق شبيه، يصح هنا التساؤل عن اسباب اعادة نبش قضية عارضة الازياء الجنوب افريقية وارتباطها بسعد الحريري، وهي قصة سبق ان اثيرت اعلاميا قبل سنوات.
وثانيا، اضعاف ادوات الدولة، كالجيش. لمصلحة من يشاهد اللبنانيون عناصر من الجيش تقفل في وجهها طرقات وتشتم وتركل من بعض المحتجين؟
وثالثا، ضرب رموز قوية داخل السلطة، باستغلال اخطائها وسوء حساباتها. يمكن ان يكون جبران باسيل مثالا هنا. يدرك غالبية اللبنانيين، ان باسيل ليس الرمز الأمثل للفساد والفقر والسلطوية والدم والتي خرجوا احتجاجا ضدها. لكن لسبب ما، يبدو باسيل متصدرا الصورة!
من مكامن قوة الدولة هنا ايضا يمكن ذكر “حزب الله” الذي وصفه الرئيس عون بأنه يمثل ثلث الشعب. هذا صحيح ربما، لكن الاصح ايضا انه الحزب الحليف الاساسي للجنرال عون. ولهذا، منذ الايام الاولى، جرت محاولات حثيثة لشيطنته، وهي عملية تجري اصلا منذ سنوات، لكنها اخذت في الاسابيع الماضية، شكلا ممنهجا، ومروجا له بكثافة في الاعلام (السائر بموجة التظاهر)، وفي “السوشيال ميديا”.
ليس غريبا في هذا السياق كلام الوزير الاميركي بومبيو المضلل عن ضرورة انقاذ لبنان من فساد ايران ! ولا ما جرى من هتاف في اوكار وأوساط محددة ضد السيد نفسه، وفبركة فيديوهات وتسجيلات صوتية تطعن في الهالة التي يتمتع بها. وكما قال احد السفهاء المؤدلجين بمال خليجي ان من اهم منجزات الثورة، “أنسنة” السيد، ما يسهل -بحسب تقديره- الانقضاض عليه، بينما سخر سفيه آخر (او كثيرون) من خطة الاستفادة من معبر البوكمال لتصدير البطاطا اللبنانية الى العراق!
رابعا، تجري ايضا محاولات لم تعد عبثية او لحظية، لتقطيع اوصال الوطن. لمصلحة من انكفاء الناس الى مناطقهم وكانتوناتهم الآمنة، بما يشرع الابواب امام اية مشاريع مشبوهة؟
خامسا، خلق “ايقونة” للثورة. المشهد التراجيدي المؤلم لعلاء بوفخر، لحظة نموذجية في توقيتها وظروفها، تعطي مشروعية ما، في مكان ما، لمسلسل قطع الطرقات، ويمكن ان يسخرها فريق سياسي لخدمته، وهي ظروف لم تتوفر للشهيد المظلوم حسين العطار الذي جرب مقاومة خوة فرضت على عابر سبيل! فلمصحلة من التمييز في ممارسة “التقديس”؟
ان كل ما سبق، لا يزيل حق الناس بالاحتجاج، ولا واجب الدولة الملح، في الاستماع الى آلامهم في هذه البلاد … التعيسة منذ لحظة وجودها.
لكن رجاء، لندع دبكة “اللحمة الوطنية” جانبا. فلقد خرجت للتو من جلسة ذكريات مع ناج من حربنا الاهلية العظيمة.
فلنفكر بلا خوف.
خليل حرب