الرئيسية » Uncategorized » اليمن وجغرافيا النعمة والنقمة.. في بلاد كانت سعيدة ولم تعد

اليمن وجغرافيا النعمة والنقمة.. في بلاد كانت سعيدة ولم تعد

 

هي ذاتها الجغرافيا التي جعلت اليمن سعيدا لقرون، جعلته محط الاطماع والصراعات والحروب والاقتتال الداخلي. الجغرافيا التي يمكن ان تكون نعمة على بلد، صارت نقمة على اليمن واليمنيين.

++++++++++++++++++++++++++++++++++

 

لم تكن الحرب التي يعيشها اليمن حاليا حدثا استثنائيا في تاريخ هذه البلاد التي ينسب اليها الكثير من اصول العرب، والتي تعد بحسب مقاييس الأمم المتحدة، من بين اكثر دول العالم فقرا.

صحيح ان الحرب الحالية التي يكاد يبلغ عمرها ثلاثة اعوام، تعتبر الاكثر تدميرا لانها طالت كل مناحي الحياة والبنى التحتية، ناهيك عن خسائرها البشرية الكبيرة التي فاقهما انتشار الاوبئة والامراض والجوع، الا ان اليمن قلما عرف مراحل هادئة في تاريخه الحديث، بينما اقام في الماضي ممالك لم تكتفي بحكم ما يعرف باليمن حاليا، لكن سيطرتها امتد بعيدا، حتى سلطنة عمان شرقا، وشمالا وصولا الى مكة السعودية، وغربا نحو الساحل الافريقي وتحديدا في اثيوبيا الحالية.

تقلب اليمن الحديث ما بين الاحتلالات والانقلابات والاغتيالات والحروب الاهلية والحروب الخارجية، وكلما قرات اكثر عن تاريخ اليمنيين، قلما وجدت حقبة اتسمت بالهدوء والسلام والاستقرار.

وكلما كانت المنطقة والعالم، تموج بتغييرات وتبدلات وصراعات، كانت الشرارة تصيب اليمن بشكل او باخر. ولهذا اسباب كثيرة لفهم المشهد اليمني المعقد، لكن من بينها حيوية يمنية استثنائية ميزتها على مر العصور عن محيطها الجغرافي، وسمحت لها بانشاء حضارات قوية اثرت البشرية لالاف السنين، وبسط نفوذها وقوتها العسكرية وتجارتها ولغتها على محيطها، وحالت ايضا دون ان تكون اي قوة خارجية قادرة على احتلال اليمن بكامل اراضيه، من الرومان والعثمانيين والبريطانيين والمصريين والسعوديين وصولا الى يومنا هذا.

الا ان السمة الاكثر اهمية التي جعلت اليمن يعيش ازدواجية النعمة والنقمة في آن واحد، تمثلت بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، كبوابة جنوبية للشرق الاوسط، التي جعلته مرات كثيرة ضحية الصراعات الجيوسياسية. اليمن في وقت واحد، يمثل عمقا استراتيجيا لشبه الجزيرة العربية في منطقة القرن الافريقي، وعمقا استراتيجيا ايضا للقارة الافريقية في الاراضي الاسيوية. اي انه نقطة تقاطع والتقاء مصالح، وتصارعها ايضا، وهي نقطة صارت اكثر التهابا مع اكتشاف النفط في منطقة الجزيرة العربية.

ان جزء كبيرا من تجارة الشرق والغرب بحريا صار على مرمى حجر من سواحل اليمنيين، واطلالتهم على باب المندب، احد اكثر معابر البحار في العالم، نشاطا تجاريا..وعسكريا. وضعتهم الجغرافيا بين سلطنة عمان بحدود مشتركة تبلغ نحو 290 كلم، وبين السعودية بحدود مشتركة تبلغ نحو الفي كلم. صار اليمن، بشكل او باخر، بموقع التواصل البحري، ما بين بحر العرب والخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الاحمر، شمالا نحو البحر المتوسط عبر قناة السويس. يتوسط اليمن كل هذه المساحات البحرية. هو اذن في قلب حركة تجارية هائلة، من صادرات وواردات، وتحركات بحرية عسكرية لدول اقليمية وكبرى.

ومما ساعد في تعزيز هذا الموقع الجغرافي الاستثنائي، مجموعة الجزر التابعة لليمن، وبعضها ماهول، سواء في بحر العرب او البحر الاحمر، كجزر كمران وجزر حنيش وجزيرة ميون، الواقعة عند مضيق باب المندب، بالاضافة الى جزر سوقطرى وسمحة ودرسة.

 

 

ومثلما ادركت بريطانيا، التي كانت الشمس لا تغيب عن امبراطوريتها، الاهمية الجيوستراتيجية لليمن منذ زمن طويل، ادركته ايضا الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. الملك السعودي المؤسس عبدالعزيز ادرك ذلك ايضا، ومثله الرئيس المصري جمال عبد الناصر. الكل كان – ولا يزال-، بما في ذلك عصابات القراصنة البحرية، يدرك ان اليمن يتربع على مدخل احد اكثر المعابر البحرية حيوية، والرابط بين الشرق والغرب على ساحل بحري يمتد على طول 2500 كلم.

وبحسب احصاءات متداولة، فان عشرة بالمئة من حجم التجارة العالمية يمر عبر مضيق باب المندب. نحو اربعة ملايين برميل نفط، يمر يوميا ايضا، وهو يشكل اربعة بالمئة من حجم الطلب العالمي على النفط. وبذلك يحتل باب المندب المرتبة الثالثة عالميا في الاهمية نفطيا بعد مضيقي هرمز وملقا. اما سنويا، فتمر عبر باب المندب، اكثر من 20 الف سفينة تجارية.

يقول العقل انها نعمة. ويقول التاريخ انها يمكن ان تكون نقمة شديدة المرارة. اليمن الذي لم يعد سعيدا، ازدهر لالاف السنين. وعادة، ما من لحظة تاريخية حاسمة ومحددة تسجل للدول والممالك على انها لحظة انهيارها. لكن العديد من المؤرخين يربطون التدهور اليمني التاريخي بالانهيار الثالث لسد مأرب.

ولان ما من انهار دائمة الجريان في اليمن، فان السدود كانت سبيلا لا مفر منه للحياة. وبهذا المعنى، فان سد مأرب برغم انهياراته التي تكررت، كان رمزا للبقاء واستمرارية الممالك منذ القرن الثامن قبل الميلاد حتى العام 575 ميلادي. كان السد يعني في ما يعنيه بالاضافة الى العظمة بمعجزته الهندسية الفريدة في ذلك الوقت، الاكتفاء الذاتي مائيا وغذائيا.

وتلاشى دور اليمن تدريجيا، لاسباب عدة، من بينها انهيار السد. وانتقل الثقل على مر السنوات الى مكة، في عمق شبه الجزيرة العربية، عززه لاحقا ظهور الاسلام. ومهما يكن، فان من بين ابرز الممالك التي تسيدت اليمن والمنطقة، “مملكة سبأ”، “مملكة قتبان”، “مملكة معين”، “مملكة حضرموت”، “مملكة حمير”، “مملكة اوسان”، “مملكة دمت”، “مملكة نجران”، و”مملكة ديدان”.

ولم تكن هذه الممالك يقتصر نفوذها على الارض اليمنية الحالية. على اطرافها، وفي جوارها كانت تنشا ممالك صغرى، موالية لها، تقاتل معها، وتدين بالولاء لها، وتساهم في حماية خطوط التجارة البرية لها مع العالم، من اليمن نحو بلاد فارس والهند وبلاد الشام والرافدين، وعبر البحر نحو افريقيا.

 

 

وكما اسلفنا الذكر، فان الكل كان يرى الاهمية الجيوسياسية لموقع اليمن. فاذا انتقلنا الى مرحلة تاريخية أخرى، فان الايوبيين، على سبيل المثال، وبمجرد فرض سيطرتهم على مصر، كان اول ما ارادوه على صعيد الاهتمام الخارجي، الذهاب للسيطرة على اليمن، وذلك لاسباب عدة من بينها تامين الحماية لتجارتهم في البحر الاحمر.

وتاخر الايوبيون كثيرا في السيطرة على صنعاء (العام 1189)، لكنهم فشلوا في السيطرة على صعدة. حيث واجهوا أسلوب حرب عصابات ضدهم. ولم تستمر سيطرتهم على صنعاء سوى اقل من عشرة أعوام، بانتفاضة زيدية ضدهم اخرجتهم منها في العام 1197. لكن من المهم الاشارة الى ان الايوبيين مدوا سيطرتهم لاحقا انطلاقا من اليمن شمالا نحو نجد والحجاز. ولادراكهم لاهمية اليمن، فقد اعتنى الايوبيون كثيرا بتنظيم تجارة اليمن عبر ميناء عدن مع العالم الخارجي، وصولا الى الصين والهند والعراق وبلاد الشام ومصر.

الملك اليمني عمر بن رسول، مثال اخر. فبعد انتهاء حكم الايوبيين، امتد حكم عمر بن رسول الذي اسس حقبة حكم الرسوليين، من اليمن نحو الشمال وصولا الى مكة. وقد تاسست دولته في العام 1229، وكانت هذه الدولة من القوة بحيث انها سمحت لليمنيين، بالتنافس مع حكم المماليك في مصر، على احقية كسوة الكعبة في مكة.

وحتى ما قبل وحدة اليمنين، الجنوبي والشمالي، في 22 أيار 1990، ظلت هذه الارض محط الاطماع والصراعات، تماما مثلما كانت في عهود الوثنيين والمسيحيين واليهود عندما كانت تسمى باسم البلاد السعيدة، بحسب المؤرخين اليونانيين.

وبينما كان اليمن يتخلص من الاستعمار البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، ثم يستقل شطراه، لم تكف نيران الصراعات فيه، مرورا بحرب الانفصال الجنوبي في العام 1994، وصولا الى الحرب الحالية واغتيال الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح في كانون الاول 2017.

فماذا في التفاصيل؟ في مشهد التاريخ الحديث لليمن، قام عبدالله السلال وعلي عبد المغني بانقلاب ضد الامام محمد البدر حميد الدين في 25 أيلول 1962 وأعلنت الجمهورية اليمنية في اليوم التالي، ما اشعل مشاعر المد القومي التي كانت تجتاح المنطقة والجنوب اليمني الذي كان لا يزال تحت الاحتلال الإنكليزي.

وبطبيعة الحال، كان الانكليز في صراع مع القومية العربية وجمال عبد الناصر، وكانوا يرون في انقلاب السلال وإعلان الجمهورية مساسا بمصالحهم في مستعمرتهم اليمنية. لكن ذلك لم يمنع القوميين من التحرك المسلح في ثورة قمعها الإنكليز في العام 1964.

ولم يكن الانقلاب باسم الجمهورية محط اجماع بين القوى والقبائل اليمنية، خصوصا في ظل وجود القوات الانكليزية، والصراع الاقليمي بين المملكة السعودية وجمهورية مصر بقيادة عبد الناصر الذي ارسل في البداية مئات الجنود لدعم الجمهوريين بعد ايام على الانقلاب ضد النظام الامامي.

وسرعان ما تطور التدخل المصري ليصل عديد القوات الى نحو 20 الف جندي، واجهوا مقاومة وحرب عصابات من مسلحي الامام محمد البدر حميد الدين الذي تحصن في الجبال، مدعوما بشكل طبيعي من الإنكليز والسعوديين.

وهنا لا بد من الاشارة الى انه من المفارقات التاريخية ان مسلحي مناطق محافظتي صعدة وحجة، كانوا يقاتلون الجمهوريين والقوات المصرية دفاعا عن الامامية، وتلقوا دعما من المملكة السعودية التي تخوض الان الحرب ضد قوى يمنية يناصرهم الزيديون وصعدة وغيرها.

وكان كل هذا يجري في ظلال الحرب الباردة التي كانت قائمة في الستينات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ولهذا، سعت المملكة السعودية الى اثارة مخاوف الاميركيين من الجمهورية الجديدة في اليمن. لكن الرئيس الاميركي آنذاك جون كينيدي، اعلن الاعتراف بالجمهورية في كانون الاول 1962. وتشير تقارير الى ان كينيدي ذهب ابعد من ذلك بمطالبته السعودية نفسها باجراء اصلاحات داخلية على الرغم من الحرب الباردة مع موسكو التي كانت اول من اعترف بالجمهورية اليمنية الوليدة.

واستنزف الجيش المصري على مدى سنوات في الحرب اليمنية. وهناك تقارير تتحدث عن 15 الف قتيل مصري في الحرب. صحيح ان مصر تعثرت في المستنقع اليمني، الا انها لم تغرق كما جرى مع العثمانيين قبلها. جيوش باكلمها كانت ترسل من الولاة العثمانيين بامر من الاستانة، ولا يتبقى منها سوى كتائب صغيرة متشرذمة.

 

 

المهم هنا، ان السعودية وقفت مساندة للنظام الامامي. وتلقى النظام الامامي في الوقت نفسه دعما عسكريا بريطانيا غير مباشر عبر توفير السلاح وتجنيد المقاتلين ضد انصار الجمهورية. وهناك تقارير كثيرة أيضا تحدثت عن دور إسرائيلي كبير في دعم القوات المعادية للجمهورية والجيش المصري.

في خلاصة الازمة، فان المملكة السعودية كانت في صراع وجودي مع عروبيي عبد الناصر، وكان اليمن ساحة من ساحات المواجهة المفتوحة بينهما. وكان الطرفان يدركان ان السيطرة على زمام الامور في صنعاء وعدن، يشكل ورقة رابحة في هذا التجاذب الجيوستراتيجي القائم.

ولضمان نفوذها، نقلت السعودية دعمها، خلال مسار الحرب من الملكيين الاماميين، الى شخصية بديلة تمثلت في احمد محمد نعمان الذي رات فيه الرياض ورقة رابحة اكثر، لا تنتمي الى الملكيين ولا الجمهوريين. حصل نعمان على تاييد الملك فيصل. وفي العام 1967، تم عزل الرئيس عبدالله السلال وتولى عبد الرحمن الارياني رئاسة الجمهورية وتوقفت الحرب مؤقتا في العام 1970 بحصول الجمهورية الجديدة على اعتراف رسمي سعودي، بعد وفاة جمال عبد الناصر.

ولم تتوقف الانقلابات والاغتيالات. الضابط إبراهيم الحمدي اطاح بالارياني. إبراهيم الحمدي حاول تعزيز دور المؤسسة العسكرية النظامية على حساب نفوذ القبائل وزعمائها. ثم حاول الزعيم القبلي عبدالله بن الاحمر الاطاحة بنظام الحمدي لكنه فشل. ومع ذلك اغتيل الحمدي لاحقا. ثم تولى احمد الغشمي رئاسة الجمهورية العام 1977، وقتل بعدها بثمانية شهور. وخلفه القاضي عبد الكريم العرشي لفترة قصيرة، ليظهر بعدها علي عبدالله صالح القادم من المؤسسة العسكرية، ويتولى الرئاسة في صنعاء.

ولم يكن المشهد في الجنوب اليمني مغايرا. في منتصف الستينات، كان الاحتلال البريطاني لا يزال قائما. وكانت من شروط انسحابه من اليمن الا تتدخل عدن الجنوبية في شؤون مستعمرات بريطانيا في الخليج. وخرج الانكليز من عدن في العام 1967 والتي اصبحت برئاسة قحطان الشعبي (من الجبهة القومية للتحرير).

وتوالت الاحداث والحروب الداخلية خصوصا في الجنوب وصولا الى السبعينات. وكان من الواضح ان الوحدة بين شطري اليمن ممنوعة. الرئيسان الجنوبي والشمالي ابراهيم حمدي وسالم ربيع علي تقاربا وتفاهما على اعلان الوحدة في العام 1977، لكن الرجلين اغتيلا قبل هذا التاريخ في جريمتين احاط بهما الكثير من الغموض. الى ان حان زمن علي عبدالله صالح (الشمالي) ووعلي سالم البيض (الجنوبي).

وبخلاف مسار التاريخ وانهيار جدار برلين، تقارب الشطران اليمنيان تدريجيا. شعر الاشتراكيون الجنوبيون ان سقوط الاتحاد السوفياتي سيترك بصمات قاتلة على وجود الكيان. ولعل ذلك من بين اسباب أخرى، ساهمت في تحقيق الوحدة اخيرا في العام 1990.

ولم يدم التعايش طويلا. في العام 1994 اندلعت الحرب بين الطرفين، وكتب فيها الانتصار للشطر الشمالي الذي وجد مؤيدين في الجنوب من جماعة الرئيس الاسبق علي ناصر محمد ومن التيارات الاسلامية التي كانت تعادي الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب. اما السعودية فبدا انحيازها واضحا للجنوبيين. لكن علي عبدالله صالح الذي قال لاحقا في مقابلات صحافية انه كان يرى انتصار الشمال شبه مستحيل، استطاع بحنكته، من خلال مجموعة من التحالفات الداخلية مع القبائل والإسلاميين، ان يكسر شوكة علي سالم البيض، ويؤكد ثبات الوحدة اليمنية.

لكن قضية الجنوب اليمني ظلت جرحا يمنيا مفتوحا، ومناسبة للقوى الخارجية للتلاعب بالساحة الداخلية في اليمن. الجنوب، القليل السكان، والمتمتع بساحة ضعف مساحة المال، يتميز بثروات اقتصادية مهمة، من بينها احتياط الغاز والنفط، الى جانب مرفأ عدن الاستراتيجي في نشاطه تاريخيا.

شريان اساسي للتجارة العالمية يمر عبر سواحل اليمن. باب المندب صار اكثر جذبا للطامعين، بعد شق قناة السويس في القرن التاسع عشر. وفي العصر الحديث، صارت الولايات المتحدة لاعبا جديدا وكبيرا في الازمات اليمنية. وساهم انتشار تنظيم “القاعدة” في الاراضي اليمنية، ثم استهداف البارجة الاميركية “كول” قبالة سواحل عدن، في تسهيل التغلغل الامني الاميركي في الساحة اليمنية.

لكن الاقتصاد، ظل عامل الجذب الاكثر أهمية. الشريان الاقتصادي هذا، الذي تستفيد منه الصين، العملاق الاقتصادي، واوروبا، وخصوصا نقل موارد الطاقة بين الشرق والغرب، جعل الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين والاسرائيليين والروس والايرانيين، يبحثون عن مواطئ لاقدامهم، اما على السواحل اليمنية نفسها او في السواحل الخليجية والافريقية المجاورة. اما اليمن، فما زال يعيش ما بين النعمة والنقمة.

 

علي عبدالله صالح…. الحسابات الاخيرة للداهية

 

 

علي عبدالله صالح. 33 سنة في الحكم. من كان يظن انه سيقوم بحسابات سياسية اخيرة، تودي به؟ سيرة علي عبدالله صالح عفاش، من سيرة بلاده الحزينة. في تحالفاتها وانقلاباتها وحروبها وتعقيداتها السياسية والقبلية والمجتمعية.

عاصر زعماء ورؤساء وملوك. راحت انظمة وشخصيات وجاء بديلها، وظل هو يعرف ك”الساحر” كيف يقوم بحركة مباغتة، تعيده في الحسابات الداخلية والخارجية، لاعبا اساسيا لا تقوم قائمة لمعادلة من دونه.

الداهية الذي عرف كيف يتحرك بين الغام التركيبة اليمنية والاقليمية، فاخطا مرات واصاب مرات كثيرة، قام بمقامرة اخيرة، لاعادة التموضع سياسيا وعسكريا في الحرب، فانتهى باصطدام اخير، مع “انصار الله” الذين حاربهم ست مرات في جبال صعدة، وانتهى به الامر حليفهم في مواجهة حرب “التحالف العربي”.

هو اشياء كثيرة بالنسبة لحلفائه وخصومه. هو الرئيس، هو الزعيم الشعبوي، هو الديكتاتور، هو ملك السياسة، هو المحظوظ، هو الراقص على رؤوس الثعابين، وهو صاحب اطول فترة حكم لليمن في العصر الحديث، وهذه بحد ذاتها تكاد تكون معجزة.

علي عبدالله صالح المولود في العام 1947، لم يكن قد بلغ الثلاثين من العمر عندما تولى رئاسة جمهورية اليمن (الشمالي). انقلابان مهدا الطريق امامه صدفة. فبينما كان يتدرج صعودا في القيادات الميدانية للجيش، جاء الانقلاب الذي قام به الرئيس إبراهيم الحمدي لينهي حكم الرئيس عبد الرحمن الارياني. ثم تم اغتيال الحمدي، فجاء من بعده احمد الغشمي، ثم اغتيل بعدها بثمانية شهور فقط، فتولى عبد الكريم العرشي الرئاسة مؤقتا، فيما جرى انتخاب علي عبدالله صالح، العضو في مجلس الرئاسة، رئيسا للجمهورية وهو لا يزال برتبة مقدم في الجيش.

ولد صالح في 21 مارس/اذار عام 1942 في قرية بيت الاحمر في منطقة سنحان التابعة لمحافظة صنعاء لاسرة فقيرة وعاش معاناة كبيرة بعد طلاق والديه في سن مبكرة. وكان يعمل كراع للغنم، وانضم الى الجيش الامامي، لكنه التحق بالقوات الجمهورية لاحقا، ومن هناك تدرج في الجيش.

وكما اشرنا فقد تولى الرئاسة في العام 1978، ثم اسس حزب المؤتمر الشعبي. وفي العام 1990، اصبح اول رئيس لليمن الموحد (الشمالي والجنوبي) بعد مفاوضات شاقة مع علي سالم البيض الذي اصبح نائبا للرئيس. اختلف الرجلان، وسعى البيض الى الانفصال مجددا فاندلعت حرب العام 1994، والتي انتهت بفرار البيض، وبقاء الوحدة. اتخذ موقفا صعبا في مرحلة غزو صدام حسين للكويت في العام 1990، اذ كان يجمعه تحالف معه ومع الرئيس المصري السابق حسني مبارك والملك الاردني السابق حسين. جاهر علي عبدالله صالح بمعارضته لتدخل قوات اجنبية في تحرير الكويت، ففسر موقفه بمثابة تاييد للغزو العراقي للكويت.

وكانت علاقته مع السعودية والولايات المتحدة بين مد وجزر. لكنه نجح في فرض نفسه كلاعب اساسي في اليمن، خصوصا مع صعود خطر تنظيم “القاعدة” في اليمن، وتلقى الكثير من الدعم من واشنطن. وشكل قوات “الحرس الجمهوري” الاكثر قوة في المؤسسة العسكرية. وعمل على تعزيز وجود اقاربه وابناء قبيلته والقبائل الحليفة في الجيش والاجهزة الامنية. وفي العام 2000، سوى الخلاف مع السعودية بموافقته على ترسيم الحدود مع المملكة.

وخاض ستة حروب مع “الحوثيين” بين عامي 2004 و2010، وتلقى دعما مباشرا من السعودية. ولم ينجح صالح في قمع محافظتي صعدة وعمران. وفي العام 2011، اندلعت احتجاجات “الربيع العربي”، وتجاهلها الرئيس اليمني حتى كبر الحراك ضده، وتعرض لمحاولة اغتيال، واصيب بحروق شديدة، وسافر للعلاج في السعودية، ثم اعلن عن ترتيبات لنقل السلطة الى نائبه عبد ربه منصور هادي في العام 2012، لينتهي حكمه بعد 33 سنة، ثم اغتياله في كانون الأول 2017 بعدما سعى الى الانشقاق من تحالفه مع “انصار الله” فيما يعيش اليمن حربا لم يشهدها في تاريخه.

 

خليل حرب

 

 

 

 

 

 

 

 

عن جورنال