يصعدون مسرعين على الدرج المتكئ على تعب الحروب، يلتقطون صورا في مبنى التياترو الكبير، المدمر منذ الحرب الاهلية في لبنان، كأنهم يشاهدون عرضا مسرحيا يتسابقون لتوثيقه، هو توثيق الذكرى التي لم تحدث في زمنهم، واكتشفوا وجودها أمام أعينهم طوال الوقت دون أن يعرفوها.
ابتلعت شركة سوليدير هوية بيروت، كوحش أرادها أميرة على طراز معماري جميل، وربما نجح، ولكن من يبلط البحر في الاملاك البحرية، وأراد أن يبلط السماء في الابراج العالية التي غزت الساحات العامة وتملكتها، لا يبني مدينة، كيف يعاد بناء مدينة ليس فيها ساحة عامة تجمع كل فئات المجتمع؟ تدمير الساحات والحدائق العامة هو بناء حاجز اسمنتي بين الناس.
ننتظر الحروب حتى نتعرف على أنفسنا، تفاجأ الجميع أننا شعب واحد، وان العلة من زعماء الطوائف! هل توصيف قعر المستنقع الذي نعيش فيه بهذه البساطة!؟.
في بيروت، تتلمس الهوية بحثا وليس وضوحا، خلف الابنية المرتفعة والعشوائيات المنتشرة، هناك صوت طفلة…
في وسط بيروت، ساحة الشهداء، البلد، خلف التنوع المعتاد الذي اعتدنا عليه، الكنيسة والمسجد، ترتاح الاثار الكنعانية بعيدا عن ضوضاء المدينة، هاربة مثل فتاة أرادوا تزويجها غصبا لعريسها الاسمنتي، هي جميلة لو أخرجناها علنا، هي ليست قاصرا للزواج، لكنها ناضجة أكثر من أن تكون زوجة لأحد..
في بيروت، أحياء تحكي قصص الناس، يمكن الاستماع إليها بشكل متقطع، كأن كل قطعة مدينة قائمة وربما وطن قائم بذاته، لكن البحث، ومن الضروري أن يكون سيرا على الاقدام، ندرك قليلا أن المدينة العادلة، وليس المتساوية، هي التي يجد فيها كل فئات المجتمع، بالمعنى الثقافي والفكري والمادي والروحي، مساحة لهم يعيشون فيها، ومساحة مشتركة يعيشون فيها معا. حواجز الوهم أصعب من جدار برلين.
الحلول كثيرة، ولكن تبقى المدرسة، وحدها المدرسة الوطنية، وكتاب التربية والتاريخ، هي التي تؤسس لان تخرجنا من قبائلنا، لنلتقي في الرياضة والموسيقى والتجارة وغيرها. البشرية قبائل متعايشة، نخرج منها في لحظة الامان ونعود إليها في الخوف، لكنها تبقى موجودة، الدولة العادلة تحافظ على خروجنا منها دون أن تدمرها.
وسام عبدالله