تعممت في وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان دعوات تحمل اسم جهات مرتبطة ب “ثورة 17 تشرين” تضع على رأس اولوياتها بند المطالبة بمواجهة التهريب على الحدود بين لبنان وسوريا.
ويقترب في هذه الاثناء موعد البدء بتطبيق ما يسمى “قانون قيصر”.
والتزامن ليس بريئا بالمرة. في ان يكتشف لبنانيون ان هناك تهريبا، وهو اصلا قائم منذ عشرات السنين، وثانيا في أن يؤمنوا بان هذا التهريب “أم المعارك” في نكبتهم المعيشية، المالية، الاقتصادية، السياسية والمذهبية مع لصوص الهيكل.
ويشتهر اللبنانيون بأنهم يحترفون تضييع البوصلة. هذه سمة تاريخية لديهم.
واذا كان لا يمكن الدفاع عن التهريب الحدودي مهما كان، الا ان الاصرار على تحويل الملف الى أولوية كبرى وأموالنا ضائعة في خزائن بنكية وسياسية، يدفعك الى طرح علامة استفهام.
لكن المشكلة الاكبر تكمن في مكان آخر.
“قانون قيصر” في توقيته واستهدافاته، يجر لبنان جرا الى احتقان أكثر خطورة. يشعل القانون الاميركي، فتيل انفجار محتمل.
وتعتقد شريحة لبنانية وازنة ان “دولاراتهم” جرى تهريبها الى سوريا! هذه من الضلالات الرائجة هذه الايام في حين ان الارقام الثابتة تقول ان ودائع البنوك اللبنانية تضخمت بمليارات الدولارات من جانب مودعين سوريين.
وليس بامكان حكومة حسان دياب تفكيك عبوة مفخخة بمثل هذه الخطورة.
لكنها في الوقت نفسه، وهي تلقي أوراق رهاناتها الاساسية على صندوق النقد الدولي، ينفتح لبنان على شبابيك الضغوط والابتزاز: “القروض مقابل قيصر”. هذه ليست سوى وصفة سهلة للتفجير.
فلا يتصورن أحد ان قروضا من صندوق النقد ستنهال حبيا على لبنان، وهي ترفق عادة بمجموعة من التسويات ان لم نقل تنازلات سياسية واقتصادية، قبل ان يمنح الاميركي الضوء الاخضر لها لتمر.
ومن السذاجة الافتراض ان الصورة مغايرة لذلك. يدرك رياض سلامة، المفاوض الرئيسي مع الصندوق بحسب ما يبدو، وغازي وزني، انها شروط “اللعبة”.
يفرض “قانون قيصر” ببساطة، على لبنان الانخراط في حملة حصار على سوريا. مهما كان موقفك السياسي من “الحرب على سوريا”، انت مجبر الان على المشاركة فيها، اذا اردت ان تنأى بنفسك عن مخاطر العقوبات.
وليست صدفة تلك الدعوات المجهولة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا نداءات بعض صغار السياسيين من الكتبة لدى السفارات، التحذير من مخاطر عدم الالتزام بهذا القانون الاميركي والذي يصنفونه كذبا وتضليلا “قانونا دوليا”!
هل بمقدور حكومة حسان دياب المواجهة؟ شخصيا أشك.
وهل لديها من الادوات الداخلية ما يتيح لها التملص من وقاحة اميركية؟ ألا تتعرض للطعن مسبقا من جانب قوى اذا دققنا فيها، سنجدها من ضمن صفوف من لا يعارض “قانون قيصر”؟ وممن يرفض منذ سنوات “التعايش” الاقتصادي على دمشق؟
وهذه ليست مجرد مصادفات.
اذا تحت وطأة كل ما يواجه اللبنانيين من ضغوطات وأزمات خانقة، مجبرون نحن على الانصياع للقانون الاميركي الغريب في توقيته لانه يأتي في مرحلة تحاول سوريا الخروج من عنق زجاجة الحرب، وهو يحمل عنوان “حماية المدنيين السوريين”.
وعلى اللبنانيين بمعنى آخر ان يساهموا بفاعلية أكبر في خنق السوريين في بلادهم، ما يعني ان يستمر اللبنانيون أيضا في دفع الاثمان، سواء من نار الحرب السورية، او في جنة الهدوء السوري النسبي.
المطلوب باختصار، وأد أي محاولة من السوريين في مرحلة الضائقة الاقتصادية، الخروج من مستنقع الدمار.
يستهدف القانون ايضا منع دول الجوار، اي لبنان والاردن وتركيا والعراق، من القيام بأي معاملات تجارية مع التجار والمناطق السورية المختلفة.
والمطلوب بشكل أكبر، منع الايرانيين والروس – وغيرهم ان وجدوا – من الرهان على مشروعات الاستثمار واعادة الاعمار مستقبلا.
غير ان الرهان الأكثر خطورة، تحقيق الهدف القديم – الجديد، المتمثل بقطع شريان اقليمي من ايران الى العراق وسوريا نحو سواحل المتوسط.
ان التجارة، الكهرباء، البضائع، السلاح، والنفوذ، كلها محرمات اميركية. لا حكومة مصطفى الكاظمي في بغداد، ولا حكومة عماد خميس في دمشق، ولا حكومة حسان دياب، في حالة تتيح لها “الممانعة” الحاسمة.
“قانون قيصر”، حصان خشبي جديد، فبركه الاميركيون، لانهاك طروادة الاقليمية من الداخل. وهنا، لمن يهمه الأمر، مكمن الخطر على لبنان.
خليل حرب