الأحداث التي تحصل في بعض الولايات المتحدّة الأميركية تستحقّ التوقف عندها. لم يكن جورج فلويد هو الضحيّة الأولى ولن يكون الضحيّة الأخيرة لنظام يدّعي الديمقراطيّة وينشر الإرهاب أينما حلّ، هو أو سائطه.
مشهد الخنْق والاختناق، حبْس الأنفاس، الفوقيّة، الأبيض والأسود، الأعلى والأدنى، مَن يرسم هذه المعايير؟ مَن يضع هذه الشروط؟ وإلى أيّ حدّ تُمدَّد صلاحيّة استخدامها في القرن الحادي والعشرين؟
والسّؤال المطروح إلى أيّ حدّ يتطابق مشهد التعنيف من قبل الشرطي الأميركي مع العنف الممارس من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومن قبل سلطات القمع والذّلّ في العالم؟
هذا المشهد، مع الأسف، يتكرّر لا في الأراضي المحتلّة ولا من قبل جنود أميركيّين متعصّبين، لكن المفارقة أنّ هذه الممارسة العنيفة في المجتمع اللبناني تظهر من وقت إلى آخر على السّطح، وإن اختلفت تسمياتها.
فكم شابًّا وشابة تمّ التنكيل بهم، وكم شخصًا تمّ سحلهم، وكم نفسًا خُنق بحجّة الحفاظ على هيبة الدولة وعلى السِّلم والتوازن…
نحن اللبنانيين اعتدنا التجيّيش على السوشيل ميديا، بعيدا من إجراءات حاسمة على الأرض، نرى الكثيرين يتضامنون مع فلويد، ويتنافسون في نشر التغريدات الدّاعمة للحريّات وهم في الآن نفسه رأس حربة القمع والديكتاتوريّة.
ولا عجب من هذا الانفصام في شخصيّة العديد من اللبنانيّين، هذا الانفصام الذي عادة ما ينفجر عند أيّ حدث داخلي أو إقليمي أو دولي. بعضهم يثور وينتفض رفضًا لانتهاك كرامة الإنسان، بينما هذا البعض نفسه نجده يصفّق لمن يسحق كرامته.
وثمّة من ينتفض على الورق، باعتباره” كائنًا من ورق” ولكن سرعان ما يتخلّى عن شعارات ناضل من أجلها مع أوّل انتخابات قادمة.
مينيابوليس، ليست مجرّد مدينة أميركيّة، بل هي معتقل الخيام وسجن أنصار وسجن أبو غريب، هي بيروت والقدس وصنعاء وبغداد، هي بلاد العرب وعواصمهم.
مَن اعتصر أنفاس كلويد_ وتبرأ منه العالم المتحضّر_ قد يحاصرنا أنّى توجّهنا؛ في الساحات، والشّرفات، في الدّكاكين والحارات والأزقّة، هو متربّص عند مفترق كلّ طريق، وجاهز أبدًا لقطع نفس كلّ طالب حريّة.
نازك بدير
أستاذة في الجامعة اللبنانية