الرئيسية » العالم والخليج » سيناء .. الامتحان الأكبر لمصر

سيناء .. الامتحان الأكبر لمصر

 

مساحتها تعادل 6 امثال مساحة لبنان، لكنها لا تشكل سوى 6 في المئة من مساحة مصر.. وأكبر همومها. تشغل بال اكثر من مئة مليون مصري، وقلوبهم. نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي يبدو على محك الاحداث الدموية التي تشهدها شبه جزيرة سيناء بصحاريها وجبالها في الذكرى ال63 لتحريرها التي مرت قبل ايام. الجيش المصري مكلف باوسع عملية عسكرية فيها، لضرب الجماعات المسلحة، لكن المعركة تبدو طويلة وشاقة.

++++++++++++++++++++++++++++++

 

على مر التاريخ، تعاملت مصر مع امنها قومي على انه يمتد من القرن الافريقي جنوبا، نحو جبال طوروس في الاناضول شمالا. حتى عندما كانت تنهمك في ازماتها الداخلية، كانت المخاطر تعيد تذكيرها بهذه الحدود الواسعة للرؤية. وكان الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل، دائم التذكير للمصريين بان امنهم لا يمكن ان يكون منعزلا عن هذه الحدود الجغرافية.

وقد كانت سيناء، معبرا للعديد من هذه المخاطر، منذ ما قبل الحيثيين، والمعركة الشهيرة معهم في قادش (في سوريا) قبل الميلاد، مرورا بغزو المغول، ومعركة عين جالوت معهم، وصولا الى زحف الجيش المصري نحو الاستانة في القرن التاسع عشر. وقبل نحو الفي سنة قبل الميلاد، كانت حدود مصر تمتد من الاناضول شمالا الى القرن الافريقي، ومن الصحراء الليبية غربا الى نهر الفرات شرقا، ما جعلها الامبراطورية الاكبر في التاريخ في ذلك الوقت.

ودارت العديد من معارك مصر خارج حدودها الحالية، لانها كانت تعكس هذا الإحساس بالبعد الجغرافي للامن القومي المصري. سيناء كانت بشكل كبير مدخلا محتملا للنار.

مدخل للنار واسمها كما يعتقد البعض مشتق من اسم الهة قديمة هو اسم اله القمر سين، فيما يعتبر اخرون ان معناها “الحجر” لكثرة جبالها، وقال اخرون ان اسمها في الهيروغليفية القديمة “توشريت” اي ارض الجدب والعراء! ومع ذلك، فهي في الرواية الدينية، حيث تلقى النبي موسى الوصايا من الله. وزادت اهمية سيناء عالميا، منذ شق قناة السويس التي شكلت منعطفا في حركة التجارة العالمية.

ولهذا، ولاسباب كثيرة، تختزن سيناء الكثير من المعاني التاريخية والدينية، بالاضافة الى الاهمية الجيوسياسية الاستثنائية بربطها بين قارتي اسيا وافريقيا، وارتباطها بالبحر المتوسط والبحر الاحمر.

في القرن العشرين، الحروب من اجل فلسطين، دارت رحاها على تراب سيناء. وقبلها كانت المسرح الذي شهد “العدوان الثلاثي” (فرنسا وبريطانيا واسرائيل”. وتحولت سيناء الى الخاصرة الرخوة للامن المصري، منذ ما بعد “معاهدة كامب ديفيد” ايام الرئيس السابق انور السادات، والتي نصت على حضور امني رمزي للدولة، برعاية وضمانات اميركية.

تنامى الخطر من داخلها، وفيها، رويدا رويدا. اجتمعت كل العوامل لتشكيل تربة خصبة لتكون النيران هذه المرة، من داخل سيناء. غياب الوقاية الامنية للحكومات المتعاقبة، عودة ما سمي ب”المجاهدين العرب” من حرب افغانستان في الثمانينيات، انفتاح سيناء على عالم السياحة الواسع في بيئة تتسم بالمحافظة والعادات العشائرية، خسارة القبائل الكثير من اراضيها، وعدم شمول ابناء سيناء، وقبائلها الابرز، اي السواركة والرميلات والترابين والمساعيد، بالطفرة الاقتصادية التي حققتها مناطق المنتجعات وتدفق عليها ملايين السياح العرب والاجانب، بعدما استعادت مصر اراضي سيناء من الاحتلال الاسرائيلي في الثمانينيات.

 

الا ان العديد من الخبراء المصريين، يعتبرون ان حال قطاع غزة الذي كان واقعا تحت الاحتلال الاسرائيلي المباشر، ثم لاحقا تحت الحصار الإسرائيلي الكامل، ساهم بشكل كبير في تاجيج بذور التوتر والنقمة. كما ان عودة العديد من “الجهاديين” من العراق بعد سقوط بغداد في العام 2003، الى مصر، ساهم في انتشار افكار التكفير والتطرف، سواء من خلال الدعاة في منابر دينية، او من خلال قياديين عسكريين، عملوا على تشكيل خلايا عسكرية. لكن الطامة الكبرى كما يرى محللون كانت في سقوط مخازن الاسلحة الهائلة التي كانت لدى نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، في ايدي الفصائل المسلحة المختلفة، اذ اظهرت التحقيقات لاحقا ان الكثير منها جرى تهريبه الى مصر، والى سيناء تحديدا.

الا انه بخلاف ما هو شائع بان خطر الإرهاب في سيناء ظهر في مرحلة ما بعد “الثورة المصرية” في العام 2011، فان الوقائع تشير الى ان الهجمات الارهابية طالت مناطق مختلفة من سيناء، وخصوصا مناطق السياحة منذ ما قبل ذلك بسنوات عدة. ففي العام 2004، وقعت تفجيرات في طابا ونويبع، اوقعت ثلاثين قتيلا. وبعدها بعام، هزت شرم الشيخ، سلسلة تفجيرات، اوقعت نحو 300 ضحية بين قتيل وجريح، واعلنت “كتائب عبدالله عزام”، المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، مسؤوليتها عنها. ثم بعدها بعام ايضا (في 2006) وقعت تفجيرات في منتجع دهب اوقعت عشرات الضحايا.

وكانت فكرة استهداف السياح، بدات في الظهور منذ التسعينات، اي خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، اذ كانت الجماعات الارهابية المتعددة، تعتقد ان ضرب القطاع السياحي، يحقق هدفين اساسيين: اولا، تشويه صورة استقرار النظام عالميا، وثانيا الحاق الاذى بموارد النظام المالية من القطاع السياحي المزدهر. ولهذا، وقع اسوا هجوم ارهابي واكثرها دموية في 17 تشرين الثاني العام 1997 بما عرف ب”مذبحة الأقصر” حيث قتل 58 سائحا أجنبيا معظمهم سويسريون و4 مصريين قرب معبد الملكة حتشبسوت.

العديد من التنظيمات المسلحة ظهرت في صحراء سيناء الواسعة، ومدنها وبين عشائرها. وبالاضافة الى “جماعة عبدالله عزام” التي والت تنظيم “القاعدة”، ظهرت تنظيمات مثل “الجماعة الإسلامية” و”تنظيم التوحيد والجهاد”.

ومن المعلوم ان قائد “تنظيم الجهاد” ايمن الظواهري اعلن خلال التسعينات، التحالف مع زعيم تنظيم “القاعدة” اسامة بن لادن، وشكلا في افغانستان، ما عرف ب”الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين”. التنظيم الموحد، كما هو معروف، سيعلن مسؤوليته بعد سنوات قليلة، عن هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة

وهناك ايضا “مجلس شورى المجاهدين” و”اجناد مصر” و “جند الاسلام” و”انصار جند الله”. وفي العام 2014 اعلنت جماعة “انصار بيت المقدس” في سيناء عن تغيير اسمها الى “ولاية سيناء”، واعلنت الولاء لزعيم “داعش” ابو بكر البغدادي.

التحدي الامني الذي شكلته التنظيمات الجديدة في سيناء، انها تعلمت من تجارب جيلي الإرهابيين، الاول والثاني من فترة السبعينات والتسعينات، في تنظيم خلاياها معتمدة الاسلوب العنقودي في التجنيد والتنظيم والعمل، لتجنب تدمير التنظيم في حال اختراقه امنيا.

ويقول صحافيون مصريون ان “المجلس العسكري” الذي حكم مصر بعد الاطاحة بحسني مبارك، اراد احتواء التوتر في العلاقة مع جماعة “الاخوان المسلمين”، وسمح، كما فعل ايضا الرئيس محمد مرسي لاحقا، من خلال قرارات عفو، باطلاق سراح المئات من المعتقلين الاسلاميين الذين كان مبارك قد سجنهم في السنوات السابقة. ويعتقد ان العديد من هؤلاء المعتقلين، جرى “ادلجتهم” او تنظيمهم في خلايا سرية، خلال سنوات السجن الى جانب عتاة القياديين في الجماعات الارهابية، ولما خرجوا في اطار الصفقة مع “جماعة الاخوان”، انخرط كل منهم في مهمات موكلة من بينها تنظيم الصفوف والخلايا المسلحة في سيناء وغيرها.

ولعل التطور الأكثر خطورة تمثل بتفجير طائرة ركاب مدنية تقل اكثر من 200 سائح روسي في تشرين الاول 2015، بعيد إقلاعها من مطار شرم الشيخ. مثل الهجوم الإرهابي، ضربة قاصمة للسياحة المصرية.

غير انه في تشرين الثاني 2017، وقع الهجوم الاكثر دموية في سيناء وفي مصر، وتحديدا ضد جامع الروضة التابع للصوفيين في مدينة العريش، حيث قتل المسلحون اكثر من 300 من المصلين. ولم يكن هذا الهجوم، الوحيد ولا الاخير، اذ لا زالت سيناء تشهد هجمات ضد قوات الامن والجيش.

لكن دماء مذبحة مسجد الروضة، هزت مصر كلها، على بشاعتها، وعلى جرأة المسلحين في ارتكاب جريمتهم بالطريقة التي جرت فيها. الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلف رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمد فريق حجازي، ووزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، في 29 تشرين الثاني 2017، بالقضاء على الإرهاب في سيناء خلال ثلاثة أشهر.

وكغيرها من العمليات الكبرى للقوات الامنية، لم تحقق الحسم المرجو. وتدور حاليا عملية اخرى مكملة لها، تحمل اسم “العملية الشاملة سيناء 2018” بمشاركة الاف العناصر من القوات البرية والجوية والبحرية، وبدات في 9 شباط 2018 في شمال ووسط سيناء. وطرح كثيرون تساؤلات حول التوقيت، وحول التنسيق المصري- الاسرائيلي، وهو بالمناسبة تروج إسرائيل الحديث عنه وتضخمه.

كما ربط البعض العملية العسكرية الكبرى بالانتخابات الرئاسية في مصر. لكن الثابت بحسب اعلان مصري رسمي ان 60 الف مقاتل وثلاثة الاف الية ومركبة، و355 طائرة من مختلف الانواع، تشارك في العملية، وهي ارقام تتجاوز بكثير محددات “معاهدة كامب ديفيد” التي قيدت ايادي مصر الامنية في سيناء منذ نحو 40 سنة.

اطلق على مصر اسم “ارض الكنانة” لان الله حفظها في قلب الصحراء، وهي مكنونة او محصنة. ترى هل تتغلب على كل هذه المخاوف الاتية من سيناء؟

 

اهلها ومواردها

 

يقدر عدد سكان شبه جزيرة سيناء حوالى 700 ألف نسمة، يتركزون في شمال سيناء وفي جنوبها. وغالبية هؤلاء هم من البدو، ومن عشائر الترابين والسواركة والعزازمة والحويطات.

 

خليل حرب

 

 

 

 

 

 

 

 

عن خليل حرب

خليل حرب، صحافي لبناني، مدير تحرير في جريدة "السفير" سابقا. يشغل اليوم منصب رئيس تحرير موقع "جورنال".